بالطبع لم تكن تفهم ما يقول. حاول نوبي بعد ذلك الحديث بلغة مبسطة، توقع أن تفهمها كما يفهمها الأجانب، وقال: «نريد إبرة! لخياطة الملابس! كهذه!»
أشار بيديه على نحو من المفترض أنه يمثل به عملية الخياطة، ولكن العاهرة لم تفهمه وفتحت الباب أكثر قليلا لندخل. وفي النهاية تمكنا من إفهامها وحصلنا على الإبرة. ولكننا كنا في وقت الغداء.
وبعد الغداء عاد الرقيب إلى الحظيرة التي نبيت فيها بحثا عن رجال للعمل. تمكنا من تفاديه في الوقت المناسب بالاختباء أسفل كومة من القش. وعندما غادر أشعلنا شمعة، ووضعنا الإبرة على لهبها فتمكنا من ثنيها لتصبح أشبه بالخطاف. ولم تكن لدينا أي أدوات أخرى غير مطواتينا، فتسببنا في إصابة أصابعنا بحروق جسيمة. الشيء التالي كان الخيط، ولم يكن مع أي أحد خيوط غير خيوط سميكة، ولكننا في النهاية قابلنا بالصدفة رجلا معه بكرة من خيوط الخياطة. لم يكن يريد أن يعطينا إياها، وكان علينا أن نعطيه علبة كاملة من السجائر ليعطينا الخيط. كان سمك الخيط رفيعا جدا، ولكن نوبي قطعه بالطول إلى ثلاثة خيوط، وربطها بمسمار في الحائط، ثم ضفرها بعناية. في الوقت نفسه وبعد البحث في جميع أرجاء القرية، تمكنت من العثور على سدادة قنينة، وقطعتها إلى نصفين وغرزت فيها عود ثقاب لأصنع فلينة الصيد. كنا في المساء في ذلك الحين، وكانت السماء على وشك الإظلام.
كنا قد حصلنا على الأساسيات، ولكننا كنا بحاجة إلى بعض الأحشاء، ولم يبد أن ثمة أملا كبيرا في الحصول عليها حتى فكرنا في حاجب المستشفى. لم تكن الخيوط الجراحية الطبيعية جزءا من أدواته، ولكن كان من الممكن أن يكون لديه بعض منها. بالتأكيد عندما سألناه وجدنا أن لديه لفافة كاملة منها في حقيبة ظهره، فقد أثارت إعجابه في مستشفى ما وسرقها. أعطيناه علبة أخرى من السجائر مقابل عشر قطع من تلك الخيوط، والتي كانت هشة ومتعفنة، وكان طول القطعة الواحدة يبلغ ست بوصات تقريبا. بعد حلول الظلام، نقعها نوبي حتى أصبحت مرنة، وربطها طرفا بآخر. بذلك، كنا في ذلك الحين قد حصلنا على كل شيء؛ خطاف، وقصبة، وخيط، وفلينة، وأحشاء، ويمكننا أن نحفر الأرض ونحصل على الديدان من أي مكان. وكانت البركة تعج بالأسماك! أسماك الفرخ المخططة الضخمة التي كانت تنادينا لنصطادها ! استلقينا لنرتاح ونحن يملؤنا الحماس لدرجة أننا لم نخلع أحذيتنا. غدا! آه لو يأتي الغد! ويا ليت الحرب تنسانا ولو ليوم واحد! عزمنا أمرنا على أنه بمجرد انتهاء طابور التمام سننطلق ونقضي اليوم كله، حتى إن طبقوا علينا عقوبة الميدان رقم واحد عند رجوعنا.
حسنا، أتوقع أنه يمكنك تخمين باقي ما حدث. كانت الأوامر في طابور التمام هي حمل جميع العدد والتجهز للسير خلال عشرين دقيقة. مشينا مسافة تسعة أميال على الطريق، ثم ركبنا الشاحنات التي نقلتنا إلى نقطة أخرى من خط النار. أما عن البركة أسفل أشجار الحور، فلم أرها أو أسمع عنها مرة أخرى قط، وأتوقع أن تكون قد سممت بغاز الخردل فيما بعد.
منذ ذلك الحين، لم أذهب للصيد قط؛ فلم تواتني الفرصة قط، فقد أكملت الحرب، ثم صارعت كالجميع من أجل الحصول على وظيفة، ثم حصلت على وظيفة أو لنقل هي التي حصلت علي. كنت شابا واعدا في عملي في أحد مكاتب التأمين - كنت أحد رجال الأعمال الشباب المتحمسين والحازمين والطموحين الذين تقرأ عنهم في إعلانات كلية كلارك - ثم أصبحت من هؤلاء المهمشين المعتادين الذين يتقاضون من خمسة إلى عشرة جنيهات في الأسبوع، والذين يسكنون منزلا شبه منفصل في الضواحي الداخلية والخارجية. مثل هؤلاء الناس لا يذهبون للصيد، تماما مثلما لا يذهب سماسرة البورصة لقطف زهور الربيع، فلا يلائمهم هذا الشيء، وإنما لهم وسائل تسلية أخرى.
إنني بالطبع أحصل على إجازتي التي تبلغ أسبوعين في كل صيف. إنك تعلم هذا النوع من الإجازات: مارجيت، يارموث، إيستبورن، هاستينجز، بورنموث، برايتون. يختلف الأمر حسب وضعنا المادي كل عام. وعندما تكون متزوجا من امرأة مثل هيلدا، تصبح السمة المميزة للإجازة هي الحساب الذهني غير المنتهي لمعرفة القدر الذي يحتال عليك فيه صاحب النزل. هذا علاوة على كلمة «لا» التي تقال للطفلين إن أرادا الحصول على دلو رمال جديد. منذ بضع سنوات، ذهبنا إلى بورنموث، وبعد ظهيرة أحد الأيام اللطيفة ذهبنا في نزهة على الرصيف البحري، الذي لا بد أن طوله كان نحو نصف ميل، وكان على امتداده بالكامل رجال يصطادون بصنارات سميكة بها أجراس صغيرة في أطرافها، وكانت خيوطها تمتد مسافة خمسين ياردة في البحر. إنه نوع من الصيد الممل ولم يكونوا يصطادون أي شيء، ولكنهم على أي حال ذهبوا للصيد. سرعان ما شعر الطفلان بالملل وجعجعوا للرجوع إلى الشاطئ، ورأت هيلدا أحد الرجال وهو يغرس دودة رملية في خطافه، فقالت إن ذلك أصابها بالغثيان، ولكنني مكثت أتسكع جيئة وذهابا لأظل هناك وقتا أطول. وفجأة، صدرت صلصلة مهولة من جرس، وكان الرجل يتمايل مع خيطه، فتوقف الجميع ليشاهده. وبالطبع خرج الخيط المبلل والقطعة الرصاصية وفي طرفها سمكة مسطحة ضخمة (كانت من نوع سمك الفلاوندر على ما أعتقد) متدلية تتلوى. وضعها الرجل على لوح الرصيف البحري، وكانت ترفرف لأعلى ولأسفل مبتلة ولامعة بظهرها المتثألل الرمادي وبطنها الأبيض ورائحة الملح المنعشة للبحر المنبعثة منها. وهنا تحرك شيء بداخلي.
قلت عرضيا ونحن مغادرون، فقط لأختبر رد فعل هيلدا: «أفكر في أن أنتهز فرصة وجودنا هنا وأصطاد قليلا.» «ماذا؟! أتريد الذهاب للصيد يا جورج؟ ولكنك لا تعرف كيف تصطاد، أليس كذلك؟» قلت لها: «أوه، لقد كنت صيادا ماهرا.»
عارضت الفكرة على نحو غامض كعادتها، ولكنها لم تجد ما تجادلني به سوى أنني إذا ذهبت للصيد فلن تأتي معي لتشاهدني وأنا أضع تلك الأشياء الزلقة المقرفة في الخطاف. وفجأة أدركت أنني إن ذهبت للصيد، فإن الأدوات التي سأحتاجها من قصبة وخيط وغيرها ستكلفنا ما يقرب من جنيه كامل، حيث إن القصبة وحدها بعشرة شلنات؛ فاستثارت غضبا على الفور. لم تر العجوز هيلدا وهي تتحدث عن إنفاق عشرة شلنات. لذا عنفتني قائلة: «من غير المعقول أن ننفق كل ذلك المال على شيء كهذا! هذا سخف! وكيف يجرءون على بيع الواحدة من قصبات الصيد الوضيعة السخيفة تلك بعشرة شلنات! إنه لشيء مخز. ثم أتذهب للصيد وأنت في عمرك هذا؟! رجل ناضج وبدين مثلك يذهب للصيد! لا تصغر نفسك يا جورج.»
ثم تدخل الطفلان، فمالت لورنا علي وسألتني بطريقتها السخيفة: «هل أنت طفل يا أبي؟» وبيلي الصغير، الذي كان في ذلك الوقت بالكاد تعلم الكلام، صاح مسمعا الجميع: «أبي طفل.» وفجأة، كان الطفلان يرقصان حولي، ويخشخشان بدلوي الرمال خاصتهما ويغنان: «أبي طفل! أبي طفل!»
Halaman tidak diketahui