<1> ثم إن الخزري كان من أمره ما هو مذكور في تأريخ الخزر من كشفه سر منامه لوزيره، والمنام المتكرر عليه بأن يطلب العمل المرضي عند الله تعالى في جبال ورسان، ومشيهما جميعا الملك ووزيره إلى الجبال القفرة على البحر، وكيف صادفا في الليل تلك المغارة التي كان يسبت فيها القوم من اليهود في كل سبت، وكيف تظاهرا إليهم ودخلا في دينهم واختتنا في تلك المغارة، ورجعا إلى بلدهما مصرين بدين اليهود مسترين في السر لاعتقادهما، حتى تلطفا في كشف السر قليلا قليلا لأقوام من خواصهم، حتى كثروا وأشهروا ضميرهم، وتقوى على بقية الخزر وأدخلوهم في دين اليهود، واستعدوا العلماء والكتب من البلاد، وتعلموا التوراة، وما كان من نجابتهم وظهورهم على أعاديهم، واستفتاحهم البلاد، وما انكشف لهم من الكنوز وما انتهى إليه عسكرهم من الكثرة إلى مئين آلاف مع حبهم في الدين، وتشوقهم إلى بيت المقدس، حتى أقاموا هية القبة التي أقامها موسى ע"ה وتشريفهم لصرحا بني إسرائيل وتبركهم بهم على ما جاء في تأريخهم.
فلما درس الملك التوراة وكتب الأنبياء، اتخذ ذلك الحبر أستاذا وجعل يسأله سؤالات عبرانية، فأول ما سأله عن الأسماء والصفات المنسوبة إلى الله، وما يظهر في بعضها من التجسيم على بعد ذلك عند العقل، وكذلك تبعده الشريعة أيضا بفصيح من القول.
<2> قال الحبر، أسماء الله تعالى جميعا، حاشا الמפורש، هي نعوت وصفات إضافية مأخوذة من انفعالات المخلوقات له بأسباب قضاياه وأقداره، فيسمى רחום عند صلاح حال من كان يشفق الناس من سو حاله فينسبون إلى الله الرحمة والشفقة، وحقها عندنا ضعف نفس وخور طبيعة وليس ذلك في حقه تعالى. بل أنه حاكم عدل، يقضي بفقر إنسان وغنى آخر من غير أن يتغير هو ذاته، فلا يشفق للواحد ولا يغضب على الآخر، وقد نرى مثل هذا في حكام الناس، ترد عليهم المسائل فيقضون بما تقضيه الشريعة، فيسعد قوم وينحس قوم آخرون. فيصير عندنا باعتبار آثاره مرة אל רחום וחנון ومرة אל קנא ונוקם، وهو تعالى لا يتغير من صفة إلى صفة، وبالجملة، فنتقسم الصفات حاشا השם המפורש ית' إلى ثلثة أقسام، إما تأثيرية، إما إضافية، وإما سلبية، فالتأثيرية مأخوذة من الآثار الصادرة عنه بوسائط طبيعية مثل מוריש ומעשיר משפיל אף מרומם وחנון ורחום وקנא ונוקם וגבור ושדי وأشباهها. وإما الضافية فمثل ברוך ומבורך ומהולל וקדוש ורם ונשא تؤخذ من تعظيم الناطقين له، وهذه وإن كثرت لا توجب له كثرة ولا تخرجه عن الوحدانية. وإما السلبية فمثل חי ואחד וראשון ואחרון. وصف بهذه ليسلب عنه أضدادها لا لتثبت له هذه على ما نفهم نحن منها، فإنا لا نفهم نحن حياة إلا بحس وحركة. وقد تعالى عنهما، نصفه بחי لنسلب صفة الجماد والموات من اجل الوهم الذي يسبق إليه أن ما ليس بحي فهو ميت. وليس يلزم هذا عند العقل. بل قد تسلب الزمان مثلا الحياة. وليس يلزم أن يكون ميتا إذ ليس من شأنه قبول الحياة والموت، كما لا يلزم من قولك ال الحجر ليس هو عالم أن تصفه بأنه جاهل. وكما أن الحجر أقل من أن يقبل العلم والجهل كذلك الذات الإلهية أجل من أن يقبل الحياة والموت، وكما لا يقبل النور والظلمة، وكان لو سئلنا هل تلك الذات نيرة أو ظلمة لقلنا على مجاز نيرة، مخافة الوهم أن يقول أن ما ليس بنير فهو ظلم. وأما على الحقيقة فلنا أن نقول لا يقبل النور والظلمة إلا الأجسام، والذات الإلهية فليست بجسم، فلا توصف بنور ولا بظلمة إلا بطريق التشبيه أو لسلب الصفة الناقصة، وكذلك لا يقبل الحياة والموت إلا الأجسام الطبيعية، والذات الإلهية منزهة مرفعة عنهما، فإن قيل حياة ليس كحياتنا فهو غرضنا، إذ لم نفهم نحن قط حياة إلا حياتنا، فكأنه قال لا ندري ما هو، فقولنا אל חי، وאלהים חיים، إنما هي إضافة مقابلة لصفة معبودات الأمم التي هي אלהים מתים لا يصدر عنها فعل. وعلى هذا السبيل أوله أحد لنسلب عنه الكثرة، لا لنثبت له الوحدة المفهومة عندنا. لأن الواحد عندنا ما اتصلت أجزاؤه وتشابهت، كما تقول عظم واحد وعصبة واحدة وما واحد وهو واحد، وتقول في الزمان على طريق التشبيه بالجسم المتصل، يوم واحد، وسنة واحدة. والذات الإلهية منزهة عن الإتصال والانفصال، فنقول واحد لنسلب الكثرة. وكذلك ראשון لنسلب عنه التأخر، لا لنثبت له الإبتداء. وكذلك אחרון لنسلب عنه الفناء لا لنثبت لا إلانتها. وجميع هذه الصفات ليست لازمة للذات ولا تتكثر بها. وأما الصفات المتعلقة بשם המפורש ית'، فهي الإختراعية دون وسائط طبيعية، مثل יוצר ובורא ועושה נפלאות גדולות לבדו، يعني بمجرد قضائه إرادته دون واسطة سبب آخر. ولعل هذا أراد بقوله וארא אל אברהם וגו' באל שדי، يعني بطريق القوة والغلبة كما قال לא הניח איש לעשקם ויוכח עליהם מלכים. ولم يخترع لهم معجزة كما اخترع لמשה. فقال ושמי ה' לא נודעתי להם. أراد ובשמי ה'. لأن الباء في באל שדי تنوب عنها. ففعل مع משה וישראל ما لم يبق شكا في النفوس أن خالق الدنيا هو خالق تلك الأشياء إختراعا مقصودا أولياء مثل מכות מצרים וקריעת ים סוף ואלמן ואלעמוד ענן وغير ذلك ليس لجلالتهم على אברהם יצחק ויעקב بل لأنهم جماعة والشك في نفوسهم. والאבות في غاية من الإيمان ونقا أصدور حتى لو لم يلقوا أبدا إلا الشر لما اختل إيمانهم بالله. فلم يحتج معهم إلى هذا. ونسميه تعالى חכם לבב لأنه ذات عقل. وهو العقل وليس العقل صفة له. وأما אמיץ כח فمن الصفات التأثرية.
<3> قتل الخزري، كيف تفعل في الصفات التي هي أجسم من هذه مثل רואה ושומע ומדבר וכותב את הלוחות ויורד על הר סיני ושמח במעשיו ומתעצב אל לבו.
<4> قال الحبر، ألم أشبهه لك بقاض عدل لا انحراف في أخلاقه فيصدر عن قضاياه إظهار قوم وإسعادهم فيسمى محبا فيهم فارحا بهم. ويقضي على آخرين بهدم ديارهم وتعفيه آثارهم فيوصف بضد هذا أنه مبغض فيهم غاضب عليهم. وأنه لا يخفي عليه شيء مما يفعل ولا مما يقال فهو רואה ושומע. وأنه تنفعل لإرادته الهواء وسائر الأجسام فتتشكل بأمره كما تشكلت السماوات والأرض. فيسمى מדבר וכותב. وكذلك يتشكل من الجسم اللطيف الروحاني الذي يسمى רוח הקודש الصور الروحانية المسماة כבוד ה'. ويتسمى مجازا بה'، وينزل إلى הר סיני. وسنوسعه بيانا إذا تكلمنا في العلوم.
<5> قال الخزري، هب أنك تتخلص في جميع الصفات حتى لا توجب كثرة فما الذي يخلصك من صفة الإرادة تنسبها إليه تعالى، والفيلسوف ينفيها عنه.
<6> قال الحبر، قد قاربنا التخلص أن لم يعارضنا بأكثر من الإرادة، نقول له يا أيها الفيلسوف ما الأمر الذي صير عندك السماوات أبدا دائرة والفلك الأعلى حامل الجميع ولا مكان له ولا ميل في حركاته، وكرة الأرض مركوزة واقفة في وسطه دون ميل ولا سند. وصير نظام الكل على ما هو عليه من الكمية والكيفية والأشكال، ولا بد لك من الإقرار بذلك الأمر إذ لا تخلق الأشياء أنفسها ولا بعضها بعضا، ذلك الأمر صير الهواء متشكلا في الإسماع بالعشر كلمات، وصير الخط منقوشا في الألواح فسمه إرادة أو أمرا أو كيف شئت.
<7> قال الخزري، قد تبين سر الصفات واندرج لي فهم معنى כבוד ה' ומלאכות ה' ושכינה.
<8> قال الحبر، إنها أسماء واقعة على أشياء مرئية عند الأنبياء كما يقال עמוד ענן ואש אוכלת ועב וערפל ואש ונוגה، كما يقول عن الضوء في الجدوات والعشوات وفي يوم جيم إن الضوء شعاع من قبل الشمس، وعلى أنها محجوبة، ويقال إن النور والشعاع من ذات الشمس، وليس كذلك، لكن الأجسام هو المنفعلة بمقابلتها فتستنير بها. كذلك الכבוד شعاع نور إلهي ينفع عند قومه في أرضه.
<9> قال الخزري، قولك ((عند قومه)) قد تبين لي، وأما قولك ((في أرضه)) فيشق علي قبوله.
Halaman tidak diketahui