وفرت تيريزا من زوجها، وعاشت مع بيرون في بيت واحد، ولم يفترقا بعد ذلك إلا عندما أراد بيرون أن يبدأ حياة جديدة في تحرير اليونان من الأتراك. واستفاد بيرون من عشرة تيريزا، التي قطعته عن إدمان الخمر، وأصلحت عاداته التي كان قد أفسدها الترف، ولم يكن بيرون يحبها أولا، ولكنه عندما رأى إخلاصها وتعلقها به، مع تلك السحنة الشمالية التي يحبها الإنجليز، تفتح لها قلبه وعشقها هو الآخر.
وكان زوجها يحاول طوال الوقت أن يقتل بيرون، فكان يكتري له الأوغاد لكي يغتالوه، فكان بيرون لا يسير إلا مدججا بالسلاح.
وقد كانت تيريزا تؤثر حبيبها على نفسها، تحثه على النظم، وتعمل لإذاعة شهرته، وتخلص له الخدمة والولاء، وتمنعه من متابعة عاداته في الانغماس والاستهتار، وربما كانت هي الوحيدة من النساء اللاتي عشقن الشاعر، ولم ترج من عشقها اللذة والتمتع؛ فقد كانت تنظر في كل ما تفعل إلى مصلحته دون مصلحتها.
قال أحد المترجمين لحياة بيرون: «لقد أصلحته، ورفعته، وانتشلته من الحمأة، ووضعت على رأسه تاج الطهارة، ثم لما استنقذت هذا القلب العظيم، لم تعمد إلى احتكاره لشخصها، وإنما سخت وجادت به للإنسانية.»
وعاشت بعده 27 عاما، وماتت في سنة 1873، ونشرت كتابا عنه، ضمنته ذكرياتها عن أيام الحب التي قضتها معه في إيطاليا، وبلغ من ولائها له، أن زارت وهي عجوز فانية، بيت بيرون في إنجلترا، وأذرفت الدموع لذكرى حبيبها.
ولا يذكر اسم بيرون دون أن يذكر أيضا شيلي الشاعر، ولا يذكر الاثنان دون أن تذكر علاقتهما بالفيلسوف جودرين وبنتيه؛ فإن جودرين هذا كان من دعاة الحرية الفكرية والتنظيم الاجتماعي، وكانت له بنتان، تتلألأن بالجمال والذكاء، وقد تزوجت إحداهما شيلي، أما الأخرى فقد عشقت بيرون. وكان الجميع يقضون وقتهم معا، سائحين أو مقيمين في إيطاليا، وبقوا على هذا الحال إلى أن غرق شيلي بعيد الساحل الإيطالي، فتبدد الشمل.
مدام دوستايل
ليس في جميع ما ألفته مدام دوستايل شيء جدير بالإعجاب، وهي إنما تقرأ الآن للقيمة التاريخية التي لمؤلفاتها، من حيث إنها دليل نزعة فشت قبيل الثورة الفرنسية وبعيدها. وهذه النزعة تتلخص في الميل إلى رفع قيمة الحنان، والنظر إلى شئون العالم عن سبيله. ولم يكن الأدباء في عصر مدام دوستايل يكبرون قدرها، وإنما كان يأتي احترامها من العامة؛ لأنها كانت متطرفة من أكثر العلوم والآداب، تعرف شيئا يسيرا عن كل منها، وتستطيع الكلام أو الكتابة عنها، بحيث تسترعي احترام العوام واحتقار الخواص. ومما أذاع شهرتها أن نابليون خاصمها، ونفاها من فرنسا. ونزول نابليون إلى مخاصمة امرأة، جدير بأن يرفعها بعض الرفعة، وكانت أيضا ابنة نيكر وزير المالية في فرنسا، وقد اشتهرت أمها بأنها وقت أن كانت في سويسرا، عرفت المؤرخ الإنجليزي الشهير جيبون وعلقته، وأوشكت أن تتزوج به.
وقد قضت مدام دوستايل شبابها في باريس، واختلطت بعلية الفرنسيين، وكانت منذ طفولتها مجدة في الدرس، تقرأ كل ما يقع في يديها، وترغب في معرفة كل شيء، فكانت تدرس التاريخ الطبيعي، كما تدرس الأدب، وتقرأ في الاقتصاد والقوانين، كما تقرأ في التاريخ والفلسفة.
وكان جميع الكبراء من رجال السياسة أو الأدب في فرنسا، يرون نذر الثورة قبل وقوعها ويحتاطون لها. وكان نيكر مثريا عظيما، فخشي على ثروته أن تضيع إذا هبت العاصفة، وأزالت الأشراف عن إقطاعاتهم، فعقد الزواج لابنته على البارون ستايل هولستين، سفير أسوج في باريس؛ وذلك لكي تحتمي بدولته فيبقى مالها.
Halaman tidak diketahui