وكان طبيعيا جدا أن تفتح كاترين عينيها بإزاء هذا الحيوان الذي صار زوجها، تشيم بارقة حب في أولئك الأمراء الذين يترددون على القصر، وكانت قد أكبت على اللغة الروسية حتى ثقفتها، وصارت لا تخرج للناس إلا في مظاهر روسية، فأحبها الجمهور، ومالت إليها القلوب. وكان من بين المترددين على القصر رجل تبدو على وجهه أمارات الرجولة ، يدعى أورلوف، فجرأته على أن يتقرب منها، ونشأ بينهما حب دام عدة سنين.
ولم تبلغ كاترين الثلاثين حتى كان لها جملة أولاد، يشك الكثيرون في أنهم كانوا أولاد زوجها، لعلاقتها بأورلوف هذا؛ ولأن الشجار بينها وبين زوجها لم يكن ينقطع.
وماتت الإمبراطورة إليصابات، وارتقى الأمير بطرس العرش، وهنا يذكر المؤرخون إصلاحين عظيمين قام بهما بطرس هذا، ولكن الحقيقة أنه ليس له فيهما أدنى فضل.
فإنه عندما ارتقى العرش، شد من عزيمته، ونوى أن يستقيم وينظر في شئون أمته، ولكن هذه العزيمة الشريفة، كما يحدث كثيرا في أمثاله، لم يكن فيها من القوة سوى ما في المصباح، يشب لهبه قبيل الانطفاء الأخير، فسرعان ما عاد إلى شرابه وكلابه. ولكن حدث، وهو في جمع حافل من هؤلاء الأوشاب، الذين كان يجمعهم حوله للشراب، أن دخل عليه ضابط غيور يغار على العرش وعلى مصلحة البلاد، فوجده سكران، فأخذ يخطب فيه، ويحثه على خدمة بلاده، ويذكر له مجد آبائه، وقدم له خلال ذلك مشروعين للإصلاح. وامتزجت حماسة خطبة الضابط بحرارة الخمر، حتى تنحى الإمبراطور، وأخذ أوراق المشروعين ووقع عليهما، وهو لا يدري ما يفعل.
وكان أحدهما يقضي بإلغاء مكتب الشحنة السرية التي آذت الناس كثيرا، والآخر يرد إلى النبلاء بعض حقوقهم التي كانت قد انتزعت منهم.
ولكن بطرس عاد ثانيا إلى شرابه، وعادت إليه عصابة السوء التي كانت تساقيه، وأبطره السلطان، فصار يستبد ويقذف السباب على زوجته الإمبراطورة كاترين جهرا أمام الناس في الحفلات الكبرى، فمن ذلك أنه أعلن مرة أن ابنها البكر ليس ابنه، وإنما هو من نسل عشاق الإمبراطورة.
وكانت هذه التهمة تكفي وحدها لطلاق الإمبراطورة أو قتلها، فأخذت هي الأخرى تكيد له، وتبحث عن طريقة تقضي بها على حياته، وأخيرا دبرت بعناية مع عشيقها أورلوف مؤامرة لخلعه. ولكن قبل أن تختمر المؤامرة علم الإمبراطور بطرس بها، وتحرجت عندئذ الحال، وخشيت هي أن تقدم للمحاكمة وتعدم، فسارعت إلى جواد وامتطته، وسارت إلى الثكنة التي يقيم بها الجنود الروس في بطرسبرج، وناشدتهم المعاونة على خلع الإمبراطور. وكان هؤلاء الجنود يكرهون بطرس لميله إلى الألمان، وتأليفه حرسا منهم ويؤثره على الروس.
فتقدم إليها الضباط بجنودهم، وأقسموا لها يمين الولاء، وخرج الجميع في أثرها حتى قبضوا على بطرس، وساقوه أسيرا في إحدى القلاع، وذهب إليه أورلوف، وحاول أن يجرعه سما، ولكن بطرس، كما هو الشأن في عدد كبير من البله، لم يكن ضعيف العضلات، فقاوم أورلوف فعمد أورلوف إلى جوزة عنقه، فقبض عليها، واعتصرها، حتى خرج الدم من أذني بطرس، ولم يتركه إلا بعد أن مات.
ولم تكن كاترين ترغب في كل ذلك، ولكنها لم تجد بدا من الرضى بعد أن نفذ السهم، وصارت من ذلك الوقت إمبراطورة روسيا المتحكمة في حظوظها.
وكانت عندما لجأت إلى الثكنة تستنجد بالجنود، قد خرج إليها ضابط جميل الوجه والقوام، وقد وقف أمامها وقفة الأدب والاحترام، ثم أشار إلى أن خوذتها ليس عليها ريشة، وفي الحال انتزع ريشته، وتقدم ووضعها برفق على خوذة الإمبراطورة. وليس من شأن هذا العمل أن ينسى في تلك الظروف الخطيرة؛ ولذلك تذكرته الإمبراطورة بعد قتل زوجها، واستدعته إليها.
Halaman tidak diketahui