Kebebasan Manusia dan Sains: Masalah Falsafah
الحرية الإنسانية والعلم: مشكلة فلسفية
Genre-genre
ومن الناحية الأخرى نجد أن الخاصة المميزة للفيزياء هي أنها مصوغة في حدود المعادلات الرياضية، حتى أوشكت الحدود أن تضيع بين الفيزياء والرياضة، وكلما ازداد العلم تقدما ازداد إيغالا في عالم الرياضيات: لغة العلم، ومع هذا تظل المعادلات الرياضية البحتة يقينية، بينما المعادلات الفيزيائية الرياضية محض احتمالية، فكيف؟! الحل بات واضحا، فصدق القضايا الرياضية يعتمد على العلاقات الداخلية بين أطرافها، أما صدق القضايا الفيزيائية فيعتمد على علاقتها بشيء خارجي، مرتبط بالخبرة، إن التمييز راجع إلى اختلاف موضوعات العلمين، واختلاف الخاصة المنطقية لكليهما، الرياضة تحليلية والفيزياء تركيبية، وموضوعات الفيزياء لا يمكن أن تتحدد ببديهيات ومسلمات؛ لأنها شيء في العالم الواقعي التجريبي، وليست في العالم المنطقي للرياضيات.
إن الرياضيات محض لغة وأداة فحسب، تقتصر على صياغة علاقات فارغة، تسري على كل كوزموس ممكن سواء أكان حتميا أو لا حتميا؛ لذلك وصلت الفيزياء المعاصرة إلى الذروة في سمتها الرياضية، وبصورة لم تكن تخطر على بال علماء الفيزياء الكلاسيكية أنفسهم، ومع هذا ستظل دائما في حاجة لإثبات صدق معادلاتها على الواقع، وهذه العلاقة تختلف تماما عن الاتساق الداخلي للرياضيات. •••
هكذا تبرأت الفيزياء المعاصرة تماما من كل ومن أي زعم بالحتمية الكونية، ولأن الفيزياء هي الأصل وصاحبة القول الفصل - كما أوضحنا - أصبحت فروع العلم المختلفة تسعى نحو مبدئها اللاحتمي.
لقد أضحى العلم في القرن العشرين لا حتميا، كمقابل للعلم الحديث الذي كان حتميا، وفي الفصل الأخير سنرى عمق وجذرية اللاحتمية في العلم المعاصر، إبستمولوجيا وأنطولوجيا، أو معرفيا ووجوديا. •••
إلى غير نهوض انهارت الحتمية العلمية بأنموذجها العلي الميكانيكي الذي يستحيل أن يتسع لأية ومضة حرية، وبعد أن أرقت فلاسفة الحرية أيما أرق، وفي الفصلين الثاني والثالث سنرى أن معضل الحرية في عالم العلم الحتمي أخطر مما نتصور، وذو نتائج وبيلة أبعد من كل ما نتوقع؛ لذا كان لفت الانتباه منذ البداية إلى خطورة أن يتعارض العلم مع الحرية، وبالتالي أهمية ألا يتعارض - أن يتوافق معها ... يتوافق القطبان الأعظمان لإنسانية الإنسان في مدارج رقيها: الحرية والعلم، وبعد طول تنازع وتضاد، أو على الأقل فصام وانفصام.
إن تبيان هذا التوافق والتأكيد عليه لمهمة منوطة بنا نحن لا سوانا، نحن أبناء العصر الذي شهد ثورة العلم العظمى، وخروجه من أعطاف الحتمية الميكانيكية إلى آفاق مفتوحة، بلا نموذج تؤدي أطره إلى طريق مسدود كما حدث إبان أزمة العلم الحتمي. إنها ثورة العلم العظمى التي توالي السير قدما، ويبدو أننا لم ندرك بعد كل مضامينها الفلسفية، حتى إن كثيرين من ذوي العقول النيرة يرفضون الخلاص من الحتمية وإن سلموا بانهيار ميكانيكيتها، أو يسلمون بها إبستمولوجيا وينكرونها أنطولوجيا مع تسليمهم بدلالة العلم الأنطولوجية! ... هذه الثورة العلمية العظمى كفيلة بأن تفتح أمامنا آفاقا أرحب، وتكسب عقولنا مرونة ونضجا تجعلنا أقدر من سوانا في العصور السالفة.
فقد اتضح آنفا مدى هيمنة الحتمية على العقل البشري عموما، والعقل العلمي خصوصا؛ لذلك كانت الحرية الإنسانية من أشهر المتاهات الفلسفية المفضية إلى لا شيء، ولما تصدر العلم مسيرة العرفان جعل من الحتمية الهيكل المعلى، لتبيض المتاهة وتفرخ متاهات ومتاهات، ولكن العقل العلمي المعاصر يفتح لنا طريق الخلاص من هذه المتاهات؛ لأنه قد اكتمل نضجا واستقلالا، ولم يعد يفترض ولا يفرض على الوجود ما هو منه براء. لقد تراجعت حتميته، وتلاشى نفيه للحرية الإنسانية، بعد أن كان أعتى وأصلب من ينفيها.
ربما كانت الحرية منفية من زاوية أخرى، أو حتى من ألف زاوية أخرى، ولكننا اتفقنا على الاقتصار على المنظور العلمي.
وهذه الخلفية التي طرحها المدخل جعلنا بإزاء انقلاب علمي جذري من النقيض إلى النقيض، من الحتمية إلى اللاحتمية، مما يعدنا برحلة فلسفية مثيرة حقا، شريطة أن ننزهها من التهاويم والإسقاطات، ويندر أن نجد قضية فلسفية نجت من الإسقاطات الدينية والسياسية، فما بالنا بقضية في حيوية الحرية.
إن المدخل قد أسهب فيما أوجزه عنوان الكتاب، في تحديد مسار الرحلة الفلسفية المزمعة، لتغدو بمنحاة من انحيازات أو تهاويم أو إسقاطات، فلنبدأ، وبالله قصد السبيل.
Halaman tidak diketahui