والباء في قوله: به الظيان لها موضع أيضًا، وهي في موضع الصفة لمشمخر كأنه قال: كائن به الظيان، أو مستقر به الظيان، والظيان على هذا فاعل بالاستقرار، ويجوز أن يكون الظيان مرفوعًا بالابتداء وبه خبره، فيكون الباء على هذا في موضع رفع، وهي في الوجه الأول في موضع خفض، وتتعلق في الوجهين معًا بمحذوف.
وقوله: على الأيام في موضع الحال من ذي حيد؛ أي لا يبقى ذو حيد والأيام متعاقبة عليه، وأراد: على تعاقب الأيام، أو على مرور الأيام، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، وقبل هذا البيت:
يَا مَيُّ إن تفقِدي قومًا وَلدْتِّهِم ... أو تُخْلِسيهم فإنَّ الدَّهر خلاَّسُ
عَمرو وعبد مناف والّدِي عهدت ... ببطن مكة آبِي الضَّيم عبَّاسٌ
ويروى: ببطن عرعر، كذا رواه أبو سعيد السيرافي، وأبو علي الفارسي.
وأنشد أبو القاسم في هذا البيت:
فقْلتُ يمينَ اللهِ أَبرحُ قَاعِدًا ... وَلوْ قطَعُوا رَأسِي لَدَيك وأَوْصالي
هذا البيت: من مشهور شعر امرئ القيس، وقد ذكرنا اسمه وكنيته فيما تقدم.
والأوصال الأعضاء، واحدتها وصل.
ومعنى: لديك: عندك.
وأبرح: أزال.
وجواب لو محذوف لتقدم ما أغنى عنه، كأنه قال: ولو قطعوا رأسي ما برحت! وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:
فقَالَ فريق القوم لمَّا نَشَدْتُهم ... نَعم، وفريق. لَيْمُن الله مَا نَدرِي
هذا البيت: لنصيب، وكان عبدًا أسود، لرجل من أهل وادي القرى فكاتب على نفسه، ومدح عبد العزيز بن مروان، فاشترى ولاءه.
ويكنى: أبا محجن، وزعم ابن قتيبة أن كنيته: أبا الحجناء، وأنشد لكثير يهجوه:
رَأيت أبا الحجْنَاءِ في النَّاس جائزا ... ولَون أبي الحجنَاءِ لَون البهائم
تراه على ما لاَحَه من سَوَادِه ... وإن كان مظلومًا له وَجه ظالمِ
ونصيب اسم منقول، يحتمل أن يكون تصغير نصب وهو حجر كانوا يذبحون عليه ما يقربون للأصنام، قال الله تعالى: ".. وما ذبح على النصب ".
ويحتمل أن يكون تصغير نصب وهو التعب، أو تصغير نصب مفتوح النون ساكن الصاد - وهو ما نصب - فعبد من دون الله قال الله تعالى: " كأنهم إلى نصب يوفضون ".
ويحتمل أن يكون تصغير نصاب، أو نصيب، ويكون مصغرًا. مرخمًا.
وروى الأصفهاني بسند أخبر به أبو بكر بن دريد، قال: لقيت يومًا نصيبًا بباب هشام بن عبد الملك، فقلت له: يا أبا محجن، لم سميت نصيبًا؟ ألقولك في شعرك: عاينها النصب؟! فقال: لا، ولكني ولدت عند أهل بيت من ودان، فقال سيدي: ائتونا به ننظر إليه، فقال: إنه لمنصب الخلق، فسميت النصب ثم اشتراني عبد العزيز بن مروان فأعتقني.
فهذا الخبر يقتضى أن يكون تصغير: منصب، وهو المشرف في استواء، ورخم فحذفت زوائدة، كما أنك لو صغرت محمدا ورخمته لقلت: حميد.
وأما المحجن: فعصا معقفة الطرف، يقال لها: القسقاسة وصحفتها العامة فقالت: الكسكاسة.
والحجناة: تأنيث الأحجن، وجمع الأحجن: حجن، قال النابغة:
خطاطيف حجن في حبال منيفةٍ ... تمد بها أيدٍ إليك نوازع
وهو المعوج المعتف.
والشعر الذي فيه هذا البيت من أجود شعره، وهو قوله فيها:
أَلاَ يا عُقَابَ الوَكْرِ وكْرِ ضريَّةٍ ... سُقيتَ الغوادي من عُقابٍ ومن وَكر
تَمرّ اللّيالي والشُّهور ولا أَرَى ... مُرورَ الليالي منْسِياتي ابنةَ العمْرِ
تقول: صِلينا واهجرينا، وقد تَرَى ... إذا هَجرت أن لا وصال مع الهجْرِ
فلم أرْضَ ما قالتْ ولم أبد سُخْطَةً ... وضاق بما جَمْجَمتُ من حبها صدرِي
ظلِلْت بذي ودَّانَ أنشد بَكْرَتِي ... ومالي عليها من قَلُوص ولا بكْرِ
وما أَنْشُدُ الرُّعيانَ إلاّ تَعِلّةً ... لواضحة الأنياب طَيّبة النشْر
فقال لي الرُّعيانُ: لِمْ تَلْتَبِسْ بنا؟ ... فقلت: بلى، قد كنتُ منها على ذكرِ!
وقد ذكرن لي بالكئيب مؤالفا ... قِلاصَ عَدِيّ، أو قلاصَ بني وَبْر
فقال فريق القوم لَماَّ نشدُّنهم: ... نعمْ، وفريق لَيمْنُ الله ما ندرِي
1 / 16