Cinta Ibn Abi Rabia dan Puisinya
حب ابن أبي ربيعة وشعره
Genre-genre
رب جد جره اللعب
إي والله! فقد كنت ألهو وألعب يوم كتبت ما كتبت عن ابن أبي ربيعة منذ تسع سنين، وأنا طالب بالجامعة المصرية، وليس معنى هذا أنني كنت أتخذ الحب والجمال سبيلا إلى العبث والمجون، كلا! فقد كان الجمال كما فهمته في ذلك الحين محرابا تخشع في مصلاه القلوب، ولكن معناه أنني كنت أقبل على الحب والحسن إقبال الغافل، الذي لا يدري ما تكن خمائل الأزهار من عاديات الأفاعي وقاتلات الصلال.
ولقد أذكر - والنفس تأكلها الحسرة على سذاجة تلك الأيام الخالية - أنني قلت في أول محاضرة ألقيتها عن ابن أبي ربيعة: «إن الحب نفحة من نفحات النبوة»، ثم أخذت أقيم على ذلك الأدلة والبراهين، فعارضني جماعة من المستمعين على رأسهم صديقي الأستاذ الشيخ عبد الجواد رمضان، فلما كانت المحاضرة الثانية كنت قد أخذت الأهبة للدفاع عن تلك النظرية، وكان صديقي قد استقدم طائفة من زملائه علماء الأزهر لمعاونته إذا جد الجد واحتدم النضال، فما هي إلا أن قلت: «أيها السادة! لقد أسلفنا في المحاضرة الماضية أن الحب نفحة من نفحات النبوة»، حتى انفجر الأشياخ دفعة واحدة مطالبين بوقف هذا الهراء، فتدخل الأستاذ الدكتور أحمد ضيف، وأبان لهم في رفق ودعابة أن الحب «كلام فارغ»، وأنني على خطأ فيما أقول مبين، وأشار إلي بتخطي هذه الفكرة، وطي كل حديث فيه نبوة وأنبياء، حتى لا يثور القوم من جديد!
وكذلك عرفت لأول مرة بفضل تلك المعارضة العنيفة، أن الحب مهما سمت أغراضه لا يجد من القوة ما يدفع به عدوان الجامدين الذين يحسبون الفضل كل الفضل أن يحيا الرجل بقلب مغلق متبلد، لا يفقه معنى الحب، ولا يدرك أسرار الجمال، فعدت إلى ما كتبته عن الحب والنبوة، فمحوته كما يمحى الضوء من تجاليد الليل، وأقبلت على نفسي أعدها للجد الصراح الذي يكبح غمزات اللازمين، ويردع لمزات اللائمين.
ولكن كيف وقد صار الحب في نفسي أخطر أنواع الجد، وعدت أرى الجمال الإنساني أروع ما في الوجود، واستطعت أن أقول في مقدمة «مدامع العشاق»، وأنا أقيم الدليل على أن الإنسان لباب الطبيعة وسرها المكنون:
وما قيمة الليل إن لم تظلني في الحب ظلماؤه؟ وما قيمة البدر إن لم يذكرني بالثغر لألاؤه؟ وما جمال الأغصان إن لم تهزني إلى ضم القدود؟ وما حسن الأزهار إن لم تشقني إلى لثم الخدود؟ وكيف أميل إلى الظباء لو لم تشبه بعيونها وأجيادها ما للحسان من أعناق وعيون؟ وكيف أصبو إلى غنة الغزال لولا ذكرى تلك النبرات العذاب التي يسمونها: السحر الحلال؟
وما أنس لا أنس أن كتاب «مدامع العشاق» أثار علي رجلا، هو منذ سنين على رأس الحياة العقلية في مصر والشرق، وأن أستاذي الدكتور طه حسين كتب عنه فصلا في جريدة السياسة فنالني بملام عنيف، وكنت جديرا بالانصراف عن هذا النحو من البحث؛ ترضية لتلك النفوس النبيلة، التي تشفق علي من ظلمات الإفك وحنادس البهتان.
ولكن كيف وقد صار الحب مرضا عضالا لا يرجى له برء ولا شفاء، وأصبحت وأصدق ما أحدث به عن نفسي كلمتي إلى صديقي الأستاذ أنيس ميخائيل حين أقول:
أرجو أن تعلم أن إدماني على الاغتباق بما أودع الله الليل من سحر يتمثل في بدره المشرق، أو ظلامه المسدول، والاصطباح بمطالعة ذلك الكتاب الخالد كتاب الوجود، ودرس ما فيه من غرائب الملاحة وبدائع الجمال، أحب أن تعلم أن هذه الحياة الوجدانية، التي يحياها رجال الأدب طائعين أو كارهين، توقد الحس وتلهب الخيال، حتى ليصبح القلب في سعير من الظمأ، وهو يسبح في كوثر من النعيم، ومن هنا تجد من لا يزال يشكو ويعتب وهو في ظل من النعمة ظليل. وكذلك أحسب أن الطبيعة مدينة لإعجابي وإحساسي بما فيها من زهرة تتفتح أو غصن يميد، وأراني صاحب الفضل على كل عين ترنو وكل قد يميس، وقد يلح الإسراف ويلج الطغيان، فأنكر أن يكون غذائي في هذه الدنيا من الخبز والماء، وتمتد عيناي إلى انتهاب ما عز واستعصم من أسالة الخدود، ورشاقة القدود، وتسمو نفسي إلى اقتناص ما ند من شوارد المنى وأوابد الآمال، ويتمرد قلبي كلما أحس سانحة تتمنع، أو قناة لا تلين. ولو شاء الحسن لبطش بمن لا يؤمنون بأن له وحده العزة والجلال، وصعق من لا يسبحون له في الغدو والآصال، ولكن حاشاه أن ينفرني من رياضة وأنا شاعره ومجنون ليلاه، أو يذودني عن حياضه، وأنا حارسه والساهر على حماه.
إذن لا مفر من العودة إلى ابن أبي ربيعة، أوصف الشعراء لربات الحجال! ولكن كيف نعود إليه؟
Halaman tidak diketahui