- وإن شئت جعلت الرضيع بمعنى الراضع كقولهم: قدير بمعنى قادر، وعليم بمعنى عالم، فيكون متعديا إلى مفعول واحد، وإن شئت جعلته بمعنى مرضع كقولهم: رب عقيد بمعنى معقد فيتعدى إلى مفعولين.
ومن خفض ثدي أم جعله بدلا من لفظ اللبان، ومن نصبه أبدله من موضعه، لأنه في موضع نصب، ولا بد من تقدير مضاف محذوف في كلا الوجهين كأنه قال: رضيعي لبان ثدي أم.
ويجوز أن يكون ثدي مفعولا سقط منه حرف الجر كأنه قال: رضيعي لبانٍ من ثدي أم.
وقوله: عوض لا نفترق من جعل عوض اسم ضمٍ جاز في إعرابه ثلاثة أوجه: أحدهما أن يكون مبتدأ محذوف الخبر، كأنه قال: عوض قسما الذي يقسم به. ويجوز أن يكون في موضع نصب على أن يقدر فيه حرف الجر وتحذفه كقولك: يمين الله لأفعلن.
ويجوز أن يكون في موضع خفض، على إضمار حرف القسم، وهو أضعف الوجوه.
ومن اعتقد هذا لزمه أن يجعل الباء في قوله: بأسحم بمعنى في ويعني بالأسحم الليل، أو الرحم.
ولا يجوز أن يكون الباء في هذا الموضع للقسم، لأن القسم لم يقع بالأسحم؛ إنما وقع بعوض الذي هو الضم: ومن جعل عوض من أسماء الدهر، ففيه وجهان: أحدهما أن يكون بدلا من أسحم، ويكون القول فيه كالقول في الوجه الأول: والوجه الثاني: أن يكون القسم بالأسحم، فتكون الباء فيه باء القسم، ويكون عوض ظرفًا، كأنه قال: لا نتفرق عوض، أي لا نتفرق طول دهرنا.
وقوله: لا نتفرق جاء جواب القسم، على حكاية لفظ المتحالفين الذين نطقا به عند التحالف، ولو جاء به على لفظ الإخبار عنهما لقال: لا يفترقان، كما تقول: حلف الزيدان لا يخرجان، إذا أخبرت عنهما، ولم تحك لفظهما، فإن حكيت لفظهما قلت: حلف الزيدان لا نخرج.
وأنشد أبو القاسم في باب اسم الفاعل:
بَدَا لِيَ أنِّي لَسْتُ مُدرِكَ مَا مَضى ... ولا سَابِقًا شَيئًا إِذَا كانَ جَاثِيا
وهذا البيت: يروي لزهير بن أبي سلمى، ويروي لصرمة الأنصاري، ويروي لابن رواحة الأنصاري.
وزهير: اسم منقول، ويحتمل أن يكون تصغير زهر، ويحتمل أن يكون تصغير أزهر وزاهر، فيكون مصغرًا مرخمًا.
أما سلمى: فاسم مرتجل غير منقول، مشتق من السلامة.
وصرمة منقول من الصرمة التي هي القطعة من الإبل - من عشرة إلى أربعين.
ورواحة مرتجل مشتق من الروح.
وقوله: أني لست مدرك ما مضى جملة في موضع رفع على فاعل بدا، كأنه قال: بدا لي امتناعي من إدراك ما مضى.
وقوله: لست مدرك ما مضى: جملة في محل رفع، على خبر أن كأنه قال: إني غير مدرك ما مضى.
ويجوز في سابق النصب بالعطف على مدرك، والرفع على إضمار مبتدأ والخفض على توهم الباء في مدرك، كأنه قال: لست بمدركٍ ولا سابقٍ، أجاز ذلك سيبويه.
ومن النحويين من لا يجيز الخفض، ومثله قول الأحوص:
مشائيمُ ليسُوا مصلحين عشيرة ... ولا ناعبًا إلاَّ ببين غُرابُها
ويجوز أن تكون ما موصولة بمعنى الذي، ومضى صلة لها، ويجوز أن تكون اسمًا منكورًا، ومضى في موضع خفض على الصفة لها، كأنه قال: مدرك شيءٍ مضى - ويقوى ذلك ذكره الصفة بعد ذلك، فيكون بمنزلة قول الآخر:
رُبَّما تكّرَهُ النُّفوسُ من الأمْ ... رِ لَهُ فرْجةٌ كحَلِّ العِقالِ
وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:
إنِّي بِحَبْلِكَ وَاصِلٌ حَبْلِي ... وبريشِ نَبْلِكَ رائشٌ نَبْلِي
هذا البيت: يروي لامرئ القيس بن حجر، ويروي لامرء القيس بن عائش، وكلاهما من كندة.
وعائش: اسم منقول من الصفة، وحجر اسم منقول من النوع؛ لن الحجر، والحجر - بالضم والكسر الحرام؛ قال الله تعالى: " ويقولون حجرًا محجورًا " أي: حرمًا محرمًا، وتقول العرب: حجرًا له وحجرا، أي دفعًا ومنعًا له، قال الراجز:
قالت وفيها حَيْدَةٌ وذُعْر ... عَوْذٌ بِرَبِّي منكم وحُجْر
ومعنى هذا البيت: أنه مثل مضروب للموافقة والمتابعة، يقول أصل حبلى بمن وصلت به حبلك من الأوداء، وأريش نبلي بمن رشته نبلك من الأعداء. وبعده:
مَا لَمْ أَجِدْكَ عَلى هُدَى أَثَرٍ ... يَقرُو مَقصَّكَ قائِفٌ قَبلي
وَخَلائِقي مَا قَد عَلمْتَ وَمَا ... نَبحَتْ كلابُك طَارقًا مِثلي
إِنِّي لأصْرِم مَنْ يُصارِمُنِي ... وأجِدُّ وصْلَ مَن ابتغى وصلي
1 / 18