Hukm Bina' al-Kana'is wa al-Ma'abid al-Shirkiyah fi Bilad al-Muslimin
حكم بناء الكنائس والمعابد الشركية في بلاد المسلمين
Penerbit
الكتاب منشور على موقع وزارة الأوقاف السعودية بدون بيانات
Genre-genre
[تقريظ صاحب السماحة العلامة الجليل الأثري الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز]
حكم بناء الكنائس والمعابد الشركية
في بلاد المسلمين تأليف
فضيلة الشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري
Halaman tidak diketahui
تقريظ صاحب السماحة العلامة الجليل الأثري
الشيخ
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
يرحمه الله - آمين - لهذه الرسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد، فهذه الرسالة مهمة في حكم بناء الكنائس والمعابد الشركية في بلاد أهل الإسلام، جمعها العلامة الشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري الباحث في رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد - جزاه الله خيرا وزاده علما وتوفيقا (١) - ردا على ما نشرته بعض الجرائد المصرية في جواز إحداث الكنائس في البلاد الإسلامية.
وقد قرأت هذه الرسالة من أولها إلى آخرها فألفيتها رسالة قيمة، قد ذكر فيها مؤلفها ما ورد في بناء الكنائس والبيع وسائر المعابد الكفرية من الأحاديث النبوية والآثار وكلام أهل العلم في المذاهب الأربعة، وقد أجاد وأفاد وختمها برسالتين جليلتين عظيمتي الفائدة للإمام العلامة أبي العباس شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀.
ولا ريب أن موضوع الرسالة مهم جدا ولا سيما في هذا العصر الذي كثر فيه اختلاط الكفار بالمسلمين ونشاط النصارى في بناء الكنائس في بعض البلاد الإسلامية ولا سيما بعض دول الجزيرة العربية.
_________
(١) توفي الشيخ إسماعيل - رحمه الله تعالى - فجر يوم الجمعة الموافق ٢٦ / ١١ / ١٤١٧ هـ، وذلك عن عمر يناهز السابعة والسبعين عاما.
1 / 3
وقد أجمع العلماء ﵏ على تحريم بناء الكنائس في البلاد الإسلامية، وعلى وجوب هدمها إذا أُحدثت، وعلى أن بناءها في الجزيرة العربية كنجد والحجاز وبلدان الخليج واليمن أشد إثما وأعظم جرما؛ لأن الرسول ﷺ أمر بإخراج اليهود والنصارى والمشركين من جزيرة العرب، ونهى أن يجتمع فيها دينان، وتبعه أصحابه في ذلك.
ولما استخلف عمر ﵁ أجلى اليهود من خيبر عملا بهذه السنة، ولأن الجزيرة العربية هي مهد الإسلام ومنطلق الدعاة إليه ومحل قبلة المسلمين فلا يجوز أن ينشأ فيها بيت لعبادة غير الله سبحانه كما لا يجوز أن يقر فيها من يعبد غيره.
ولما حصل من التساهل في هذا الأمر العظيم رأيت أن نشر هذه الرسالة مفيد جدا إن شاء الله، بل من أهم المهمات ولهذا أمرت بطبعها ونشرها وتوزيعها على حساب رئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد نصحا للأمة وبراءة للذمة ومساهمة في إنكار هذا المنكر العظيم والدعوة إلى إنكاره والتحذير منه، وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يطهر بلاد المسلمين عموما والجزيرة العربية خصوصا من جميع المعابد الشركية، وأن يوفق ولاة أمر المسلمين إلى إزالتها والقضاء عليها طاعة لله سبحانه وامتثالا لأمر رسوله ﵊ وسيرا على منهج سلف الأمة وتحقيقا لما دعا إليه علماء الإسلام من إزالة الكنائس والمعابد الشركية المحدثة في بلاد المسلمين، إنه جواد كريم.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
أملاه الفقير إلى عفو ربه: عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن آل باز - الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
حرر في ليلة الخميس ٢٥ / ١٠ / ١٤٠٠ هجرية.
1 / 4
[مقدمة المؤلف]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: فقد نشرت جريدة الشرق في عددها الصادر في يومي الثلاثاء والأربعاء ١٣ - ١٤ / ٢ / ١٩٧٩ أن الدكتور صوفي أبا طالب رئيس مجلس الشعب المصري صرح في ندوة جماهيرية عقدت لبحث تطبيق الشريعة الإسلامية بأن من أهم الأسس الدالة على عظمة الإسلام وسموه التي يجب أن تقوم عليها العلاقة بين الأغلبية الإسلامية والأقليات المسيحية عند تطبيق الشريعة الإسلامية في الدول الإسلامية المختلفة ومن بينها مصر إطلاق حرية الأقليات في السماح لهم ببناء الكنائس.
وحيث إن إطلاق الحرية في ذلك لم يسوغه شرع قط بل جميع الشرائع متفقة على تحريم الكفر الذي يقتضي تحريم إنشاء مكان يكفر فيه بالله تعالى، والكنيسة لا تتخذ إلا لذلك فقد تعقبنا رأيه ذلك بهذا الرد المرتب على ما يلي:
١ - بيان ما ورد من الأحاديث في منع ذلك.
٢ - ذكر ما ورد من الآثار عن الصحابة في ذلك.
٣ - إيراد نصوص المذاهب الأربعة في الموضوع.
٤ - تقسيم البلاد التي تفرق فيها أهل الذمة والعهد وحكم الكنائس فيها.
1 / 5
٥ - خاتمة في تحقيقات لشيخ الإسلام ابن تيمية في الموضوع تحتوي عليها رسالتان له.
والله أسأل التوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل.
1 / 6
[بيان ما ورد في منع إحداث الكنائس في بلاد الإسلام من الأحاديث]
بيان ما ورد في منع إحداث الكنائس في بلاد الإسلام من الأحاديث وردت أحاديث في منع إحداث الكنائس في بلاد الإسلام نذكرها فيما يلي:
١ - ما رواه أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حبان المعروف بأبي الشيخ في كتاب شروط الذمة، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحارث، ثنا سليمان بن داود أبو أيوب، ثنا سعيد بن الحباب، ثنا عبيد بن بشار، عن أبي الزاهرية، عن كثير بن مرة قال: سمعت عمر بن الخطاب ﵁ يقول: قال رسول الله ﷺ: «لا تُحدثُوا كنيسة في الإسلام ولا تُجددوا ما ذَهَب منها» . ومن طريق أبي الشيخ بهذا السند روى السبكي في فتوى له في منع ترميم الكنائس هذا الحديث في الباب الذي عقده للأحاديث الواردة في منع ذلك.
ثم قال: " هكذا في هذه الطريق عبيد بن بشار وأظنه تصحيفا، فقد رواه أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ الجرجاني في كتابه (الكامل) في ترجمة سعيد بن سنان عن أبي الزاهرية عن كثير بن مرة قال: سمعت عمر بن الخطاب ﵁ يقول: قال رسول الله ﷺ: «لا نذر في معصية، ولا يمين في معصية، وكفارته كفارة يمين»، قال ابن عدي وبإسناده قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تبنى كنيسة في الإسلام ولا يجدد ما خرب منها» ثم قال السبكي: سعيد بن سنان ضعفه الأَكثرون ووثقه بعضهم، وكان من صالحي أهل الشام وأفضلهم وهو من رجال ابن ماجه، كنيته أبو المهدي، وذكره عبد الحق في الأحكام " (١) .
٢ - ما رواه أبو داود في باب إخراج اليهود من جزيرة العرب من سننه وهو من
_________
(١) فتاوى السبكي (٢ / ٣٧٢، ٣٧٣) .
1 / 7
أبواب كتاب الخراج والفيء والترمذي في كتاب الزكاة من جامعه.
وقال أبو داود ج ٢ ص ١٤٨ (مطبعة مصطفى البابي الحلبي الأولى): " حدثنا سليمان بن داود العتكي، ثنا جرير، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تكون قبلتان في بلد واحد» .
وقال الترمذي في: " باب ما جاء ليس على المسلمين جزية " حدثنا يحيى بن أكثم، ثنا جرير، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تصلح قبلتان في أرض واحدة وليس على المسلمين جزية» قال: وحدثنا أبو كريب، أخبرنا جرير، عن قابوس بهذا الإسناد نحوه، وفي الباب عن سعيد بن زيد وجد حرب بن عبيد الله الثقفي قال أبو عيسى: حديث ابن عباس قد روي عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن النبي ﷺ مرسلا " اهـ. كلام الترمذي.
قال السبكي في فتوى له في منع ترميم الكنائس، وهي ضمن الجزء الثاني من فتاويه، قال (ص ٣٧٤ - ٣٧٥): " وهذا الحديث قد اختلف في إسناده وإرساله، فرواه العتكي وأبو كريب عن جرير عن قابوس كما رأيت، ورويناه مقتصرا على الفصل الثاني من شقيه (١) وهو قوله: «ليس على مسلم جزية» في كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلّام الذي سمعناه على شيخنا الدمياطي بسماعه من ابن الجميزي، قال أبو عبيد، ثنا مصعب بن المقدام، عن سفيان بن سعيد، عن قابوس، عن أبيه، عن النبي ﷺ مرسلا. وجرير وإن كان ثقة لكن سفيان أجل منه، فعلى طريقة المحدثين المرسل أصح، وعلى طريقة بعض الفقهاء في المسند زيادة، وقد ذكر
_________
(١) رواه أبو عبيد في باب الجزية على من أسلم من أهل الذمة أو مات وهي عليه " من كتاب الأموال ص ٤٧ " قال: حدثنا مصعب بن المقدام، عن سفيان بن سعيد، عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه قال: قال رسول الله ﷺ ليس على مسلم جزية.
1 / 8
الترمذي الخلاف في إسناده وإرساله، وقابوس فيه لين مع توثيق بعضهم له، وكان يحيى بن سعيد يحدث عنه، ويحيى لا يحدث إلا عن ثقة، وفي القلب منه شيء ولا يتبين لي قيام الحجة به وحده، وعدت الشيخ نور الدين البكري في مرضه فسألني عن هذا الحديث وقال: ما بقي إلا تصحيحه، وأفتى بهدم الكنائس وبإجلاء اليهود والنصارى " اهـ المراد من كلام السبكي.
وقد ذكر شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية في فتوى له، في الكنائس ذكرها ابن القيم في كتاب أحكام أهل الذمة (٢ ٦٨٥) ذكر أن حديث: «لا تكونُ قبلتانِ في بلدٍ واحد» رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد، وجزم بأن شرط عمر في شروطه المشهورة أن لا يجددوا في مدائن الإسلام ولا فيما حولها كنيسة ولا صومعة ولا ديرا ولا قلاية؛ امتثال من عمر لهذا الحديث «لا تكون قبلتان في بلد واحد» .
٣ - ما رواه أبو داود في " باب الإقامة بأرض الشرك " من سننه قال (٢ ٨٤) قال: " حدثنا محمد بن داود بن سفيان، ثنا يحيى بن حسان قال: أخبرنا سليمان بن موسى أبو داود قال: ثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب قال: حدثني خبيب بن سليمان، عن أبيه سليمان بن سمرة، عن سمرة بن جندب: أما بعد قال رسول الله ﷺ: «من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله» (١) . قال السبكي في فتواه في منع ترميم الكنائس ص ٣٧٥ من الجزء الثاني من فتاوى السبكي قال: " لم يروه من أصحاب الكتب الستة إلا أبو داود، وبوَّب له " باب الإقامة في أرض الشرك "، وليس في سنده ضعف، فهو حديث حسن، ثم ذكر السبكي أن أبا الشيخ قال:
_________
(١) وقد قال البيهقي في باب الأسير: يؤخذ عليه العهد أن لا يهرب، من سننه الكبرى (٩ ١٤٢) قال: " أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ثنا إسحاق بن إدريس، ثنا همام، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة ﵁، عن النبي ﷺ قال: " لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم، فمن ساكنهم أو جامعهم فليس منا " اهـ.
1 / 9
" حدثنا إسحاق بن بيان الواسطي، ثنا فضل بن سهل، ثنا مضر بن عطاء الواسطي، ثنا همام، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تُسَاكِنُوا المشركينَ ولا تُجَامِعُوهم، فَمنْ سَاكَنَهُم أو جامعهم فَهو مِثلُهم»، وذكر السبكي أن هذا الحديث هو معنى الحديث الأول، وأن الكتابي يسمى مشركا، فالحديث على ذلك يشمله عنده فيستدل به على تحريم مساكنته، ثم قال: " والمساكنة إن أخذت مطلقة في البلد يلزم أن لا يكون لهم في تلك البلد كنيسة؛ لأن الكنيسة إنما تبقى لهم بالشرط إذا كانوا فيها " اهـ.
٤ - ما رواه مالك في " ما جاء في إجلاء اليهود من المدينة "، من الموطأ عن إسماعيل بن أبي حكيم أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول: " كان من آخر ما تكلم به رسول الله ﷺ أن قال: «قاتل الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يبقين دينان بأرض العرب» . وروى مالك أيضا في ذلك الباب عن ابن شهاب: أن رسول الله ﷺ قال: «لا يجتمع دينان بجزيرة العرب» . قال مالك: قال ابن شهاب: ففحص عن ذلك عمر بن الخطاب حتى أتاه الثلج واليقين أن رسول الله ﷺ قال: «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب» . فأجلى يهود خيبر.
قال مالك: " وقد أجلى عمر بن الخطاب يهود نجران وفدك. فأما يهود خيبر فخرجوا منها ليس لهم من الثمر ولا من الأرض شيء. وأما يهود فدك فكان لهم نصف الثمر ونصف الأرض؛ لأن رسول الله ﷺ كان صالحهم على نصف الثمر ونصف الأرض فأقام لهم عمر نصف الثمر ونصف الأرض قيمة من ذهب وورق، وإبل وحبال وأقتاب، ثم أعطاهم القيمة ثم أجلاهم منها " اهـ.
ومرسل ابن شهاب الذي ورد في رواية مالك الأخيرة وصله صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة. أخرجه إسحاق في مسنده ورواه
1 / 10
عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، فذكره مرسلا. وزاد فقال عمر لليهود: " من كان منكم عنده عهد من رسول الله فليأت به وإلا فإني مجليكم ". ورواه أحمد في مسنده موصولا عن عائشة ولفظه عنها قالت: «آخر ما عهد رسول الله ﷺ أن لا يترك بجزيرة العرب دينان» . أخرجه من طريق ابن إسحاق: حدثني صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عائشة. . أفاد جميع ذلك - أي ما ذكرناه في مرسل ابن شهاب الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه " تلخيص الحبير ".
وأما أرض العرب وجزيرة العرب الواردتان في روايتي الموطأ، فقد قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر في الجزء الأول من " التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ": وأما قوله: " أرض العرب " و" جزيرة العرب " في هذا الحديث، فذكر ابن وهب عن مالك قال: أرض العرب مكة والمدينة واليمن. وذكر أبو عبيد القاسم بن سلام عن الأصمعي قال: جزيرة العرب من أقصى عدن أبين إلى ريف العراق في الطول، وأما في العرض فمن جدة وما والاها من سائر البحر إلى أطراف الشام.
وقال أبو عبيد: جزيرة العرب ما بين حفر أبي موسى إلى أقصى اليمن في الطول، وأما في العرض فمن بير يبرين إلى منقطع السماوة، قال أبو عمر: أخبرنا بذلك كله أبو القاسم عبد الوارث بن سفيان وأبو عمر أحمد بن محمد بن أحمد، قالا: حدثنا محمد بن عيسى وأخبرنا أبو القاسم بن عمر بن عبد الله قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن علي قال: حدثنا أحمد بن خالد، قالا جميعا: حدثنا علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد القاسم بن سلام في كتابه في شرح غريب الحديث، وبجميع الشرح المذكور.
1 / 11
وقال يعقوب بن شيبة: حفر أبي موسى على منازل من البصرة في طريق مكة خمسة منازل أو ستة.
وقال أحمد بن المعذل: حدثني يعقوب بن محمد بن عيسى الزهري قال: قال مالك بن أنس: جزيرة العرب المدينة ومكة واليمامة واليمن. قال: وقال المغيرة بن عبد الرحمن: جزيرة العرب المدينة ومكة واليمن وقرياتها. وذكر الواقدي عن معاذ بن محمد الأنصاري أنه حدثه عن أبي وجزة يزيد بن عبيد السعدي أنه سمعه يقول: القرى العربية: الفرع وينبع والمروة ووادي القرى والجار وخيبر، قال الواقدي: وكان أبو وجزة السعدي عالما بذلك، قال أبو وجزة: وإنما سميت قرى عربية لأنها من بلاد العرب.
وقال أحمد بن المعذل: حدثني بشر بن عمر قال: قلت لمالك: إننا لنرجو أن تكون من جزيرة العرب - يريد البصرة - لأنه لا يحول بينكم وبيننا نهر، فقال: ذلك أن كان قومك تبوءوا الدار والإيمان " قال أبو عمر ﵁: قال بعض أهل العلم: إنما سمي الحجاز لأنه حجز بين تهامة ونجد، وإنما قيل لبلاد العرب جزيرة لإحاطة البحر والأنهار بها من أقطارها وأطرافها، فصاروا فيها في مثل جزيرة من جزائر البحر " اهـ. ما في التمهيد عن أرض العرب وجزيرة العرب.
٥ - ما رواه أحمد بن حنبل وأبو عبد القاسم بن سلام عن توبة بن نمر عمن أخبره: قال أحمد بن حنبل، ثنا حماد بن خالد الخياط، أخبرنا الليث بن سعد، عن توبة بن نمر الحضرمي (قاضي مصر) عمن أخبره، قال: قال رسول الله ﷺ: «لا خِصَاء في الإسلام ولا كنيسة» (١) .
_________
(١) ومن طريق الإمام أحمد هذه أورد ابن القيم هذا الحديث في أحكام أهل الذمة (٢ / ٦٧٣) بسنده ومتنه.
1 / 12
وقال أبو عبيد في كتاب الأموال: " حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد قال: حدثني توبة بن النمر الحضرمي قاضي مصر عمن أخبره قال: قال رسول الله ﷺ: «لا خصاء في الإسلام ولا كنيسة» (١) .
قال أبو الحسن علي بن عبد الكافي السبكي في فتوى له في منع ترميم الكنائس في ج ٢ من فتاوى السبكي ص ٣٧٤ بعد إيراده هذا الحديث من طريقي الإمامين أحمد بن حنبل وأبي القاسم بن سلام: " استدلوا به على عدم إحداث الكنائس، ولو قيل إنه شامل للإحداث والإبقاء لم يبعد، ويخص منه ما كان بالشرط بدليل ويبقى ما عداه على مقتضى اللفظ، وتقديره: لا كنيسة موجودة شرعا " اهـ.
[ذكر ما ورد في إحداث الكنائس في بلاد الإسلام من الآثار]
ذكر ما ورد في إحداث الكنائس في بلاد الإسلام من الآثار ورد في منع إحداث الكنائس في أمصار المسلمين آثار نذكر منها ما يلي:
أولا: ما رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في " كتاب الأموال " قال: " حدثني أبو الأسود عن أبي لهيعة يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير قال: قال عمر بن الخطاب: " لا كنيسة في الإسلام ولا خصاء " حدثني أحمد بن بكير عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عمر مثل ذلك، ولم يذكر عن أبي الخير " (٢) اهـ.
ورواه علي بن عبد العزيز قال: " حدثنا أبو القاسم، حدثني أبو الأسود، عن ابن
_________
(١) كتاب الأموال باب ما يجوز لأهل الذمة أن يحدثوا في أرض العنوة وفي أمصار المسلمين وما لا يجوز ص ٩٤، ورواه أيضا موقوفا على عمر بغير هذا الإسناد، قال أبو عبيد: حدثني أبو الأسود عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير- أي مرثد بن عبد الله اليزني - قال: قال عمر بن الخطاب: " لا كنيسة في الإسلام ولا خصاء ". حدثني أحمد بن بكير عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عمر مثل ذلك، ولم يذكره عن أبي الخير اهـ.
(٢) كتاب الأموال باب ما يجوز لأهل الذمة أن يحدثوا في أرض العنوة ص ٩٤.
1 / 13
لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني قال: قال عمر بن الخطاب ﵁: " لا كنسية في الإسلام ولا خصاء " (١) .
وقد ورد في الشروط المشهورة عن عمر بن الخطاب ﵁: " أن لا يجددوا في مدائن الإسلام ولا فيما حولها كنيسة ولا صومعة راهب ولا قلاية ". وفيما يلي نص تلك الشروط التي جاء فيها ذلك الشرط.
قال الخلال في كتاب " أحكام أهل الملل ": أخبرنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبو شرحبيل الحمصي عيسى بن خالد قال: حدثني عمر أبو اليمان وأبو المغيرة قالا: أخبرنا إسماعيل بن عياش قال: حدثنا غير واحد من أهل العلم قالوا: كتب أهل الجزيرة إلى عبد الرحمن بن غنم (٢) " إنا حين قدمت بلادنا طلبنا إليك الأمان لأنفسنا وأهل ملتنا على أنا شرطنا على أنفسنا أن لا نحدث في مدينتنا كنيسة ولا فيما حولها ديرا ولا قلاية ولا صومعة (٣) راهب ولا نجدد ما خرب من كنائسنا
_________
(١) ذكره ابن القيم في أحكام أهل الذمة (٢ / ٦٧٣ من طريق علي بن عبد العزيز هذا بسنده هذا ومتنه.
(٢) روى الحافظ عبد الله بن زبر في جزء ألفه في هذه الشروط عن أبي الأحوص محمد بن الهيثم، عن محمد بن إسماعيل بن عياش، عن أبيه أن هذا الكتاب من عياض بن غنم لذمة حمص ثم قال: " وفي رواية عبد القدوس بن الحجاج عن إسماعيل بن عياش أن غير واحد أخبروه أن أهل الجزيرة كتبوا لعبد الرحمن بن غنم: أنك لما قدمت بلادنا طلبنا إليك الأمان إلى آخره. . قال ابن زبر: هذا غلط لأن الذي افتتح الجزيرة وصالح أهلها هو عياض بن غنم، ما عملت في ذلك اختلافا، فذكر عبد الرحمن في هذا الموضوع غلط، وأبو عبيدة هو الذي فتح حمص بلا شك، وأول من وليها عياض بن غنم، ولاه عمر في سنة ستة عشر ". أفاد هذا كله السبكي في فتواه في منع ترميم الكنائس ج٢ من الفتاوى ص ٤٠٠.
(٣) أوضح العلامة ابن القيم في أحكام أهل الذمة (٢ / ٦٦٨ - ٦٦٩ معاني الألفاظ التي وردت في هذا الكتاب وهي: كنيسة، والدير، والقلاية، والصومعة، فذكر في الكنيسة أنها لأهل الكتابين وقال: " فأما الدير فللنصارى خاصة يبنونه للرهبان خارج البلد يجتمعون فيه للرهبانية والتفرد عن الناس. وأما القلاية فيبنيها رهبانهم مرتفعة كالمنارة، والفرق بينها وبين الدير: أن الدير يجتمعون فيه والقلاية لا تكون إلا لواحد ينفرد بنفسه ولا يكون لها باب بل فيها طاقة يتناول منها طعامه وشرابه وما يحتاج إليه، وأما الصومعة فهي كالقلاية تكون للراهب وحده. قال الأزهري: الصومعة من البناء سميت صومعة لتلطف أعلاها، يقال: صمع الثريدة إذا رفع رأسها وحدده، وتسمى الثريد إذا كنت كذلك صومعة. ومن هذا يقال: رجل أصمع القلب إذا كان حاد الفطنة، ومنهم من فرق بين الصومعة والقلاية بأن القلاية تكون منقطعة في فلاة من الأرض والصومعة تكون على الطرق. هكذا فسر ابن القيم هذه الألفاظ وذكر أن ما سوى الكنيسة منها له حسكم الكنيسة، وأضاف إلى ذلك أن أهل اللغة وأهل التفسير على أن البيعة متعبد للنصارى إلا ما حكي عن ابن عباس أنه قال: " البيع مساجد اليهود " اهـ.
1 / 14
ولا ما كان منها في خطط المسلمين، وأن لا نمنع كنائسنا من المسلمين أن ينزلوها في الليل والنهار، وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل، ولا نؤوي فيها ولا في منازلنا جاسوسا، وأن لا نكتم غشا للمسلمين، وأن لا نضرب بنواقيسنا إلا ضربا خفيا في جوف كنائسنا، ولا نظهر عليها صليبا ولا نرفع أصواتنا في الصلاة ولا القراءة في كنائسنا فيما يحضره المسلمون، وأن لا نخرج صليبا ولا كتابا في سوق للمسلمين، وأن لا نخرج باعوثا - قال: والباعوث يجتمعون كما يخرج المسلمون يوم الأضحى والفطر - ولا شعانين، ولا نرفع أصواتنا مع موتانا، ولا نظهر النيران معهم في أسواق المسلمين، وأن لا نجاورهم بالخنازير ولا يبيع الخمور، ولا نظهر شركا ولا نرغب في ديننا ولا ندعو إليه أحدا، ولا نتخذ شيئا من الرقيق الذي جرت عليه سهام المسلمين، وأن لا نمنع أحدا من أقربائنا أرادوا الدخول في الإسلام، وأن نلزم زينا حيثما كنا، وأن لا نتشبه بالمسلمين في لبس قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر ولا في مراكبهم ولا نتكلم بكلامهم ولا نكتني بكناهم، وأن نجز مقادم رؤوسنا ولا نفرق نواصينا ونشد الزنانير على أوساطنا، ولا ننقش خواتمنا بالعربية، ولا نركب السروج، ولا نتخذ شيئا من السلاح ولا نحمله ولا نتقلد السيوف، وأن نوقر المسلمين في مجالسهم ونرشدهم الطريق، ونقوم لهم عن المجالس إن أرادوا الجلوس، ولا نطلع عليهم في منازلهم، ولا نعلم أولادنا القرآن، ولا يشارك أحد منا مسلما في تجارة إلا أن يكون إلى المسلم أمر التجارة، وأن نضيف كل مسلم عابر سبيل ثلاثة أيام ونطعه من أوسط ما نجد. ضمنا لك ذلك
1 / 15
على أنفسنا وذرارينا وأزواجنا ومساكيننا، وإن نحن غيرنا أو خالفنا عما شرطنا على أنفسنا وقبلنا الأمان عليه فلا ذمة لنا وقد حل لك منا ما يحل من أهل المعاندة والشقاق ".
فكتب بذلك عبد الرحمن بن غنم إلى عمر بن الخطاب، فكتب إليه عمر: " أن أمض لهم ما سألوا والحق فيهم حرفين اشترطهما عليهم مع ما شرطوا على أنفسهم: أن لا يشتروا من سبايانا، ومن ضرب مسلما فقد خلع عهده ".
فأنفذ عبد الرحمن بن غنم ذلك وأقر من أقام من الروم في مدائن الشام على هذا الشرط (١) .
وذكر سفيان الثوري، عن مسروق، عن عبد الرحمن بن غنم قال: كتبت لعمر بن الخطاب ﵁ حين صالح نصارى الشام وشرط عليهم فيه أن لا يحدثوا في مدينتهم ولا فيما حولها ديرا ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب، ولا يجددوا ما خرب، ولا يمنعوا كنائسهم أن ينزلها أحد من المسلمين ثلاث ليال يطعمونهم، ولا يؤووا جاسوسا، ولا يكتموا غشا لمسلمين، ولا يعلموا أولادهم القرآن، ولا يظهروا شركا، ولا يمنعوا ذوي قراباتهم من الإسلام إن أرادوه، وأن يقروا المسلمين، وأن يقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس، ولا يتشبهوا بالمسلمين في شيء من لباسهم ولا يتكنوا بكناهم، ولا يركبوا سرجا، ولا يتقلدوا سيفا، ولا يبيعوا الخمور، وأن يجزوا مقادم رؤوسهم، وأن يلزموا زيهم حيثما كانوا، وأن يشدوا الزنانير على أوساطهم، ولا يظهروا صليبا ولا شيئا من كتبهم في شيء من طرق المسلمين، ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم، ولا يضربوا بالناقوس إلا
_________
(١) ذكر السبكي في فتواه في منع ترميم الكنائس (٢ / ٤٠٠) أن هذه الرواية رواها أبو يعلى في كتاب ما يلزم أهل الذمة عن عبد الله بن أحمد عن أبي شرحبيل الحمصي عيسى بن خالد.
1 / 16
ضربا خفيا، ولا يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم في شيء من حضرة المسلمين، ولا يخرجوا شعانين، ولا يرفعوا أصواتهم مع موتاهم، ولا يظهروا النيران معهم، ولا يشتروا من الرقيق ما جرت فيه سهام المسلمين.
فإن خالفوا شيئا مما شرطوه فل ذمة لهم، وقد حل للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق.
وقال الربيع بن تغلب: حدثنا يحيى بن عقبة بن أبي العيزار، عن سفيان الثوري والوليد بن نوح والسري بن مصرف يذكرون عن طلحة بن مصرف، عن مسروق، عن عبد الرحمن بن غنم قال: كتبت لعمر بن الخطاب ﵁ حين صالح نصارى أهل الشام:
" بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا: إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا، وشرطنا لكم على أنفسنا أن لا نحدث في مدائننا ولا فيما حولها ديرا ولا قلاية ولا كنيسة ولا صومعة راهب، فذكر نحوه ".
قال الإمام ابن القيم بعد أن أورد في كتابه " أحكام الذمة " تلك الشروط من الطرق التي ذكرناها قال: " وشهرة هذه الشروط تغني عن إسنادها، فإن الأئمة تلقوها بالقبول وذكروها في كتبهم واحتجوا بها، ولم يزل ذكر الشروط العمرية على ألسنتهم وفي كتبهم، وقد أنفذها بعده الخلفاء وعملوا بموجبها، فذكر أبو القاسم الطبري من حديث أحمد بن يحيى الحلواني: حدثنا عبيد بن جياد، حدثنا عطاء بن مسلم الحلبي، عن صالح المرادي، عن عبد خير قال: رأيت عليا صلى العصر فصف له أهل نجران صفين، فناوله رجل منهم كتابا فلما رآه دمعت عينه ثم رفع رأسه إليهم فقال: يا أهل نجران هذا والله خطي بيدي وإملاء رسول الله ﷺ،
1 / 17
فقالوا: يا أمير المؤمنين، أعطنا ما فيه، قال: ودنوت منه فقلت: إن كان رادا على عمر يوما فاليوم يرد عليه، فقال: لست براد على عمر على عمر شيئا صنعه، إن عمر كان رشيد الأمر، وإن عمر أخذ منكم خيرا مما أعطاكم، ولم يجر عمر ما أَخذ منكم إلى نفسه إنما جره لجمعة المسلمين ".
وذكر ابن المبارك عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي أن عليا ﵁ قال لأهل نجران: " إن عمر كان رشيد الأمر ولن أغير شيئا صنعه عمر " وقال الشعبي: قال علي حين قدم الكوفة: " ما جئت لأحل عقدة شدها عمر " اهـ. كلام ابن القيم، (١) وقد روى السبكي في فتواه في منع ترميم الكنائس من طريق أبي يعلى الموصلي رواية الربيع بن تغلب، عن يحيى بن عقبة بن أبي العيزار، عن سفيان الثوري والربيع بن نوح والسري، عن طلحة بن مصرف، عن مسروق، عن عبد الرحمن بن غنم، رواها بكاملها.
وأجاب عن طعن بعض أئمة الحديث في يحيى بن عقبة بما يستفاد منه ما يلي:
١ - أنه روي عنه هذه الشروط يحيى بن سعيد القطان، ويحيى القطان لا يروي إلا عن ثقة، فروايته عنه توثيق له، ورواها عن القطان محمد بن المصفى، ورواها عن ابن مصفى حرب في مسائله عن أحمد وإسحاق قال: وكذلك رواها البيهقي موافقا في الإسناد والمتن، وكذلك ابن حزم موافقا في الإسناد والمتن، وفي سنده يحيى بن عقبة، ولم يتعرض لذكر شيء فيه مع سعة حفظ ابن حزم، وذكرها خلائق
_________
(١) ص ٦٦٣ - ٦٦٤، وقد قال ابن كثير في تفسير الآية الكريمة " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر " إلى قوله: " حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " قال في الخبر المحتوي على تلك الشروط: " رواه الأئمة الحفاظ من رواية عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال: (كتبت لعمر بن الخطاب ﵁ حين صالح نصارى من أهل الشام: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين) فذكره.
1 / 18
كذلك.
٢ - أن عبد الحق ذكر هذه الشروط في الأحكام، ولم يذكر يحيى بن عقبة واقتصر على سفيان فمن فوقه، هكذا في الوسطى، والظاهر أنه ذكره في الكبرى، لا بد من ذلك، ولم أر في كلام ابن القطان اعتراضا عليه.
٣ - أن هذه الشروط ذكرها جماعة من الفقهاء تلقوها بالقبول واحتجوا بها منهم الشيخ أبو حامد الإسفرائيني، حتى رأيت في كتب الحنابلة أنه عند الإطلاق يحمل على شروط عمر كأنها صارت معهودة شرعا. وفي كلام أبي يعلى منهم أن ما فيها يثبت بالشرع من غير شرط، وهو قريب من الأول لكنه أحسن؛ لأنه يجعل هذه أحكاما شرعية. واشتراط عمر لها لأنها ثابتة بالشرع وإن لم تشترط، وذكر السبكي من كلام الشافعي في " الأم " ما يشهد لكلام الحنابلة.
٤ - أن هذه الشروط رواها جماعة بأسانيد ليس فيها يحيى بن عقبة لكنها أو أكثرها ضعيفة أيضا، وبانضمام بعضها إلى بعض تقوى، وجمع فيها الحافظ بن عبد الله بن زير جزءا اهـ.
ثانيا: ما رواه عبد الرزاق وأبو بكر بن أبي شيبة وأحمد بن حنبل وأبو عبيد عن ابن عباس ﵄.
قال عبد الرزاق في " المصنف " (٦ / ٦٠) عن ابن التيمي، عن أبيه، عن شيخ من أهل المدينة يقال له حنش أبو علي، عن عكرمة مولي ابن عباس قال: سئل ابن عباس هل للمشركين أن يتخذوا الكنائس في أرض العرب؟
فقال ابن عباس: " أما ما مصر المسلمون فلا ترفع فيه كنيسة ولا بيعة ولا بيت نار ولا صليب ولا ينفخ فيه بوق ولا يضرب فيه ناقوس ولا يدخل فيه خمر ولا
1 / 19
خنزير. وما كان من أرض صولحت صلحا فعلى المسلمين أن يفوا لهم بصلحهم ". قال: تفسير " ما مصر المسلمون ": ما كانت من أرض العرب أو أخذت من أرض المشركين عنوة.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة (١) حدثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن حنش، عن عكرمة قال: قيل لابن عباس: أللعجم أن يحدثوا في أمصار المسلمين بناء أو بيعة؟
فقال: أما مصر مصرته العرب فليس للعجم أن يبنوا فيه بناء - أو قال بيعة - ولا يضربوا فيه ناقوسا ولا يشربوا فيه خمرا ولا يتخذوا فيه خنزيرا أو يدخلوا فيه. وأما مصر مصرته العجم ففتحه الله على العرب فنزلوا (يعني عليهم) فللعجم ما في عهدهم، وللعجم على العرب أن يوفوا بعهدهم ولا يكلفوهم فوق طاقتهم.
وقال أحمد بن حنبل: حدثنا معتمر بن سليمان التيمي، عن أبيه، عن حنش، عن عكرمة قال: سئل ابن عباس عن أمصار العرب أو دار العرب هل للعجم أن يحدثوا فيها شيئا؟
فقال: " أيُّما مِصر مَصَّرَتْهُ العربُ فَلَيسَ للعَجمِ أن يبنوا فيهِ ولا يضربُوا فيه ناقوسا ولا يشربوا فيهِ خمرا ولا يتخِذُوا فيه خنزيرا، وأيما مصر مصرتهُ العجمُ ففتحه الله على العرب فنزلوا فيهِ فإن للعجم ما في عهدهمِ وعلى العربِ أن يوفُوا بعهدهم ولا يُكلفوهم فوق طاقتهم (٢) .
_________
(١) من طريق ابن أبي شيبة، بسنده هذا روى السبكي في فتوى له في منع ترميم الكنائس أثر ابن عباس هذا وقال ج٢ من الفتاوى ص ٣٩١: " قد أخذ العلماء بقول ابن عباس وجعلوه مع قول عمر وسكوت بقية الصحابة إجماعا ".
(٢) " أورده ابن القيم في ج ٢ من " أحكام أهل الذمة " ص ٦٧٤ من طريق الإمام أحمد هذا بسنده ومتنه.
1 / 20
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في " كتاب الأموال " ص ٩٧: " سمعت علي بن عاصم يحدث عن أبي علي الرحبي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: " أيما مصر مصرته العرب ليس لأحد من أهل الذمة أن يبنوا فيه بيعة، ولا يباع فيه خمر، ولا يقتنى فيه خنزير، ولا يضرب فيه بناقوس، وما كان قبل ذلك فحق على المسلمين أن يوفوا لهم به " (١) .
وقد أجاد الإمام أبو عبيد في شرح هذا الحديث حيث قال في كتاب الأموال ص ٩٧ - ١٠٠ فقوله: " كل مصر مصرته العرب " يكون التمصير على وجوه: فمنها: البلاد التي يسلم عليها أهلها مثل المدينة والطائف واليمن، ومنها: كل أرض لم يكن لها أهل فاختطفها المسلمون اختطاطا ثم نزلوها مثل الكوفة والبصرة وكذلك الثغور.
ومنها: كل قرية افتتحت عنوة فلم ير الإمام أن يردها إلى الذين أخذت منهم، ولكنه قسمها بين اللذين افتتحوها كفعل رسول الله ﷺ بأهل خيبر.
فهذه أمصار المسلمين التي لاحظ لأهل الذمة فيها، إلا أن رسول الله ﷺ كان أعطى خيبر اليهود معاملة لحاجة المسلمين كانت إليهم، فلما استغنى عنهم
_________
(١) كتاب الأموال ص ٩٧، وقد استدل السبكي في فتواه في منع ترميم الكنائس ج ٢ من الفتاوى ص ٣٧٧ استدل للوفاء لهم بشرطهم بما روى أبو داود في سننه عن مصرف بن عمرو اليامي عن يونس بن بكير عن أسباط بن نصر عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير، وكلهم ثقات، عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ صالح أهل نجران على ألفي حلة، النصف في صفر والنصف في رجب، يؤدونها إلى المسلمين، وعارية ثلاثين درعا وثلاثين فرسا وثلاثين بعيرا من كل صنف من أصناف السلاح يغزون بها، والمسلمون ضامنون لها حتى يردوها عليهم إن كان باليمن كيد أو غدرة، على أن لا يهدم لهم بيعة ولا يخرج لهم قس ولا يفتنوا عن دينهم ما لم يحدثوا حدثا أو يأكلوا الربا. قال إسماعيل: فقد أكلوا الربا. قال أبو داود: ونقضوا بعض ما اشترط عليهم. قال السبكي: وهذا الحديث في صلح نجران حسن جدا، عمدة في هذا النوع من الصلح وتسويغ أن يشترط لهم في مثله عدم هدم بيعهم. اهـ.
1 / 21