أحد سبل العثور على مصدر شيء ما، أي على أصله، هو اقتفاء أثره، وكأنك تمضي في عكس التيار حتى تجد منبع الماء. هذا المصدر في الفيزياء يمكن أن يكون بدايات نشأة الكون، ولكن هذا النبع في الدراسات الهوميرية هو أول نص لملحمتي هوميروس على الإطلاق. أحيانا يعتقد الناس أنه كان يوجد نصوص أولى «كثيرة»، ولكن التباينات في نسخ ملحمتي هوميروس الباقية التي بين أيدينا قليلة جدا، مما يدعو إلى القول أنه لا يمكن أبدا أن يكون قد وجد أكثر من نص أول واحد، وهو النص الذي نبحث عنه. إن إدراك أنه كان يوجد نص أول لملحمتي هوميروس، أي إنه ذات يوم كان يوجد نص واحد فقط لا غير من ملحمة «الإلياذة» وملحمة «الأوديسة»، لهو أمر جوهري للدراسات الهوميرية الحديثة. دعونا نر ما سيحدث عندما نرتحل عكس التيار، بحثا عن الفترة الزمنية التي خرج فيها ذلك النص للوجود.
بطبيعة الحال ليست النصوص الباقية التي بحوزتنا موغلة في القدم؛ إذ يرجع تاريخ أقدم نص كامل «للإلياذة» كتب له البقاء إلى حوالي عام 1000 بعد الميلاد، وهو مخطوطة بيزنطية جميلة دونت على جلد الرق (الفيلوم)، محفوظة في مدينة البندقية، والاسم الشائع لها هو «فينيتوس إيه». وجلد الرق (الفيلوم) - الذي يطلق عليه أيضا البرشمان (نسبة إلى مدينة بيرجامون بمنطقة آسيا الصغرى حيث اخترع على ما يعتقد) - هو قوام جميل ومتين ولكنه مكلف للغاية لوثيقة مكتوبة. كانت مخطوطة فينيتوس إيه عندما دونت تمثل شيئا ذا قيمة مادية عالية.
1
ومثل أي كتاب من الكتب المعاصرة، تتشكل مخطوطة فينيتوس إيه من صحائف مجلدة بالخياطة، وهو شكل من المخطوطات نطلق عليه لفظة «كودكس»
codex
وتعني مجلد مخطوطات (وهي مشتقة من كلمة لاتينية تعني «جذع شجرة»؛ لأن الألواح المطوية كانت تصنع من الخشب ). وهكذا فإن الكتب المعاصرة هي «كوديسيس»
codices
أي مجلدات مخطوطات (جمع كلمة
codex
وتعني صحائف تجمع بخياطتها معا، وهو أقدم شكل للكتاب، وحل محل اللفائف وألواح الشمع)، رغم أن الورق يطوى مرات عديدة على شكل «ملزمات» قبل أن يخاط، ثم يفصل من عند الأطراف. ظهرت مجلدات المخطوطات - أول ما ظهرت - في القرن الثاني أو الثالث الميلادي ولاقت رواجا عبر استخدامها في وقت مبكر في الليتورجية (القداسات الإلهية) المسيحية. لم تكن النصوص الأقدم، بما في ذلك نصوص ملحمتي هوميروس، عبارة عن مجلدات مخطوطات، وإنما لفائف مصنوعة من ورق البردي، يطلق عليها في اللغة اللاتينية
Halaman tidak diketahui