وجوه النسوة من حولها سمراء مليئة بالتجاعيد، اندفع الهواء إلى صدرها بصوت حاد كالصرخة وفتحت جفونها الملتصقة، رأت الرجل راقدا مغمض العينين، ذراعه تنزف الدم، وهي إلى جواره عارية الجسد، والدم لونه أسود، يتجمد في أجزائه، وتظل أجزاء أخرى ما بين السيولة والصلابة، وهي تمد ذراعها لتمسك بالدرابزين، رائحة في أنفها غريبة، تشبه الجاز المتعفن. - جهزي الشاي.
سمعت صوته وهو يشد سرواله إلى أعلى، كان نصفه الأعلى عاريا، يجلس أمام عتبة البيت، من حوله أربعة من الرجال، عاكفين في استغراق حول لعبة ما، أوراق سميكة مربعة، كان هو جالس في الوسط يوزع عليهم الأوراق، جسده يرتخي فوق المقعد، والصدارة تلائم جسده تماما، تتسق مع ملامحه، أصابعه يضمها بالأوراق ويفردها ثم يضمها، وعيون الآخرين تنظر إلى يده متلهفة. - الشاي!
في صوته لهجة الأمر، كأنما هو زوجها، وهي تنظر إليه من خلال غشاوة، ربما استبدلوا زوجها برجل آخر، انبعثت خشخشة صادرة عن حركة توزيع الورق، وجوه الرجال مشدودة، عيونهم ثابتة فوق الورق، داخل كل عين يدور «النني» حول نفسه، لا بد أنهم خمسة وليسوا أربعة، كان رأس خامسهم يختفي وراء الصحيفة، أيكون هو زوجها؟ ساقاه ممدودتان أمامه، قدماه كبيرتان، وأصابعه متلاصقة، بين الأصبع والأصبع غشاء أسود.
كانت الشمس قد بدأت في الهبوط، سقط الضوء الشاحب على الصفحة الأولى، ذرات سوداء تسبح في الشعاع المائل، أعلى الصفحة قرأت التاريخ، الثلاثاء الموافق السادس عشر، نظرت في الساعة، الثانية، وعقرب الثواني يتحرك، لا بد أن الزمن يمر كالمعتاد، وقرأت المانشيت الكبير. - صاحب الجلالة يعلن الحرب على الشيطان.
أوراق اللعب لم تكن هي الكوتشينة، وإنما هي شيء يشبه الشطرنج، أجسام العساكر مصنوعة من الخشب، واقفة في مكانها عاجزة عن الحركة، أصابع كبيرة تلتف حولها، وتحركها من مكان إلى مكان. - كش ملك!
ليس صوت زوجها بالتأكيد، لم يعد يطلب الشاي، استغرق في اللعب، يبدو أن الملك لا يريد أن يكش، ارتفع الصوت مرددا: كش! بدأت النبرة يعلوها الغضب، والأصوات تختلط بعضها ببعض. - هذه قواعد اللعبة يا أخي. - أنت تغش. - أنا أكثر أمانة منك. - أنت جاهل. - أنت حمار.
تركوا الملك واشتبكوا في معركة بالأيدي، ارتفع الغبار في الجو، وانتشر رذاذ لعابهم من حولهم، وأنفاسهم تلهث، لم يفطن أحدهم إلى الصحيفة، دحرجتها الريح، تقلب الصفحة وراء الصفحة، وفجأة رأت صورة تشبهها. «امرأة خرجت في إجازة ولم تعد، مطلوب العثور عليها حية أو ميتة، ممنوع إيواؤها أو التستر عليها.»
لم يكن لها هذا الأنف في الصورة، أيكون هو أنف امرأة أخرى خرجت في إجازة؟ كان رئيسها في العمل يقول إن أنفها روماني، تصورت الأمر أنه نوع من الهجاء. كان الرومان في نظرها من آكلي اللحوم.
في الصفحة نفسها رأت صورة المحقق ، كان جالسا فوق الكرسي يدور به حول نفسه ثم يتوقف، فيصبح ظهره للحائط ووجهه ناحية زوجها. - أهذه صورة زوجتك؟ - نعم. - متأكد؟ - نعم متأكد. - مائة في المائة؟ - ليس هناك ما هو مائة في المائة. - أنت غير متأكد إذن؟ - نعم، لا. - ماذا تعني بنعم، لا؟ أهذه إجابة؟ - ماذا تكون الإجابة؟ - إما نعم، وإما لا. - إذن نعم. - أنت غير متأكد إذن؟ - نعم. - مائة في المائة. - لا.
ضرب رجل البوليس الأرض بقدميه، فإذا الكرسي يدور حول نفسه دون توقف، انتهز زوجها الفرصة، فأخفى وجهه وراء الصحيفة، حين توقف الكرسي أصبح وجه المحقق ناحية الحائط، راح يدق بأصابعه على الآلة الكاتبة، ثم استدار، كان رئيسها في العمل جالسا، والغليون الأسود بين شفتيه، يهتز والدخان يتصاعد. - لم أكن أتغزل في أنفها، فأنا لست من المعجبين بالأنوف الرومانية، وأفضل عليها الأنوف الوطنية من النوع الأفطس. - ماذا تقول؟ - كانت امرأة مطيعة تماما ولا شيء فيها يثير الشهية.
Halaman tidak diketahui