92

ينتقد باتروكلوس، المهتاج بسبب المحنة التي يتعرض لها الجيش، آخيل انتقادا لاذعا؛ لأنه سمح للغضب بالقضاء على ما لديه من شفقة. يعترف آخيل بذلك ولكنه عاجز أمام هذا الشعور الطاغي:

إن حزنا رهيبا يصيب القلب والروح عندما يبتغي رجل أن يحقر ندا له ويجرده مما حظي به من غنائم

geras

لأنه يفوقه سلطة. إن هذا الأمر أصابني بحزن رهيب، ولقد عانيت حرقة في قلبي جراء ذلك. الفتاة التي انتقاها لي أبناء الآخيين غنيمة

geras ، تلك التي فزت بها برمحي عندما اجتحت مدينة محصنة، سلبها أجاممنون بن أتريوس صاحب الأمر من بين ذراعي، كما لو كان يحسبني دخيلا لا حقوق له. (الإلياذة، 16، 52-59)

يعود آخيل بتألق فائق إلى شخصية متبع منهج الأخلاق المطلقة الذي تعرض وما زال يتعرض للغبن، ومع ذلك لن يسكت على هذا الغبن، وهي الشخصية التي تتوهم عالما يفنى فيه كل الطرواديين وكل الآخيين. ولا يبقى فيه إلا هو وباتروكلوس فحسب:

يا أبانا زيوس ويا أثينا ويا أبولو، إنني أتمنى ألا ينجو واحد من الطرواديين، أيا كان عددهم، من براثن الموت، ولا من الأرجوسيين، فلا يسلم من الهلاك سوانا نحن الاثنين، حتى نقضي وحدنا على تاج طروادة المقدس. (الإلياذة، 16، 97-100)

لن يرجع آخيل ولكنه لن يخرج على خطة نيستور. إن آخيل في اضطرابه لا يرى أنه تخلى عن عزمه على ألا يستسلم أبدا حتى يتجرع أجاممنون مرارة الهزيمة حتى الثمالة. فقد قال لأياس في مشهد «البعثة إلى آخيل» إنه سوف يعود عندما تصل النيران إلى السفن، ولكنه لن يفعل. إنه يحاول أن يمسك بالعصا من المنتصف؛ بأن يتمسك بعزمه على أن يجعل أجاممنون وأعوانه يقاسون الويلات، وأن يرضخ أمام استعطاف رفيقه والشدة التي يتعرض لها الجيش. إنه لا يعرض لعدم الاحترام الذي أبدي له إلا لميل لديه نحو تجاوز ما يشعر به من ضير. فسماح آخيل لباتروكلوس بالذهاب إلى المعركة بديلا له يتعارض مع ما عزم عليه، ويعرض حياة رفيقه للخطر، ويزيد من تعرض سؤدد وشرف آخيل نفسه للخطر، إن أحرز باتروكلوس نجاحا أكثر من اللازم؛ ولهذا السبب ينبه آخيل باتروكلوس إلى أن يصد الطرواديين فقط، وأن يرجع بعد ذلك. ووسط مشاعر من الغضب والتعاطف تتنازعه، يتخذ آخيل قرارا لا يمكن أن يجلب إلا كارثة مع خروج حياته عن نطاق السيطرة.

يلبس باتروكلوس أسلحة آخيل (عدا الرمح، الذي لا يستطيع أحد حمله إلا آخيل). كان الغرض الأصلي من ذلك هو بث الخوف في قلوب الطرواديين بإيهامهم بعودة آخيل إلى القتال، ولكن هوميروس يصرف النظر عن هذه الحيلة ويقدم باتروكلوس فحسب في لحظة امتياز مبهرة. فيقتل عددا كثيرا، ويعوق تقدم الطرواديين، ويلقي بآخرين داخل الخندق أمام الجدار. ويجابه ساربيدون العظيم، زعيم الليكيين، أحد أبناء زيوس نفسه ورفيق جلاوكوس (الذي أعطى درعه الذهبية لديوميديس؛ لأن أسلافهما كانوا أصدقاء ضيافة). يفكر زيوس المهموم في أمر إنقاذ ساربيدون، وهو من الأبطال الأدنى شأنا، من مصيره، ولكن هيرا تذكره بأنها كانت ستفعل الشيء نفسه، وبعدها يمكن لأي شيء أن يحدث. إن حديثهما ليس بيانا للتصور اليوناني للقدر بقدر ما هو وصف لمتطلبات القصة. إن «القدر» بالنسبة إلى هوميروس هو الحبكة، ومن أجل مصلحة الحبكة، يجب أن يموت ساربيدون.

في كل سرديات القتال يواجه هوميروس مشكلة تمجيد مقاتليه مع تجنب القضاء على الرجال أنفسهم الذين سوف يجلب مقتلهم المجد؛ فاللافت للنظر أن بطلين فقط من الأبطال الرئيسيين يلقيان مصرعهما في القصيدة، وهما باتروكلوس وهيكتور. فعلى الأقل لا بد لساربيدون أن يموت إن أريد لباتروكلوس المجد. يبعث زيوس ربي النوم والموت إلى الأرض ليحملا جثمان ساربيدون العاري المسلوب عائدين به إلى ليكيا، في الساحل الجنوبي الأوسط لتركيا الحالية، وهو الموضوع الذي تتناوله المزهريات المرسومة التي ترجع إلى الحقبة الكلاسيكية القديمة (شكل

Halaman tidak diketahui