101

إن الحياة بالنسبة إلى البعض سيئة تماما، ولآخرين، ثمة خير يحدث أحيانا، أما فيما عدا ذلك فالحياة سيئة، وهو تلخيص نموذجي للفلسفة التشاؤمية عند الإغريق. لا يطيق بريام صبرا على هذا التفلسف ويريد أن يأخذ الجثة ويمضي في سبيله، وفي تصوير أدبي واضح للشخصية نرى غضب آخيل وهو ينتفض عائدا للحياة. حسنا، إنه قد يقتل الرجل المسن بأي حال؛ كونه أبا الرجل الذي قتل صديقه، وربما ينبغي على بريام أن يضع ذلك في اعتباره.

ثم يتناولان الطعام وبتناولهما للخمر واللحم تذوي الكراهية والريبة حتى إن كليهما يرى عظمة الآخر. وهكذا ينتهي غضب آخيل. وبعد أحد عشر يوما، يحرق الطرواديون هيكتور ويدفنونه. وبذلك تنتهي القصيدة. (28) الملخص والاستنتاجات: تراجيديا «الإلياذة»

إن «الإلياذة»؛ كونها نتاجا للنظم الشفاهي نقلت إلى الكتابة الأبجدية عبر الكلام المملى، مكونة إلى حد كبير من موضوعات وأدوات تقليدية تراثية. فنجد الفكرة العامة المتعلقة بانسحاب بطل من القتال، وما يعقب ذلك من دمار ، ثم عودته المظفرة والثأرية تظهر في قصص من كل أنحاء العالم، ونجده في «الإلياذة» يشكل قصة موازية عن ميلياجروس (الكتاب 9) والتي يرويها فوينيكس من أجل أن يقنع آخيل بالتخلي عن غضبه. سلب النساء وعواقبه الوخيمة هو، بالطبع، ما يمثل خلفية أحداث القصة، ولكنه يقود الأحداث مباشرة في سلب أجاممنون، أولا، لخريسيس، ثم لبريسئيس. الأمر اللافت وسط المشاهد النمطية هو التوسل والدعاء، وله أربعة أمثلة رئيسية؛ عندما تتوسل ثيتيس إلى زيوس ليحيق الأذى باليونانيين (الكتاب 1)، وعندما تتوسل البعثة إلى آخيل من أجل أن يعود (الكتاب 9)، وعندما يتوسل باتروكلوس لآخيل من أجل أن يعود (الكتاب 16)، وعندما يتوسل بريام لآخيل من أجل جثمان هيكتور (الكتاب 24). يوجد، كذلك، العديد من المشاهد الثانوية للتوسل والدعاء، وبخاصة في ميدان المعركة. وتوجد مبارزات عدة بين أبطال رئيسيين: بين باريس ومينلاوس (الكتاب 3)؛ وبين هيكتور وأياس (الكتاب 7)، وبين آخيل وهيكتور (الكتاب 22). وثمة مشهد نمطي آخر وهو الألعاب الجنائزية المكرسة لأجل باتروكلوس (الكتاب 23)، المماثلة للألعاب الجنائزية المكرسة لأجل آخيل والمذكورة في الكتاب 24 من «الأوديسة».

تتسم الآلهة بطلاقة الوجود دوما وفي كل مكان، ولكنهم نادرا ما يتخذون أي مبادرة، فيما عدا إبعادهم لأبطالهم المفضلين عن مواطن الخطر خفية. ويكاد لا يوجد أي سحر في القصيدة، وحتى الأبطال المولودون من آلهة لا يقومون بأعمال فائقة للبشر، مثلما هو معهود في الأعمال التراثية الملحمية. فيبدو أن هوميروس، أو التقليد الذي آل إليه، قد طمس تلك العناصر، ولكنها أحيانا ما تطل في لمحة خاطفة؛ فمثلا، الدروع التي يستعيرها باتروكلوس من آخيل، التي أعطاها الإله هيفايستوس لبيليوس والد آخيل، لا يقال عنها أبدا أنها منيعة، مثلما هو معتاد في الأعمال التراثية الملحمية، ومع ذلك لا يموت باتروكلوس إلا بعد أن يسقطها أبولو عن كتفيه. عندما يقتل آخيل هيكتور، الذي كان مرتديا الدروع في ذلك الحين، فإنه لا يخرق دروع هيكتور، وإنما حلقه. إن هوميروس بتجنبه أو طمسه للعناصر الخيالية، يشكل منظوره الإنساني المتفرد.

لا يمكننا تفسير الطول الهائل لملحمة «الإلياذة»، إلا عن طريق تخيل ظروف خاصة أنشأ في ظلها ناسخ ما النص، وعن طريق تخيل الدافع لدى من أمر بإنشاء النص. إن الأمر الأجدر بالملاحظة يتمثل في أن هوميروس لا يشكل ملحمته اللانهائية عن طريق تكديس حادثة فوق أخرى، أو عن طريق سرد «قصة حرب طروادة» كاملة، وإنما عن طريق التركيز على أربعة أيام في العام العاشر من الحرب (دون حساب أيام الطاعون التسعة والاثني عشر يوما التي أمضاها الآلهة بين الإثيوبيين، الكتاب 1؛ والأحد عشر يوما التي انتهك فيها آخيل جثة هيكتور وأيام مأتم هيكتور التسعة، الكتاب 24).

ومن الأمور الرائعة استخدام هوميروس للحوار المباشر. فنسبة 45 بالمائة تقريبا من القصيدة تدور على لسان شخصياتها. وفي الكتاب التاسع، الذي يمثل مشهد «البعثة إلى آخيل»، ترتفع تلك النسبة إلى 81 بالمائة. يميل هوميروس إلى عرض الحوار دون تعليق، ولا يزيد عادة على التعليق بعبارة «وهكذا تحدثت» أو «قال ما يلي» حتى يكون انطباع القارئ شبيها بقراءة عمل درامي، ذاك الذي يردنا فيه كل ما نعرفه عن أفكار شخصية ما مما تقوله. ومما لا شك فيه أن حوارات هوميروس كان لها تأثير مباشر على الكتاب التراجيديين، الذين نشئوا على قراءة شعره وقصائد سداسية التفعيلات.

وكحال مشاهد الأحداث، تنقسم المشاهد الحوارية أيضا إلى أنواع:

الإقناع (بخاصة في جمع).

الرسائل (عادة ما تكرر حرفيا).

المفاخرة (بخاصة قبل الهجوم على غريم مباشرة).

Halaman tidak diketahui