ودفع وولف بأنه يمكننا أن نطرح جانبا الاستثناء الظاهري الوحيد في الكتاب السادس من «الإلياذة»، والذي يحكي فيه البطل الليكي جلاوكوس حكاية جده الأكبر بيليرفونتيس؛ إذ يروي أن برويتوس ملك أرجوس قد أرسل ضيفه بيليرفونتيس - الذي اتهمته الملكة زورا بالتحرش بها جنسيا - إلى عم الملك عبر البحر في إقليم ليكيا. أعطى الملك برويتوس لبيليرفونتيس «لوحا مطويا» (انظر شكل
1-2 ) عليه (
sêmata lugra ) «علامات مهلكة» (الإلياذة، 6، 168-169)؛ والمحتمل أن الرسالة هي «اقتل حامله!» ومع ذلك لم يستطع عم الملك برويتوس نفسه قتل ضيفه وصديقه بيليرفونتيس؛ لأن ذلك كان من شأنه أن يعتبر جريمة شنعاء بحق خانيا، أو حسن الضيافة، وهي التقاليد المقدسة التي تنظم العلاقة بين المضيف والضيف. فأرسله، عوضا عن ذلك، ليقاتل الكمير، المخلوق الأسطوري المخيف الهجين الذي يمزج في تكوينه بين أكثر من نوع واحد من المخلوقات.
يحظى «لوح بيليرفونتيس» بثقل في كل نقاش بشأن معضلة هوميروس والكتابة إلى وقتنا هذا. في هذه الفقرة ينكر وولف أن هوميروس قد أشار إلى «الكتابة»؛ لأنه في الاستخدام الدارج في اللغة اليونانية في الأزمنة اللاحقة لا تدل كلمة
sêmata «علامات» - الكلمة التي يستخدمها هوميروس كناية عن العلامات على اللوح المطوي - على حروف الكتابة، التي يطلق عليها
grammata «الكتابة بالنقش». فضلا عن ذلك، أصر وولف على أنه في اللغة اليونانية السليمة لا يستخدم الفعل «يري» (deixai)
أبدا للتعبير عن عرض المرء شيئا مكتوبا على شخص ما، حسبما يذكر هوميروس. ومن ثم كانت «علامات» هوميروس رموزا غير ملحقة بكلام بشري. إنها مثل العلامات الوارد ذكرها في فقرة هوميرية أخرى، تلك التي يصنع فيها الأبطال الآخيون علامات على قطع حجارة للقرعة ويهزونها في خوذة ليقرروا من سوف يقاتل هيكتور (الإلياذة، 7، البيت 175 وما بعده). وعندما تطير قرعة خارجة [من الخوذة]، لا يعرف المنادي ما تعنيه العلامة، ولكن يتعين عليه أن يمرر القرعة على صف الرجال الواقف إلى أن يتعرف صانع العلامة عليها. إن افتراض وولف أن «الكتابة» تتطلب علاقة مباشرة بين الرموز الكتابية وبين الكلام البشري هو أمر لم يفصح عنه لكنه مفهوم ضمنا.
نحن ننظر الآن إلى «الكتابة» على أنها فئة أعم، باعتبارها تتضمن نوعين؛ أحدهما يشير إلى عناصر الكلام البشري، وهو ما يسمى
lexigraphy «نظام تحويل الكلام إلى رموز»، أي «كتابة الكلام»، والآخر يتواصل بعكس ذلك، أو ما يطلق عليه
semasiography ، «كتابة العلامات». فالكتابة التي يحتويها هذا الكتاب هي في أغلبها «كتابة للكلام»، ولكن العلامات [:]، [)]، و[.] هي «كتابة للعلامات»؛ لأن لها معنى لكنها لا تدل على عناصر لا غنى عنها في الكلام البشري؛ وهي تنطق على نحو مختلف في كل لغة. والأبجدية اليونانية هي «كتابة للكلام» والأيقونات على شاشة جهاز الكمبيوتر هي «كتابة للعلامات». ومن الواضح أن «العلامات المهلكة» في هذه الفقرة المهمة في ملحمة هوميروس هي علامات مكتوبة بالرموز، على الأقل كما فهمها هوميروس؛ لأنها تحمل معنى، ولكن لا يبدو أنها تشير إلى كلام ما. وهي ليست دليلا على التقنية التي أتاحت قصائد هوميروس. لم يحتج وولف بأي حال من الأحوال إلى إجراء استثناء في حالة «العلامات المهلكة»؛ لأن حجته لم تعتمد على مثال واحد ملتبس، وإنما على الثبات الجدير بالملاحظة لجهل هوميروس بالكتابة. وبشأن أولئك الذين رفضوا تفسيره «للعلامات المهلكة»، فقد علق وولف بكلمات ما زالت صحيحة في وقتنا الحاضر قائلا: إن هذه العبارة اليونانية «قد صارت أكثر تعقيدا على يد أولئك الذين لم يعتادوا معرفة الأعراف الهوميرية من هوميروس وإنما اعتادوا استجلابها إلى نصه، والتلاعب بالكلمات الملتبسة لتتوافق مع أعراف زمنهم» (وولف، 97).
Halaman tidak diketahui