مبيت وطعام للكلاب.
بالطبع لم يكن ذلك موجودا في الماضي، أليس كذلك؟
فكرت لوهلة. أجل، تذكرت! في مكان تلك المنازل كانت أشجار البلوط الصغيرة، التي نمت شديدة القرب من بعضها بعضا، فأصبحت شاهقة الطول ورفيعة السمك، وكانت الأرض أسفلها تغطيها بكثافة شقائق النعمان في فصل الربيع. بالطبع لم تكن ثمة منازل قط بهذا البعد عن البلدة.
وصلت أعلى التل، دقيقة واحدة وتصبح لوير بينفيلد على مرمى البصر. لوير بينفيلد! لماذا يجب أن أتظاهر بعدم الحماس؟ فعند مجرد التفكير في رؤيتها مرة أخرى أشعر بإحساس استثنائي يزحف داخلي محدثا أثره على قلبي. خمس دقائق وسأراها. أجل، ها قد وصلت! حررت القابض ثم ضغطت على المكابح، ثم يا إلهي!
أوه، أجل، أعلم أنك تعلم ما كان بانتظاري، ولكني لم أكن أعلم. يمكنك القول إنني كنت في غاية الحماقة ألا أتوقع الأمر، فكذلك كنت بالفعل. ولكنه لم يخطر ببالي قط.
السؤال الأول كان: أين هي لوير بينفيلد؟
لا أعني أنها هدمت، بل فقط ابتلعت؛ فما كنت أنظر إليه بالأسفل كان بلدة صناعية كبيرة بعض الشيء. أتذكر - يا إلهي، وكيف لا أتذكر؟! ولا أعتقد في هذه الحالة أن ذاكرتي تخونني - ما كانت تبدو عليه لوير بينفيلد عند النظر إليها من أعلى تل تشامفورد. أعتقد أن هاي إستريت كان طوله نحو ربع ميل، وباستثناء بعض المنازل النائية، كان شكل البلدة يقترب من شكل الصليب. وكان المعلمان الرئيسان هما برج الكنيسة ومدخنة مصنع الجعة. في هذه اللحظة، لم أتمكن من رؤية أي منهما، وكل ما تمكنت من رؤيته كان نهرا ضخما من المنازل الجديدة تماما، كان يتدفق عبر الوادي في كلا الاتجاهين وإلى منتصف الطريق إلى أعلى التلال على كلا الجانبين. إلى اليمين، كان ما بدا أنه عدة فدادين من الأسقف الحمراء الساطعة، التي كانت كلها متشابهة تماما. بالنظر إليها، عرفت أنها مساكن البلدية.
ولكن أين كانت لوير بينفيلد؟ أين كانت البلدة التي كنت أعرفها؟ لا بد أنها كانت في مكان ما. كل ما أعرفه أنها كانت مخفية في مكان ما وسط ذلك البحر من الطوب. من المداخن الخمس أو الست التي يمكنني رؤيتها، لم أتمكن من أن أخمن حتى أيهما كانت مدخنة مصنع الجعة. ناحية الطرف الشرقي للبلدة، كان ثمة مصنعان ضخمان للزجاج والإسمنت. هذا هو السبب وراء نمو البلدة، على ما أعتقد، عندما بدأت في إدراك الأمر. وخطر ببالي أن سكان هذا المكان (الذين كانوا نحو ألفين في الماضي) لا بد أنهم قد أصبحوا خمسة وعشرين ألفا على الأقل. الشيء الوحيد الذي لم يتغير، على ما يبدو، كان منزل بينفيلد. لم يكن سوى كالنقطة من تلك المسافة، ولكنك يمكنك أن تراه على الجانب المقابل للتل، وأشجار الزان حوله؛ فلم تكن البلدة قد ارتفعت مبانيها لتصل لذلك العلو. وأنا أنظر على البلدة، طار سرب من الطائرات القاذفة للقنابل السوداء أعلى التل، ومر بسرعة فوق البلدة فسمعت الأزيز الذي أحدثته.
دفعت القابض وبدأت أتحرك بالسيارة ببطء نزولا من التل. كانت المنازل قد زحفت صعودا إلى منتصف التل. تعرف تلك المنازل شديدة الصغر والرخص التي تمتد على جوانب التلال في صف واحد لا ينقطع، ولها أسقف تراها مرتفعة الواحد أعلى الآخر؛ كسرب من الخطوات وكلها متشابهة تماما. ولكن قبل أن أصل إلى المنازل بقليل توقفت مرة أخرى. على يسار الطريق، كان ثمة شيء آخر جديد تماما. المقبرة. توقفت أمام المدخل للنظر إليها.
كانت ضخمة، وعلى مساحة عشرين فدانا، على ما أعتقد. تتسم المقابر الجديدة دائما بمظهر محدث جذاب، بمساراتها من الحصى الخشن ومروجها الخضراء الوعرة، وتماثيل الملائكة الرخامية المصنوعة آليا، التي تبدو كما لو كانت منتزعة من كعكات الزفاف. ولكن أكثر ما هالني في تلك اللحظة هو أن هذا المكان لم يكن موجودا في الماضي، ولم يكن ثمة مقابر منفصلة في ذلك الحين، فقط كان لدينا مدفن الكنيسة. تمكنت بشكل غامض من تذكر المزارع الذي كان يمتلك تلك الحقول، بلاكيت، هكذا كان اسمه، وكان مزارعا ومنتجا لمنتجات الألبان. كما ذكرني المظهر البارد للمكان بطريقة ما بمدى تغير الأمور؛ فلم تتسع البلدة كثيرا فحسب، حتى إنهم احتاجوا إلى عشرين فدانا لدفن موتاهم، بل إنهم قد وضعوا المقبرة هنا على أطراف البلدة. هل لاحظت أنهم دائما ما يفعلون ذلك في تلك الأيام؟ كل بلدة جديدة تضع مقبرتها على أطرافها. يدفعونها بعيدا، يبقونها بعيدا عن أنظارهم! إنهم لا يتحملون تذكر الموت. حتى شواهد القبور تخبرك بالقصة نفسها. إنهم لا يقولون أبدا إن الرجل المدفون تحتها قد «مات»، بل «رحل» أو «رقد». لم يكن الأمر كذلك في الماضي؛ حيث كان مدفن كنيستنا قابعا في وسط البلدة، وكنت تمر عليه كل يوم وترى البقعة التي يرقد فيها جدك، وأين سترقد أنت الآخر في يوم من الأيام. لم يكن يزعجنا النظر للأموات. أعترف أننا في الأيام الحارة كنا نشم رائحتهم أيضا؛ لأن قبور بعض العائلات لم تكن مغلقة جيدا.
Halaman tidak diketahui