أغمضت عينيها، ثم فتحتهما، رأت شيئا يجري يشبه الثعبان، رفع ذيله حين رآها، كأنما يؤدي التحية، هزت رأسها ترد التحية، نفخ الهواء بصوت مسموع، أدركت أنه يقول شيئا بلغة أخرى، هزت رأسها علامة الفهم.
تحولت الاهتزازة إلى حركة مباغتة من يدها، وشدت الصحيفة من فوق رأس الرجل. - لا يمكن لواحد من البشر أن يحتمل هذا، وأنت تتمدد فوق الكرسي تدخن وتقرأ كأنما لا يوجد خلل في العالم! - أي خلل؟ - هذا الخلل! ألا تراه؟
تابعت عيناه أصبعها وهي تشير إلى أعلى في حركة دائرية.
كان تمثال النصر من حجر السيج، تعلوه طبقة سوداء من غبار النفط، يبدو وجهه قبل الغسيل أسود تطفو عليه بقع الزيت.
ولم يكن لها أن تتخلف عن حضور الاحتفال، صدر الأمر مكتوبا على الآلة، ومختوما بالصقر، على النسوة أن يقمن بالغسيل، وعلى الرجال الوقوف في صفوف منتظمة، وأداء التحية.
لم تعرف كم من الزمن مضى وهي تغسل، بدا لها التمثال طيعا تحت يديها، أنفاسها كانت تتلاحق مع حركة ذراعيها، والخفقات تحت ضلوعها، ودقات الساعة فوق معصمها، بدت حركة الغسيل لا نهائية أو ربما حركة لا إرادية، أو محاولة للهروب من حركة أخرى.
بعد الغسيل أصبح الوجه أبيض اللون، كوجه صاحب الجلالة، مملوءا باللحم، وصدره عريض، يعلوه نهدان بارزان كصدر الإله إخناتون.
استمرت حملقتها في التمثال طويلا، هبت ريح من الجنوب ملأت عينيها بذرات النفط، اشتد الألم كالحرق فأغلقت جفونها، من ورائها سمعت الصوت، ويد الرجل تكاد تلمسها.
فتحت عينيها نصف فتحة، لم يكن هو الرجل، رأت امرأة واقفة، تحمل فوق رأسها الكرة الأرضية أو قرص الشمس، لها قرنان طويلان يلتويان إلى الأمام ، الضوء كان خافتا، أو ربما هو التهاب العينين أضعف بصرها، لم تر وجه المرأة، ولم تتأكد مما تحمله فوق رأسها.
لم يعد عقلها قادرا على التمييز، كل شيء اختلط داخل رأسها مع اشتداد الحرارة، ارتفع قرص الشمس في السماء، وازدادت حركة الريح مع تدفق السائل الأسود، هبط العرق على شكل قطرات من أنفها، لم يكن لذراعها أن ترتفع لتمسح العرق، تركته يتساقط مع دموعها ويفيض، ربما كان قرص الشمس هو العدو، اشتغل عقلها من جديد وهي تفترش الأرض لكن صوت المرأة قطع عليها التفكير. - قومي يا أختي استحمي، كل عيد وأنت طيبة.
Halaman tidak diketahui