Kebebasan Manusia dan Sains: Masalah Falsafah
الحرية الإنسانية والعلم: مشكلة فلسفية
Genre-genre
S. p. Laplace (1749-1827) ليصوغ في مقدمة كتابه «مقال فلسفي في الاحتمال» أشهر صياغة للحتمية العلمية، ومؤداها أننا إذا استطعنا أن نجمع معلومات دقيقة عن كل الظروف، لأمكن استنباط الحالة اللاحقة للكون بكل دقة، والعقبة الوحيدة أننا لا نعلم كل الظروف والشروط. فإذا تصورنا عقلا فائقا يعرف كل القوى التي تعمل في الطبيعة، والوضع الراهن لكل مكوناتها - أي يعلم كل تفاصيل الكون، فإنه يستطيع التنبؤ - بمنتهى الدقة - بوضع كل جسيم في كل لحظة، وبكل القوى التي تؤثر عليه، ولن يكون ثمة أي شيء غير يقيني بالنسبة له، سواء ما يختص بحركات أضخم الأجسام أو أصغر الذرات ... فضلا عن الإنسان المحصور بين هذا وذاك. •••
وإذا كان هذا هو عالم العلم والعلماء، فهل يمكن أن يعترفوا بأية حرية للإنسان الذي يحيا فيه؟! أو بأنه يمكن أن يمارس اختيارا بين بدائل؟! أية بدائل تلك؟! إن الحدث محتوم، واحد ووحيد، مهمة العلم تحديده بدقة قاطعة، وتصور بديل للحدث، كان يمكن أن يحدث لو أن الإنسان اختار اختيارا بدلا من آخر - هذا التصور يعني هدم نظام العالم ، النظام الحتمي الميكانيكي، والذي ما كان العلم إلا ليكتشفه. •••
وهي بديهية في غير حاجة إلى الذكر - وإن كنا قد ذكرناها، أعني البديهة القائلة إن هذا الوجود أو هذا العالم كوزموس - أي كون منتظم، فطبعا له نظام، ولكن مشكلتنا - مشكلة الحرية الإنسانية أتت من أن نظاما من نوع معين جدا، من طبيعة خاصة إلى أقصى الحدود، قد سيطر على الأذهان وبوصفه النظام الأوحد الذي يستحيل أن يكون لهذا العالم نظام آخر سواه - وهو ذلك النظام الحتمي الميكانيكي الذي يلقي في روع العلماء الأمل باليقين المنشود، وبالكون الذي يبدو بماضيه ومستقبله كتابا مفتوحا مقروءا، بلا مفاجآت ولا شذوذ - بلا مصادفات تزعزع من رسوخ ويقين ما يتوصلون إليه من قوانين.
ويرىأوجست كونت
A. Conte (1798-1857) أن ثمة أطوارا ثلاثة لا بد وأن تمر بها كل فكرة، في الطور الأول تكون الفكرة لاهوتية مستقاة من التصورات الدينية، ثم تصبح الفكرة فلسفية معتمدة على تأملات العقل الخالص، وفي النهاية تصبح علمية وضعية، ورؤية كونت هذه التي يصر على تطبيقها على كل الأفكار، فيها تعميم مجاف للواقع، هذا فضلا عن أن الأطوار الثلاثة توجد معا في كل عصر، وإن تغلب واحد في عصر ما، ولكن الذي يهمنا الآن أنها رؤية تنطبق انطباقا حرفيا على مبدأ الحتمية.
فالمبدأ معروف منذ بدايات الفكر البشري، وبالتالي كانت مشكلة الحرية الإنسانية مثارة دائما، ولكن في العهود السحيقة - في عصور ما قبل الفلسفة كانت الحتمية فكرة ثيولوجية لاهوتية، ومع نشأة الفكر الفلسفي في القرن السادس قبل الميلاد أصبحت الحتمية فكرة ميتافيزيقية، وظلت هكذا حتى نشأة العلم الحديث، ليغدو المبدأ الحتمي علميا على الأصالة، أو بالأحرى ليغدو العالم حتميا في أقصى صورة للحتمية.
في العصور السابقة على ظهور الفلسفة في بلاد اليونان، كان القدر هو الصورة التي اتخذها مبدأ الحتمية، فعرف الإغريق القدامى هذا المبدأ في صورة القدر القاهر المحتوم، وقد اتخذ معهم اسم «المويرا
MOIRAE »، والمويرا - وهي أصلا ربة القدر في الأساطير الإغريقية - قوة قاهرة تلزم الجميع بالمحتوم مهما فعلوا، إنها تحتم مسار الأحداث بطريقة لا مهرب منها، ومهما بذلت الجهود للحيلولة دون وقوعها، وبسبب عقيدة المويرا اعتقدوا أن الإنسان طوع لقوة خفية ومقدر عليه أن يستغفر من ذنوب هو غير قادر على تجنبها! والمسرح الإغريقي خير ما يبلور هذه الأفكار الميثولوجية (أي الأسطورية) والتي كانت بالنسبة للإغريق أيضا ثيولوجية (دينية)؛ لذلك كانت قمته «مأساة أوديب» تبرز هذه الفكرة بوضوح، حتى إنها إعلان صريح بصرامة الحتمية القدرية، وعبثية أي تصور للحرية الإنسانية، وبالتالي عبثية أي تصور للمسئولية - فالحرية والمسئولية وجهان لعملة واحدة، جوهر المأساة هو القدر المحتوم على أوديب منذ أن ولد، كما تمثله نبوءة العرافين بأنه سيقتل أباه ويتزوج أمه، وحاول أبوه بدوره معارضة القدر أو المويرا بأن يتخلص من طفله الرضيع كي لا يقتله - لكن عبثا راحت المحاولة، وكانت لا بد أن تروح عبثا؛ لأن القدر قدر أن يحدث هذا، فلا بد وأن يحدث بالضرورة الحتمية - أو بالمويرا، وإذا التفتنا إلى الوجه الآخر للعملة: الحرية والمسئولية، وجدناه قد فقأ عينيه استغفارا لجريرة كانت محتومة عليه، ولم يكن بمقدوره أن يتجنبها، ومن العبث مساءلته بشأنها لجهله بحقيقة الظروف التي وجد نفسه فيها، وبعد فوات الأوان حيث لا يجدي الندم، بعد أن قتل أباه الملك لايوس وتزوج أمه جوكاستا، والتي انتحرت بدورها استغفارا لجريرة لم تكن هي أيضا مختارة بشأنها ولا قادرة على تجنبها، وبعد أن اتخذت زوجا من زوج، وأنجبت ولدا من ولد.
إن المويرا قانون الضرورة والقدر الحتمي الذي ينظم سير الأحداث كلها، فيقدر لكل نصيبه وما يستحقه، ويحدد مكانه الذي يستحيل أن يتعداه، فلا بد وأن يخضع له كل شيء أو إنسان أو إله، حتى زيوس العظيم نفسه، فكانت المويرا بداية إغريقية لتصور القانون السائد في عالم الطبيعة وعالم البشر، والذي يسري على الكون بجملته - إنها فكرة القانون الطبيعي الحتمي الشامل، والذي اتخذ فيما بعد صورة القانون العلمي.
على ألا يلهينا هذا عن الفارق بين المويرا وبين الحتمية العلمية، وهو الفارق بين الفكر اللاهوتي والفكر العلمي، والمتمثل في أن حتمية المويرا لا بد وأن تحدث مهما كانت الظروف السابقة عليها والمحيطة بها، بل وعلى الرغم من هذه الظروف، في حين أن حتمية القانون العلمي لا تكون إلا بسبب هذه الظروف السابقة والمحيطة، إن المويرا تلقي بحتميتها على المصير الآتي (الغائية) بينما القانون العلمي يلقي بحتميته على العوامل الماضية (العلية)، فالحتمية العلمية ليست بالنسبة لأمر خارق للطبيعة، بل بالنسبة للطبيعة ذاتها وقوانينها الفيزيقية؛ لذلك فالمويرا تحتم الظاهرة بلا شرط ولا قيد، في حين أن الحتمية العلمية هي ذاتها الشرط الضروري لظهور الظاهرة.
Halaman tidak diketahui