أما אל فمشتق من אילות، وعنه صدرت القوى فهو منزه من الاشتباه بها، وساج قول מי כמוך באלים جمع אל. وأما קדוש فكناية عن التنزيه والترفيع عن أن يليق به صفة من صفات المخلوقات وأن سمي بها على المجاز، ولذلك سمع ישעיהו קדוש קדוש קדוש. إلى ما لا نهاية، يعنع أنه منزه ومرفع ومقدس ومبرأ عن أن يلحقه شيء من نجاسات الأمة التي حل نوره فيما بينهم، ولذلك رآه על כסא רם ונשא. فيكنى بקדוש عن الروحاني الذي لا يتجسم ولا يتشبث بجانبه شيء مما يتعلق بالمجسمات فيقال קדוש ישראל كناية عن الأمر الإلهي المتصل به، ثم بجمهور ذريته اتصال تدبير وسياسة لا اتصال لصوق ومماسة. وليس بمباح لكل من شاء أن يقول אלהי وקדשי إلا على سبيل المجاز بطريق التقلبد. وأما على حقيقة فإنما يقوله نبي أو ولي ممن يتصل به أمر إلهي، ولذلك يقال للنبي חל נא את פני יהוה אלהיך، وقد كان المقصود بهذه الأمة أن تكون نسبتها من الأمم كنسبة الملك من الناس كقوله קדושים תהיו כי קדוש אני ה' אלהיכם.
وأما אדני المكتوب אלף דלת נון יוד فهو كالإشارة إلى شيء وإن كان في حقه منزها عن الإشارة، لأن الإشارة إنما هي لجهة دون جهة. فقد يشار إلى الأشياء المنفعلة عنه المتصرفة له تصريفا أوليا كما يشار إلى العقل فيقال أنه في القلب أو في الدماغ فيقال هذا العقل وذاك العقل، ولا إشارة بالحقيقة إلا إلى ما يتحيز بمكان، وعلى أن الأعضاء كلها تتصرف للعقل فإن كان ذلك بواسطة القلب أو الدماغ، فآلته الأولى يشار إليها أن العقل هناك، كذلك يشار إلى السماء، لأنها آلة تتصرف بمجرد إرادته تعالى دون أسباب آخر متوسطة بينهما، ولا يشار إلى شيء من المركبات لأنها آلات متصرفة بتوسط أسباب آخر تتسلسل إليه تعالى فإنه سبب الأسباب، فيقال היושבי בשמים. כי האלהים בשמים. وربما قيل على المجاز יראת שמים. וירא שמים בסתר. ומן השמים ירוחמו. وكذلك يشار إلى עמוד האש وעמוד הענן ويسجد نحوه ويقال أن الرب هناك لأن ذاك العامود تصرفه بمجرد إرادته، وليس كسائر الغمام والنيران المتفقة في الجو من أسباب آخر, وكذلك يشار إلى אש אוכלת בראש ההר التي رأتها العامة، وإلى الصورة الروحانية التي رأتها الخاصة ותחת רגליו כמעשה לבנת הספיר. وسميت אלהי ישראל. وكذلك يشار إلى ארון הברית فيقال عنه אדון כל הארץ، لظهور العجائب معه وعدمها دونه، كما سميت العين مبصرة، والمبصر به غيرها، أعني النفس. وقد يشار إلى الأنبياء والعلماء الفضلاء لأنهم كالآلات الأولى لإرادة الله يتصرفون بمشيئة ولا يخالفون شيئا من أمره. وتظهر العجائب بهم. وبمثل هذه الإشارة قالت الأحبار את ה' אלהיך תירא לרבות תלמידי חכמים. وحقيق من هو في مثل هذه الدرجة أن يتسمى איש אלהים. صفة مركبة من الناسوت واللاهوت كأنك قلت الإنسان الإلهي. فعند المخاطبة لشيء إلهي مشار إليه يقال אדני بאלף דלת נון יוד، كأنه يقول يا مولاي. ويشير إلى ما يحيز مكان مجازا كقول יושב הכרובים، وיושב ציון، وשוכן ירושלם، فتكثرت الصفات، والذات واحدة، لاختلاف محل القابل، كاختلاف الشعاعات والشمس واحدة. وهذه المثال ليس بمطابق بالكلية إلا لو كانت الشمس غير مدركة فتوجد الشعاعات ولا يدرك سببها إلا بطريق الاستدلال.
ولا بد من التوسع قليلا في الكلام ههنا لأنه موضع اعتراض كيف يشار إلى مكان من لا مكان له ثم يعتقد في المشار إليه أنه السبب الأول، فنوطئ في جواب ذلك توطئة، فنقول إن الحواس تدرك من المحسوسات أعراضها لا جواهرها. فما تدرك من الرئيس الذي تعتقد تعظيمه، بل قد تراه في الحرب في زي ما، ثم تراه في المدينة في زي آخر، وتراه في منزله في زي ثالث، وتقول إن هو السلطان بقضاء العقل لا بقضاء الحس. وربما رأيته صبيا ثم شابا ثم كهلا ثم شيخا ورأيته صحيحا ثم مريضا. وقد تبدلت مرائاته وملموساته وأخلاطه وأخلاقه. وأنت تقضي أنه هو هو. وإنما قضيت على أنه خاطبك وأمرك نهاك وذلك منه إنما هو العقل أو النفس الناطقة. وقد ثبت أن ذلك الجزء منه جوهر غير متحيز فلا إشارة إليه وأنت قد أشرت إليه وقضيت بأنه السلطان. بل جسم يحركه من شاء وينفعل من انفعالات من الاتفاق والإرادة كالسحاب الذي اتفق في الجو تحمله ريح وتسوقه أخرى وتجمعه ريح وتفرقه ريح أخرى. وكان قبل ذلك جسما لا ينفعل إلا بإردة نفس ذلك السلطان. فكان كعمود الغمام الإلهي الذي لا تبدره الأرياح. مثال آخر: الشمس نراها دائرة بسيطة بقدر الترس وفي شكلة مضية حارة ساكنة. والعقل يقضي بأنها كرة بقدر كرة الأرض نحو קס"ו مرة وأنها ليست حارة ولا ساكنة لكن متحركة حركتين متضادتين مشرقية ومغربية بشرائط يطول شرحها. فلم توضع للحواس قوة لإدراك جوهر الأشياء بل قوة خاصية لإدراك أعراض تابعة يستدل منها العقل على جوهرها وسببها فلا يقف على الماهية والمعنى إلا العقل الصحيح. فكل ما هو عقل بالفعل كالملائكة يدرك المعاني والماهيات إلا بلطائف صنع الله تعالى بخصوصيات وقوى وضعها في الحواس مشاكلة لأعراض المحسوسات ملازمة أبدا في جميع النوع فلا يختلف بصري مع بصرك أن تلك الصفيحة المدورة المنيرة المسخنة هي الشمس، وإن كانت هذه الصفات منفية عند العقل لا يضر ذلك بالنظر من حيث استدللنا بها على مرادنا كما ينتفع البصير العاقل يطلب ناقته بقول الأعمش الأحول أرى في موضع كذا غرنوقتين فيعلم البصير أنه إنما رأى الناقة وأن عمشه خيل له أنه غرنوق وحوله خيل له أنه اثنان فانتفع البصير بشهادة الأعمش وعذره في سوء عبارته لسوء نظره. فهكذا الحواس والقوة الخيالية عند العقل وكما تلطف الخالق تعالى في وضع هذه النسبة بين الحس الظاهر والمحسوس الجسماني كذلك تلطف وفي وضع نسبه بين الحس الباطن والمعنى غير المجتسم، فجعل لمن شرف من خلقه عينا باطنة ترى أشياء بأعيانها لا اختلاف فيستدل منها العقل على معنى تلك الأشياء ولبابها. ومن خلقت له تلك العين هو البصير بالحقيقة ويرى جميع الناس كالعمي فيهديهم ويرشدهم، ويوشك أن تكون تلك العين هي القوة المتخيلة مهما خدمت القوة العقلية فترى صورا عظيمة هائلة تدل على حقائق لا ريب فيها. وأعظم الدليل على حقيقتها اتفاق جميع ذلك الصنف على تلك الصور أعني جميع الأنبياء فأنهم يشاهدون أشياء يشهد فيها بعضهم لبعض كما نفعل نحن في محسوساتنا فنشهد بحلاوة العسل ومرارة الحنظل. وإن رأينا من خالفنا قلنا إنه خارج عن الأمر الطبيعي، فهؤلاء لا محالة يشاهدون ذلك العالم الإلهي بالعين الباطنة فيرون صورا مشاكلة لطبائعهم وما ألفوا فيصفونها بالصفات التي شاهدوها مجسمة وتلك الصفات حقيقة بالإضافة إلى ما يطلبه الوهم والخيال والحس وليست بحقيقة بالإضافة إلى الذات التي يطلبها العقل كما مثلنا في الرئيس. فإن من قال هو الطويل الأبيض لابس الديباج الذي على رأسه العلم وما أشبه ذلك لم يكذب. ومن قال ليس هو ذلك لكن العاقل المميز الأمر الناهي في بلد كذا في عصر كذا على أمة كذا لم يكذب أيضا، فيشاهد النبي بالعين الباطنة أكمل الصور التي شاهدها كصورة رئيس أو قاض متقعد على كرسي في حال أمر ونهي وتوليه وعزل فيعلم أنها صورة تشاكل رئيسا مطاعا. وإذا رأى صورة حامل سلاح أو حامل آلات كتابة أو مشمر لعمل أمر ما علم أنها صورة تشاكل الخادم المطيع، فلا يشق عليه تشبيه آدمي بالخالق. وأما باعتبار العقل فيشبهه أولا بالنور لأنه أشرف المحسوسات وألطفها وأشدها أحاطه واشتمالا بأجزاء العالم. فإذا تفكر في الصفات التي لا بد منها مجازا أو حقيقة مثل حي وعالم وقادر ومريد ومدبر وناظم ومعطي كل شيء حقه وحاكم عادل لم يجد في مشاهدتنا أشبه به من النفس الناطقة وهي الإنسان الكامل وهي هو من حيث هو إنسان لا من حيث هو جسم، فإنه يشترك في ذلك مع النبات، ولا من حيث هو حيوان، فإنه يشترك أيضا في ذلك مع البهائم، وقد شبه المتفلسفون العالم بإنسان كبير، والإنسان بعالم صغير. فإن كان هذا وكان الله روح العالم ونفسه وعقله وحياته كما تسمى بחי העולם، فقد صح التشبيه بطريق العقل، فكيف وللنبوة بصر أجلى من القياس، فذلك البصر أدرك الملأ الأعلى عيانا ورأى عمار السماء من الروحانيين المقربين وغيرهم في صورة آدم، وإليهم الإشارة في قوله تعالى נעשה אדם בצלמנו כדמותנו، يعني إني قد درجت الخلقة وسقتها على ترتيب الحكمة من العناصر إلى المعادن إلى النبات إلى حيوان الماء والهواء، ثم إلى حيوان الأرض ذوات الحواس الذكية والإلهامات العجيبة. وليس بعد تلك الرتبة إلا رتبة تقارب الجنس الإلهي الملائكي، فخلق آدم في صورة ملائكته وخدمة المقربين إليه بالرتبة لا بالمكان، إذ تعالى عن المكان، فعلى كلا التشبيهين لا يمكن أن يكون مثاله عند الخيال إلا صورة أجل الناس يصدر عنه النظام والرتبة لسائر الناس على درجات كما عنه تعالى ترتيب العالم ونظامه، فيرى في حين العزل والتولية والحكم على ممالك עד די כרסון רמיו ועתיק יומין יתב. وفي حين الغضب والأهمام بالإقلاع יושב על כסא רם ונשא، وשרפים עומדים ממעל לו. وفي حين الإقلاع المركبة التي رآها יחזקאל، وحصل جميع هذا في الخيال خارج موضع النبوة وهو كما حددخ מים סוף עד ים פלשתים، وينتظم فيه مثل מדבר סיני وפארן وשעיר وמצרים أيضا، فإن لذلك المكان خصوصية إذا اتفق لها قابل مع الشرائط الشرعية المأمور بها، ترات تلك الصور عيانا بالبصر במראה ולא בחידות، משה الמשכן وסדר עבודה وארץ כנען بأجزائها، ومشهد ויעבר ה' על פניו، ومشهد אליהו في ذلك الموضع بعينه فهذه الأشياء التي لا تدرك قياسا أبطلتها فلاسفة يونان لإبعاد القياس ما لم ير مثله، وأثبتها الأنبياء لما لم يمكنهم إنكار ما شاهدوا بالعين الروحانية التي فضلوا بها، وكانوا جماعات وفي أعصار مختلفة لا يجوز عليهم الإصطلاح، وأقر لهم العلماء الذين أدركوهم وشاهدوهم في حال نبوتهم. ولو شاهد فلاسفة يونان الأنبياء في حال نبوتهم ومعجزاتهم لأقروا لهم ولطلبوا وجوها قياسية في كيفية حصول هذه الرتبة للإنسان. وقد فعل ذلك بعضهم لا سيما المتفلسفون من أهل الأديان, فإلى مثل هذا تقع الإشارة بאדני بאלף דלת נון יוד لأمر إلهي حاضر كأنه يقول له يا مولاي. وמלאכות ה' كناية عن الرسالة. والملاك قد يكون مخلوقا لوقته من الأجسام العنصرية اللطيفة، وقد يكون من الملائكة السرمديين، ولعلهم الروحانيون الذين يزعمهم الفلاسفة ولا لنا دفعهم ولا علينا قبولهم. والشك فيما رأى ישעיהו وיחזקאל وדניאל هل هو من المخلوقين أو من الصور الروحانية الثابتة. وכבוד ה' هو الجسم اللطيف التابع لإرادة الله المتشكل بحسب ما يريد عرضه للنبي هذا بحسب الرأي الأول. وأما بحسب الرأي الثاني فيكون כבוד ה' جملة الملائكة والآلات الروحانية כסא وמרכבה وרקיע وאופנים وגלגלים وغير ذلك مما هو ثابت باق. فهو يتسمى כבוד كما تسمى ثقلة الرئيس כבודה. ولعل هذا كان مطلوب משה ע"ה بقول הראני נא את כבודך. أنعم له بذلك بشرط أن يتحفظ من رؤية المقدمة التي لا يحتملها بشري وكما قال וראית את אחורי. وفي ذلك الכבוד ما يحتمل البصر النبوي نعم وفي توابعه ما يحتمله أبصارنا مثل الענן وאש אוכלת مما هو مألوف عندنا وفيه ألطف فألطف إلى أن يبلغ إلى درجة لا يدركها النبي وأن تقحمها أنحل تركيبه، كما عندنا في قوة الأبصار فمن بصره ضعيف لا يرى إلا في الضوء اليسير الذي يبقى بعد عشاء كالخفاش والعمش وضعفاء البصر لا يرون إلا في الظل ومن هو أقوى بصرا يرى في الشمس. لكن نفس الشمس حين صفائها لا يقدر البصر على النظر إليها. وأن تكلف ذلك عمي. فهذا هو כבוד ה' وמלאכות ה' وשכינת ה' في الأسماء الشرعية لكن ربما استعيرت للأحكام الطبيعية فقيل מלא כל הארץ כבודו، ומלכותו בכל משלה. وأما على الحقيقة فلا ظهور للכבוד وللמלכות إلا على أوليائه وأصفيائه وأنبيائه الذين بهم يتحقق الزنديق أن لله حكما وملكا في الأرض وعلما بجزئيات أعمال العباد فحينئذ يقال حقيقة מלך ה'، وנראה כבוד ה'، وימלוך ה' לעולם אלהיך ציון، وאמרו לציון מלך אלהיך، وכבוד ה' עליך זרח.
فلا يستبعد كل ما قيل ותמונת ה' יביט، ויראו את אלהי ישראל، وמעשה מרכבה، نعم ولا שיעור קומה لما في ذلك من تحصيل هيبته في الأنفس، وكما قال ובעבור תהיה יראתו על פניכם וגו'.
<4> قال الخزري: أوليس إذا حصل في العقل ربوبيته ووحدانيته وقدرته وعلمه وصدور الكل عنه وحاجة الكل إليه واستغناءه عن الكل، يحصل الهيبة منه والحب له ويغنى عن هذا التجسيم؟
<5> قال الحبر: هذا دعوى المتفلسفين، والذي نرى من النفس الآدمية أنها ترهب عند حضور المفزعات محسوسة ما لا تهرب إذا حدثنا عنها، كما ترغب في الصورة الجميلة الحاضرة المرئية ما لا ترغب إذا حدثنا عنها. ولا تصدق المتعقل إذا زعم أنه يتصل له الفكر على ولا وعلى نظام حتى يحصل جميع المعاني المحتاجة في الإلهية بمجرد عقله دون إسناد إلى محسوس ولا ضباط بمشاهدة مثل، إما من لفظ، وإما من خط، وإما من صورة مرئية أو خيالية، ألا ترى أنك لا تقدر على تحصيل معاني صلاتك بالفكر وحدة دون قراءة، ولا تقدر أن تعد إلى مائة مثلا بمجرد الفكر دون النطق، لا سيما إن أردت أن تؤلف المائة من أعداد مختلفة، فلالا الحس الذي يضبط ذلك النظام العقلي المثالات وحكايات لم ينضبط، فهكذا تنتظم للنبي عظمة الله وقدرته ورحمته وعلمه وحياته ودوامه وسلطانه وغناه عن الكل، وحاجة الكل إليه، وانفراده وتقدسه بما يراه دفعة في آن واحد من عظم تلك الصورة المخلوقة له وبهاها والحيات والآلات الدالة على القدرة كاليد المرفوعة، والسيف المصلت، والنيران والرياح والبروق والرعود المتصرفة بأمره، والكلام الصادر عن ذلك الأنذارات والأعلام بما كان ويكون، ووقوف الناس والملائكة بين يديه خاضعين، وصدور حاجتهم كلهم من عنده، يغنيهم ولا ينقصهم. ويعز الذليل ويذل العزيز. ويبسط يده للتائبين، ويدعوهم מי יודע ישוב، ويحتمي، ويتعصب على الأشرار، ويعزل ويولي، وبين يديه אלף אלפין ישמשונה וגו'. هذا كله وأمثاله يراه النبي في لحظة وتحصل الهيبة، والمحبة مغروزة في نفسه طول عمره، ويمشي عاشقا هيمانا طول دهره رغبة في أن يترأى له مرة ثانية أو ثالثة. وقد استعظمت لשלמה المرتان كقوله האל הנראה אליו פעמים. أيحصل مثل هذا لفيلسوف بفكره؟
<6> قال الخزري: لا يمكن ذلك، لأن الفكر إنما هو كالحديث ولا يمكن وصف شيئين معا، وإن أمكن ليس يمكن السامع تحصيلها معا، فإن الجزئيات التي أراها من المدينة وأهلها في ساعة واحدة ليس يحملها ديوان كبير، وقد حصل لي في حين واحد حب في المدينة أو بغض، ولو تلي علي ذلك في ديوان لم يحصل في نفسي، والفكر يتشوش بما يطرأ عليه من الوهم والخيال وأشياء تقدمت فلا يصفو له شيء تام.
<7> قال الحبر: لكنا كالعمش الذين لا يحتملون أبصار ذلك النور، فنقتدي بالبصراء الذي تقدمونا القادرين على رؤيته، فكما أن البصير لا يمكنه أن يرى الشمس ويدل غيره عليها ويدركه في النظر إليها إلا في أوقات غوبة النهار وفي مواضع مشرفة تشرق عليها الشمس، كذلك البصير بالنور الإلهي له أوقات ومواضع فيها يرى ذلك النور. فالأوقات هي أوقات الصلوات لا سيما في أيام الתשובה. والمواضع هي مواضع النبوة.
<8> قال الخزري: فأراك مقرا بأرباب الساعات والأيام والمواضع كالمنجمين؟
<9> قال الحبر: وكأنا ندافع في آن للعلويات تأثيرا في الأرضيات بل نقر أن مواد الكون والفساد من قبل الفلك لكن الصور من قبل مدبرها ومصرفها وجاعلها آلات لإقامة كل ما شاء من المتكونات من غير أن ندري تفصيلها. والمنجم يدعي التفصيل والتحصيل، ونحن ننكر عليه ذلك ونقطع أنه لا يدرك ذلك بشري فإن وجدنا من ذلك العلم شيئا مسندا إلى علم إلهي شريعي قبلناه، وبذلك تطيب الأنفس على ما ذكر من العلم النجومي الחכמים ז"ל طمعا أنه محمول عن قوة إلهية فهو حق، وإلا فكله تخرص وقرعة في السماء أصدق منها قرعة التراب، فإذن من يرى تلك الأنوار هو النبي الحق، والموضع الذي ترى فيه القبلة حقا، لأنه موضع إلهي، والشريعة التي تأتي من قبلة هي شريعة حق.
Halaman tidak diketahui