وحدثها حديثا مطولا عن حسن حمودة، وأسرته الصعيدية العريقة، وأرضه التي صفيت في الإصلاح الزراعي، ونبوغه في المحاماة، ثم سألها: هل شاهدت آخر أفلامي؟
فضحكت، على حين اتجه هو نحو غرفة العرض.
19
كانت جلسة واجمة لا تبشر بخير .. ها هي قهوة الانشراح عقب منتصف الليل، ولكنها لا تعد بمسرة واحدة. دخن حسني حجازي نارجيلته في صمت شامل. اختلس من عبده بدران نظرة، فرآه غارقا في الأفكار. وفي الركن تحت النصبة قرفص عشماوي، وهو يرسم على البلاط خطوطا وهمية بإصبعه. وقال لنفسه: ليلة ثقيلة، وسيكون لليالي المقبلة طعم العلقم .. والتقط عبده بدران نظرة من نظراته، فقال: وهكذا ألغيت الأفراح!
فقال حسني حجازي مواسيا: تأجلت لا ألغيت! - ربنا يسمع منك! - ربنا كبير يا معلم عبده.
فقال عبده بدران بأسى: لما لم يحضر في ميعاده دق قلبي بعنف، وقبل ذلك رأت أمه حلما فظيعا! - جرح بسيط بإذن الله! - من أدراني؟ لم يسمح لي في زيارته بأكثر من دقيقة، لم أر منه شيئا، اختفى الوجه والرأس والعنق تحت الشاش تماما. - إجراء طبي ليس إلا.
فتنهد الرجل وقال: وكنا نستعد للاحتفال بزواجه هو وأخته عليات: سيتم الاحتفال بعد أسبوع أو بعد شهر.
وساءل حسني نفسه: ترى أهذا هو حال الآباء والأمهات في جميع الأمم، أم إنه توجد شعوب أخرى مشبعة بروح القتال والجهاد؟ وهل زيف التاريخ حكاية البطولات، فلم تصلنا على حقيقتها؟ أهو عيب فينا أم هي الطبيعة البشرية في كل زمان ومكان؟ وإذا كان ذلك كذلك، فكيف أمكن سوق الجماعات البشرية إلى حرب في إثر حرب؟ ما أعظم الفارق بين صورة التضحية في جريدة يومية أو كتاب تاريخ أو ديوان شعر وبينها في مقهى أو بيت أو حارة! ومع ذلك لم يقبل البشر على امتهان مهنة وهي كره لهم مثل الحرب.
ورفع عشماوي رأسه من فوق ركبته وقال: نحن مساكين يا أستاذ.
فصدق عبده بدران على قوله قائلا: أجل، نحن مساكين.
Halaman tidak diketahui