Hukm al-Taqleed
حكم التقليد
Penyiasat
عبد العزيز بن عدنان العيدان
Penerbit
ركائز للنشر والتوزيع
Nombor Edisi
الأولى
Tahun Penerbitan
١٤٣٩ هـ - ٢٠١٨ م
Genre-genre
حكم التقليد
- جواب عن سؤال في:
- حكم معرفة طالب العلم لدليل المسألة.
- حكم التقليد للعاميِّ.
- حكم تقليد المذاهب الأربعة.
للشيخ العلامة
حمد بن ناصر بن عثمان بن مُعَمَّر النجدي التميمي الحنبلي
المتوفى: ١٢٢٥ هـ
تحقيق وتعليق
د. عبد العزيز بن عدنان العيدان
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد ألا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإن الله تعالى فضَّل العلم النافع وأحب أهله، ورفع بعضهم فوق بعض درجات، فأعلاهم منزلة عنده أعلمهم به وبشريعته، قال تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)، وجعل خشيتَه معلَّقةً به فقال: (إنما يخشى الله من عباده العلماء)، فتنافس الناس في القرون الثلاثة المفضلة لتحصيل ذلك العلم، وتنادوا فيما بينهم إليه، واجتهدوا في التحقُّق به، وبذلوا الأموال والأوقات، وتركوا من أجله المُتع والملذات، فكثرت فيهم العلماء، وقلت البدع والضلالات، وكان لهجهم بعد التسبيح والتهليل بـ"حدثنا" و"أخبرنا"، وكانوا
1 / 5
يتعلمون العلم لنفوسهم حتى تزكو، ولقلوبهم حتى تجلو، لا للناس أو للجاه أو ليقال، وكان كيد الشيطان فيهم ضعيفًا، والمتعلم منهم من حبائله فطينًا حصيفًا؛ فظهرت السنن وأُمر بالمعروف ونُهي عن المنكر وقامت سوق الديانة، فكلما أوقد أعداء السنن نار البدع أطفوها بماء النبوة.
وكان مسلكهم في تحصيل العلم آنذاك؛ الرجوع إلى صحابة رسول الله ﷺ لسماع القرآن والحديث والتفقُّه فيهما، ثم العمل بمقتضى ذلك والدعوة إليه، واستمروا على ذلك زمانًا صحَّ لهم فيه المأخذ ولم يُعكِّر صفوَه معكِّر.
ولما اتَّسعت رقعة الإسلام، وطالت أطرافه بلاد الأعاجم، وتطاول العهد بالنبوة؛ كثرت الأفهام السقيمة والدواخل الفاسدة، وزاحم أهلَ العلم النافع غيرُهم، وتشعَّبت المقاصد والنيات، فعمد الشيطان بمكايده لدسِّ العلم الضار بالعلم النافع وخَلْطِ بعضه ببعض، حتى إذا ما أراد طالبٌ تحصيل العلم النافع اشتبه عليه بغيره فضلَّ وأضل.
ففي علم الحديث والسير والمغازي؛ سوَّدت الزنادقة والمبتدعة الصحائف بالأخبار الباطلة، فنهض أهل الحديث وحموا الأخبار بحفظها وبيان عللها، قال ابن سيرين: (كانوا لا
1 / 6
يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا: سمُّوا لنا رجالكم).
وفي علم الاعتقاد؛ تكلَّم الفلاسفة ومن تأثَّر بهم بما لا يُعرف في القرون المفضلة، فحرس أهل السنة الحقَّة حمى العقيدة بمصنفاتهم، وبدَّدوا وَهَج الباطل بمواقفهم، وأتوا على بنيان الفلاسفة وأهل الكلام من قواعدهم فخرَّ عليهم السقف من فوقهم.
وفي علم الفقه ومسالك أخذه؛ سلك المقلِّدة والمتعصبة مسلكًا لم يَسبقهم إليه أحد، فتتابع أهل العلم في نقضه، ورموهم من قوس السنة ورماح الآثار، وبيَّنوا المسالك المعرِّفة بأحكام الحلال والحرام.
وهكذا في كل علم من العلوم النافعة الموصلة إلى مرضاة الله، يقيِّض الله من يحرسه من الدواخل الفاسدة، والشبه الملبِّسة، والآراء المضلِّلة، ومنذ ذلك الزمان وأهل السنة يذودون عن حياض العلم، ويجاهدون بأقوالهم وأقلامهم لتمييز النافع منه من ضده، ولإرجاع الناس في سائر العلوم إلى ما كان عليه أهل الزمان الأول، وهم في كل جولة بفضل الله منصورون، وعلى كل باطل بأمر الله ظاهرون؛ وكما قال ﷺ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ».
1 / 7
وإن ممن برى قلمه وأحضر دواته لحماية جناب العلم النافع: الشيخ حمد بن ناصر بن معمَّر، في جوابٍ له عن المسلك الصحيح في أخذ الفقه ومعرفة الحلال والحرام، وسُمِّيت الرسالة بـ (الَاجْتِهَادِ وَالتَّقْلِيدِ)، وهي رسالتنا هذه (^١).
فقد بيَّن فيها ﵀ أحوال الناس في معرفة أحكام الحلال والحرام والعمل بها، وأنهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: المجتهد، الذي توفرت فيه شروط الاجتهاد، وأن الواجب عليه الاجتهاد لا التقليد.
والقسم الثاني: من كان عاجزًا عن معرفة حكم الله تعالى في مسألة من المسائل؛ كالعامِّيِّ والمتفقِّه القاصر عن النظر: وبين أن مثل هؤلاء فرضهم التقليد.
والقسم الثالث: من كان متوسطًا بين القسمين السابقين، وهو المتفقِّه القادر على النظر والاستدلال، وكانت عنده الآلة التي يُميِّز من خلالها القول الأقرب للدليل، بحيث يشعر برجحان قول على قول: فبيَّن ﵀ أن مثل هذا يجب عليه النظر والاستدلال والعمل
_________
(^١) للشيخ العلامة عبد الله بن عبد الرحمن أبا بُطين جواب عن سؤالٍ قريبٌ من جواب شيخه الشيخ حمد بن معمَّر في هذه الرسالة مودعة في الدرر السنية ٤/ ٦٥.
1 / 8
بما دلَّه عليه الدليل، ولو خالف في تلك المسألة قول مذهبه الذي ينتسب إليه، وذكر كلام العلماء في ذلك.
وهذا القسم الذي أراد المؤلف بيانه والتدليل عليه والإجابة عن الشبهات الواردة عليه؛ هو الذي يطلق عليه كثير من العلماء: مرتبة الاتباع.
وبيَّن ﵀ خطأ مَن ظن مِن المتفقهة أن المرء إما مجتهد أو مقلد، وأن متفقهة المذاهب والمتعلمين ليسوا من المجتهدين، وإنما هم في عداد المقلِّدين؛ فركنوا بسبب ذلك إلى التقليد، وأعرضوا عن العلم التليد، وسلك جماعة منهم في التعلم والتعليم مسلكًا متواكبًا مع ذلك الظن الخاطئ، فجعلوا تلك المتون - التي جعلها العلماء وسيلة لحفظ العلوم - مقاصد، وتلك المختصرات - التي أعدُّوها تنظيمًا للفهوم - قبلة، فبدَّلوا الفقه بالتقليد، واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، وخلطوا هذا بذاك، وظنُّوا أن ما هم عليه من التمسك بالتقليد علمًا نافعًا، حتى صار منتهى إرادة الواحد منهم فهم عبارات تلك المختصرات، وحفظ المسائل مجردة عن الدلائل، فتصرَّمت أوقاتهم في معاناة ألفاظها، والانكباب على عباراتها، وانصرف بعضهم بل وأعرض عن معرفة حكم الله تعالى في تلكم المسائل بالبحث عن دلائلها من السنن والآثار.
1 / 9
فبيَّن المؤلف ﵀ أن الواجب على المتفقِّه القادر على النظر: الاجتهاد حسب قدرته ووسعه لمعرفة حكم الله تعالى في الوقائع والأحكام من خلال النظر في النصوص والأدلة، وذلك إنما يحصل بالدُّرْبة على مسالك الاجتهاد والنظر، وألا يقتصر المعلِّم في تعليمه على توضيح عبارات المتون والمختصرات، وبيان ما أجملته أو تخصيص ما عمَّمته، أو تقييد ما أطلقته، أو التنبيه على ما خالفت فيه راجح المذهب عند المتأخرين.
بل ينبغي على المعلِّم والمتعلِّم أن يسلكوا في التفقُّه ومعرفة الحلال والحرام مسلكًا تبرأ به ذممهم، ويقوموا بالواجب المتوجِّه إليهم، ويجمعوا بين الاستفادة من مصنفات الفقهاء، والدربة على النظر والاستدلال والبحث عن مراد الله تعالى في الأحكام.
وينبغي على المعلِّم أن يقوم بتعظيم الأحاديث والآثار في نفسه وفي نفس الدارس عنده، وأن يستنهض الملكات للنظر فيها والترجيح بينها، فيدرِّب المتفقِّه على التفقُّه والاستدلال، وعلى تقديم الدليل وتعظيمه ولو خالف مذهبه، وأن يعمل بما ترجح عنده لكونه الواجب عليه.
فإن العلماء لما صنفوا المصنفات وكتبوا المختصرات؛ قصدوا من ذلك كله تسهيل العلم على راغبيه، وجمع مسائله لطالبيه؛
1 / 10
ليتحصَّل عند طالب الفقه ملكةً يعرف من خلالها كيفية التعامل مع نصوص الوحي، ومُكْنةً يقدر من خلالها استنباط أحكام ما لم ترد فيه النصوص، فيعبد الله على بصيرة، ويأمر بالمعروف على بصيرة، وينهى عن المنكر على بصيرة.
ولم يقصدوا من كتابة المختصرات أن يكون المقصد والمنتهى فيها معرفة عباراتها والوقوف على مفاهيمها، بحيث يتشاغل الإنسان بها عن الأحاديث والآثار والتفقُّه فيهما.
فإن مثل هذا الأمر هو الذي دعا الإمام أحمد ﵀ إلى إنكاره على وضع الكتب؛ فقد جاء عنه فيما نقله ابنه عبد الله في مسائله (ص ٤٣٧)، أنه قال: (كلما جاء رجل وضع كتابًا ويترك حديث رسول الله ﷺ وأصحابه)، وعاب وضع الكتب وكرهه كراهية شديدة.
ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب ﵀: (ولما حدث قليل من هذا، لا يشبه ما أنتم عليه في زمن الإمام أحمد، اشتد إنكاره لذلك)، ثم قال: (ولما ذكر له بعض أصحابه أن هذه الكتب فيها فائدة لمن لا يعرف الكتاب والسنة، قال: إن عرفت الحديث لم تحتج إليها، وإن لم تعرفه لم يحل لك النظر فيها) ينظر: الدرر السنية ١/ ٤٧.
1 / 11
وقد بيَّن ابن بدران سبب كراهية الإمام أحمد لوضع الكتب فقال: (اعلم أن الإمام أحمد ﵁ كان يكره وضع الكتب التي تشتمل على التفريع والرأي، وما ذلك إلا ليتوفر الالتفات إلى النقل ويزرع في القلوب التمسك بالأثر) ينظر: المدخل ص ١٢٣.
فالإمام أحمد ﵀ إنما أراد سد الذريعة هجر السنن والآثار، ومن أجاز كتابة الكتب رأى أنها من المصالح المرسلة التي تُعين على جمع العلم وتسهيله على طلابه، وأجمع الكل على أن هذه الكتب والمصنفات إنما هي وسيلة لضبط العلم وحفظه، وأن يُحصِّل الناظر فيها على الآلة التي من خلالها يُدرك مراد الله تعالى، لا أن يُتشاغل بها عن السنن أو تُرد بها الآثار.
ومن ذلك كتابة المختصرات، فإنهم كتبوها ليجمعوا مسائل الأبواب في مذاهبهم بعبارات وجيزة، متضمنةً لمعاني كثيرة؛ فيسهل استحضار المسائل والأحكام، وتكون معينًا للمبتدي وتذكيرًا للمنتهي.
وقد بيَّن الرازي المقصود من كتابة المصنفات، فقال: (فإن قلت: فلم صُنفت كتب الفقه مع فناء أربابها؟ قلت: لفائدتين: إحداهما: استفادة طريق الاجتهاد من تصرفهم في الحوادث وكيفية
1 / 12
بناء بعضها على بعض، والأخرى: معرفة المتفق عليه من المختلف فيه) ينظر: المحصول ٦/ ٧١.
وبيَّن الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب فائدة هذه المصنفات، فقال: (فإن قلت: فماذا يجوز للإنسان من قراءة هذه الكتب المصنفة في المذاهب؟ قيل: يجوز من ذلك قراءتها على سبيل الاستعانة بها على فهم الكتاب والسنة، وتصوير المسائل، فتكون من نوع الكتب الآلية، أما أن تكون هي المقدمة على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ الحاكمة بين الناس فيما اختلفوا فيه، المدعو إلى التحاكم إليها، دون التحاكم إلى الله والرسول ﷺ، فلا ريب أن ذلك مناف للإيمان مضاد له، كما قال تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾) ينظر: تيسير العزيز الحميد ص ٤٧٣.
وعلى كل حال؛ فإن الناس انقسمت مسالكهم في التفقُّه منذ زمنٍ إلى ثلاثة مسالك:
الأول: الاقتصار في التفقه على مختصرات المذهب، دون العناية بالاستدلال والدربة على الترجيح بين الأقوال.
1 / 13
الثاني: التفقُّه على النصوص مباشرة دون الاستفادة من الموروث الفقهي للمذاهب الأربعة إلا قليلًا.
الثالث: وهو التوسط بين المسلكين: بحيث ينتظم المتفقِّه في مذهب من المذاهب الفقهية، يتفقَّه على مختصراتها، وينتفع بما ورَّثه فقهاؤها، وفي الوقت ذاته يكون معظِّمًا للسنة والآثار، لا يقدِّم عليها شيئًا إذا ظهرت له، ويسعى في البحث عنها والتفقه فيها.
فيجمع في هذا المسلك بين الاستفادة من المذاهب الفقهية، والعناية بالنصوص الشرعية.
فأما استفادته من المدارس الفقهية الأربعة؛ فلكونها امتازت بعناية أصحابها بها العناية الفائقة، فالكتب فيها منتظمة مسطَّرة، والمسائل منضبطة محررة، والقواعد حاضرة مقرَّرة، فحُرِّرت الأقوال، وجُمعت الشروط، وذكرت القيود، وأُبعِد القول الشاذ، ونُبِّه على القول الغريب، فانتظم الفقه بمنظومة مترابطة، رُتِّب به ذهن المتفقِّه، وأُعِين على التعلم والتفقُّه.
وأما اشتغاله بالبحث عن دلائل الكتاب والسنة والآثار والنظر فيها وتفهمها؛ فلأنه الأصل الذي تنبغي العناية به، يقول ابن رجب في بيان طريق الرسوخ في العلم: (وأما فقهاء أهل الحديث العامِلُون به، فإنَّ معظمَ همِّهم البحثُ عن معاني كتاب الله ﷿، وما
1 / 14
يُفسِّرُهُ من السنن الصحيحة، وكلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وعن سنَّة رسول الله ﷺ، ومعرفة صحيحها وسقيمِها، ثم التفقُّه فيها وتفهمها، والوقوف على معانيها، ثم معرفة كلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان في أنواع العلوم من التفسير والحديث، ومسائل الحلال والحرام، وأصول السُّنة والزهد والرقائق وغير ذلك، وهذا هو طريقة الإمام أحمد ومَن وافقه من علماء الحديث الرَّبَّانيين، وفي معرفة هذا شغلٌ شاغلٌ عن التَّشاغُل بما أُحدثَ من الرأي ممَّا لا يُنتفع به ولا يقع)، ثم قال: (ومن سلك طريقة طلب العلم على ما ذكرناه، تمكَّن من فهم جواب الحوادث الواقعة غالبًا؛ لأنَّ أصولها تُوجد في تلك الأصول المشار إليها، ولابدَّ أنْ يكون سلوكُ هذا الطريق خلف أئمة أهل الدين المجمَع على هدايتهم ودرايتهم؛ كالشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عُبيد ومن سلك مسلكَهم، فإنَّ مَن ادعى سلوكَ هذا الطريق على غير طريقهم وقع في مفاوزَ ومهالك)، ثم قال: (وملاك الأمر كله: أن يُقصد بذلك وجه الله، والتقرب إليه
بمعرفة ما أنزل على رسوله، وسلوك طريقه، والعمل بذلك، ودعاء الخلق إليه، ومن كان كذلك وفَّقه الله وسدَّده، وألهمه رشده، وعلَّمه ما لم يكن يعلم، وكان من العلماء الممدوحين في الكتاب في قوله تعالى: ﴿إنما يخشى الله من عباده العلماء﴾ [فاطر: ٢٨]، ومن الراسخين في العلم) ينظر: جامع العلوم والحكم ١/ ٢٤٩.
1 / 15
تنبيه:
نعم؛ قد يحتاج المتعلِّم في أول الطلب إلى دراسة المختصرات دون النظر في الأدلة؛ ليتصور مسائل الفقه وتسلسلها ومعرفة مظانها في كتب الفقهاء، فيَمُرَّ على جملة الفقه مرورًا سريعًا ليحقِّق شيئًا من ذلك، وهذا لا إشكال فيه؛ مواكبة للسنة الكونية في عدم القدرة على أخذ العلم جملة.
وقد يحتاج المتفقِّه إلى حفظ المختصرات والمتون؛ ليتذكر المسائل والشروط والقيود، ويستحضر العلم في صدره، وهذا دأب كثير من العلماء، فقد حفظ الموفق ابن قدامة وأخيه أبي عمر وغيرهما مختصر الخرقي، وحفظ ابن أبي الفهم الحرَّاني وأبو طالب البصري وغيرهما متن الهداية لأبي الخطاب، وحفظ الدجيلي وابن قندس وغيرهما كتاب المقنع، وحفظ كثير من أئمة الدعوة النجدية متن زاد المستقنع، فلا غضاضة في ذلك أيضًا.
وقد يعتني المتفقِّه بعبارات المتون والمختصرات عناية فائقة، وهذا أمر لا يُعاب، وقد جرى عليه عمل المحققين؛ كما جاء في ترجمة العلامة عبد الله أبا بُطين ﵀، فقد قال ابن حميد عنه: (إذا قرر مسألة يقول: هذي عبارة المقنع، مثلًا، وزاد عليها المنقِّح كذا ونقص منها كذا، وأبدل لفظة كذا بهذه) ثم قال: (وبموته فُقِد
1 / 16
التحقيق في مذهب الإمام أحمد، فقد كان فيه آية، وإلى تحقيقه النهاية، فقد وصل فيه إلى الغاية) ينظر: السحب الوابلة ٢/ ٦٣١.
ومع ذلك كله؛ فإن العناية بمثل هذه الأمور لا ينبغي أن تتعدى العناية بعلوم الآلة، بحيث لا تصُدُّه عن المقصد الأسمى في العلم من العناية بكتاب الله وسنة رسوله وآثار الصحابة والنظر فيها والبحث عنها، ولا يصرف همَّته لدراسة مختصرات المذهب أزمنةً طويلة دون الالتفات إلى نصوص الوحيين والبحث عن مراد الله تعالى، مع مُكْنَته على الاستنباط والفهم والترجيح، وقدرته على البحث والاطلاع.
فهذا المسلك الموصوف لك في التفقُّه هو الذي سار عليه المحققون من العلماء في كل مذهب من المذاهب، فقلَّ أن تجد عالمًا بعد القرن الرابع إلا وهو منتسب إلى أحد المذاهب الأربعة، وهو المسلك الذي يريد المؤلف ﵀ أن يصف لك طرفًا منه في هذه الرسالة المباركة بإذن الله.
1 / 17
نسأل الله تعالى أن يبصرنا في دينه، ويرشدنا لما يحبه ويرضاه، هو ولي ذلك والقادر عليه.
والحمد لله رب العالمين
كتبه
عبد العزيز بن عدنان العيدان
١١ جمادى الأولى ١٤٣٩ هـ
جامع العويضة - الرياض
1 / 18
ترجمة المؤلف (^١)
- اسمه ونسبه:
الشيخ حمد بن ناصر ابن الأمير عثمان بن حمد من آل معمَّر، من العناقر من بني سعد إحدى قبائل بني تميم.
ووالد الشيخ يكون خال الأمير سعود بن عبد العزيز آل سعود.
- مولده ونشأته ومشايخه:
وُلد في مدينة العيينة سنة (١١٦٠ هـ)، ونشأ بها يأخذ مبادئ العلوم، إلى أن قُتل جدُّه سنة (١١٧٣ هـ)، فنزح منها مع والده إلى مدينة الدرعية واستوطنها، وكان عمره آنذاك أربعة عشر عامًا.
_________
(^١) مصادر الترجمة:
- … الأعلام، لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، ٢/ ٢٧٣.
- … مشاهير علماء نجد وغيرهم، عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ، دار اليمامة، الرياض، ص ١٥٧.
- … الدرر السنية في الأجوبة النجدية، عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، ١٦/ ٣٨٣.
- … علماء نجد خلال ثمانية قرون، للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام، دار العاصمة - الرياض، ٢/ ١٢١.
1 / 19
قرأ في الدرعية على كبار أهل العلم فيها آنذاك، منهم:
١ - شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب.
٢ - الشيخ حسين بن غنام نزيل الدرعية، صاحب التاريخ المشهور.
٣ - الشيخ سليمان بن عبد الوهاب أخو الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
٤ - الشيخ حمد بن مانع.
٥ - الشيخ محمد بن علي بن غريب.
وقرأ على غيرهم حتى أدرك ونبغ نبوغًا تامًّا، وصار من علماء الدعوة ورجالها، وجلس للتدريس بمدينة الدرعية، وعُيِّن على قضاء الدرعية.
وفي عام ١٢٢١ هـ عُيِّن رئيسًا لقضاة مكة المكرمة، وصار هو العالم المشرِف على قضاء مكة وتوابعها.
- حياته العلمية وتلاميذه:
جلس الشيخ للتدريس في الدرعية واحتفَّ به الطلاب وجلسوا بين يديه، وصارت مجالسه ودروسه حافلة، فنفع الله به خلقًا كثيرًا.
وقُصد الشيخ حمد بالأسئلة والفتاوى من أنحاء الجزيرة
1 / 20
العربية، فجاءت فتاويه ورسائله بفوائد كثيرة تُنبئ عن حسن فهمه ودقة تعليله.
وتتلمذ له جماعة من علماء الدعوة، منهم:
١ - ابنه الشيخ الأديب عبد العزيز بن حمد بن معمَّر.
٢ - الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب.
٣ - الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب.
٤ - الشيخ علي بن حسين بن محمد بن عبد الوهاب.
٥ - الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب.
٦ - الشيخ إبراهيم بن سيف الدوسري.
٧ - الشيخ عبد العزيز بن عثمان بن شبانة.
٨ - الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الحصين.
٩ - الجد الشيخ حسن بن عبد الله بن عيدان.
١٠ - الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين.
١١ - الشيخ سعيد بن حجي.
١٢ - الشيخ قرناس بن عبد الرحمن بن قرناس.
وآخرون من علماء الدعوة النجدية ﵏ وغفر لهم.
1 / 21
- وفاته:
توفي ﵀ في مكة المكرمة شهر ذي الحجة عام ١٢٢٥ هـ، وصلى عليه المسلمون تحت الكعبة، وقبروه في مقبرة البياضة، رحمه الله تعالى.
1 / 22