إذا حضرت الفتاة لتبحث عنها، فسيكون الجميع حاضرا - فهم لن يرحلوا ليلا - وحينها لن يجدي حرص إيف.
ولكن ما كانت الفتاة لتأتي؛ فلسوف تعرض عليها فرص أفضل قبل أن تمر عشر دقائق على وقفتها على الطريق السريع. ولربما تسنح لها فرص أكثر خطرا لكنها أكثر إثارة للاهتمام، بل والأرجح أكثر ربحا.
ما كانت لتأتي، إلا إذا التقت شابا طائشا متشردا بلا مأوى عديم الشفقة في مثل عمرها (وحينها كانت ستقول له: أعرف مكانا يمكن أن نقيم فيه إذا ما استطعنا التخلص من المرأة العجوز).
ليس الليلة؛ ولكن الليلة التالية، سوف تستلقي إيف في هذا البيت الخاوي بين جدرانه العريضة تتجهز لتخفيف عبء نفسها والتحرر من التفكير في أي عواقب، ومن أي فكرة تدور في ذهنها، خلا حفيف عيدان الذرة الطويلة التي ربما ستتوقف عن النمو لكنها ستواصل إصدار تلك الضوضاء النابضة بالحياة بعد أن يسدل الليل ستائره عليها.
ستبقى الطفلتان
منذ ثلاثين عاما، كانت هناك عائلة تقضي إجازة على الساحل الشرقي لجزيرة فانكوفر؛ هذه العائلة تتكون من أب وأم وابنتيهما الصغيرتين وزوجين أكبر سنا؛ هما والدا الزوج.
كم كان الجو بديعا! في كل صباح - في هذا الطقس الجميل - ينفذ أول ضوء ذهبي للشمس من بين أغصان الأشجار العالية مبددا الضباب الذي يتكاثف فوق مياه مضيق جورجيا الراكدة. انحسر المد - في ذلك الوقت من العام - تاركا وراءه مساحة هائلة من الرمال الخاوية التي ما زالت مبللة بالرغم من سهولة السير عليها وكأنها طبقة من الأسمنت في آخر مراحل جفافه. الواقع أن المد لم يتراجع كثيرا؛ فكل صباح تتقلص مساحة الرمال لكنها ما زالت تبدو شاسعة. كان الجد مهتما للغاية بمسألة تغير المد، ولم يبد أن أي أحد آخر شاركه هذا الاهتمام.
بولين، الأم الشابة، لم تكن في الحقيقة تحب الشاطئ كما كانت تحب ذلك الطريق الذي يمتد شمالا خلف الأكواخ مسافة ميل أو نحو ذلك ليتوقف عند ضفة النهر الصغير الذي يصب في البحر.
لولا المد، لكان من الصعب تذكر أن هذا هو البحر؛ فالناظر عبر الماء يستطيع أن يرى سلاسل الجبال الواقعة على الضفة الأخرى؛ وهي تمثل الحدود الغربية لقارة أمريكا الشمالية. لمحت بولين من بين الأشجار هذه المرتفعات والقمم التي تبرز من بين الضباب بينما كانت تدفع أمامها عربة طفلتها على الطريق. وتلك الجبال أيضا كانت تثير اهتمام الجد، وكذلك ابنه براين - زوج بولين - فقد كان الرجلان يحاولان باستمرار تحديد أي من هذه المعالم هو بالفعل جبل قاري، وأيها مرتفع عارض على الجزيرة بارز على الشاطئ. من المتعذر تحديد هذه الأمور مع تداخل عدد هائل منها بعضها مع بعض، وكذلك لأن ضوء النهار المتغير يؤثر على رؤيتها من حيث القرب والبعد.
لكن هناك خريطة معلقة أسفل مرآة بين الأكواخ والشاطئ، ويمكن للمرء أن ينظر إلى الخريطة ثم يرفع عينيه إلى المرآة ليرى ما أمامه، ثم يعيد النظر إلى الخريطة مرة أخرى حتى يتمكن من تبين ما يراه. لا يزال الجد وبراين يفعلان ذلك كل يوم، وغالبا ما يدفعهما هذا إلى الجدال؛ مع أنه لا داعي للجدال مع وجود الخريطة بين أيديهما. يرى براين أن الخريطة غير دقيقة، في حين لا يقبل أبوه أي نقد لأي شيء في هذا المكان الذي اختاره لقضاء الإجازة؛ فالخريطة والسكن والطقس كلها أمور مثالية من وجهة نظره.
Halaman tidak diketahui