وكان لقيصر روسيا أخت جميلة، فطلبها نابليون من القيصر، فأبى أنفة من مصاهرة هذا الإمبراطور المحدث، وإشفاقا على أخته أن تقع بين براثن هذا النمر، فتحول عنه إلى إمبراطور النمسا والمجر، ولم يكن له بين ملوك أوروبا وأمرائها من هو أعدى له منه؛ فقد حاربه خمس مرات وهزمه، ودخل نابليون مدينة فينا على رأس جيشه الظافر، وأذاق أهلها ذل الهزيمة ومهانة الانكسار، فكان الإمبراطور فرانسز يكرهه كما يكره الإنسان مبدأ ومذهبا يريد أن يمحقه من الوجود.
ولكن سياسة النمسا في ذلك الوقت كانت في يد الأمير مترنيخ، وكان داهية عظيما، فلما علم برفض قيصر روسيا اغتنم هذه الفرصة وعرض على نابليون أن يتزوج ابنة الإمبراطور فرانسز، وكان يقصد من هذا الزواج ضمان العرش النمسوي، وتأمين الإمبراطورية من غزوات نابليون، وإن كان في ذلك يضحي بهذه الفتاة الغريرة.
ولم تكن هذه الفتاة، ماري لويز، قد بلغت التاسعة عشرة من عمرها، ولم تكن قد رأت نابليون، وإنما كانت تسمع عنه ما كان يحكيه أبوها وعمومتها، وكانوا كلهم يدعونه «الغول».
وكانت ماري لويز مديدة القامة، بيضاء يجلل وجهها شعر كستنائي اللون، يميل إلى البياض، وكانت وجنتاها متوردتين، يتدفق ماء الشباب بل الصبا من وجهها. وكان فمها واسعا، عليه طابع آل هابسبورغ في تلك الشفة السفلى المتدلية، التي ترى للآن في ألفونسو ملك إسبانيا.
وأدرك أبوها قيمة الاتحاد مع نابليون، فرضي بذلك. وقبل نابليون الزواج، وحدد له ميعادا. وذهب الإمبراطور فرانسز إلى ابنته وكاشفها بهذه النية، فارتاعت لأول وهلة، وسألتهم كيف كانوا يدعونه «غولا»، وكيف تتزوج برجل هذه صفته؟!
فأخذ أبوها في طمأنتها، حتى استكانت إلى حظها، ورضيت بالتضحية بنفسها لأجل أمان بلادها . وكان مما قالته لمترنيخ عندما كان يغريها بأن يقدم لها جميع ما تطلب: «لست أطلب سوى ما يأمرني الواجب أن أطلب.»
وأعلنت بعد ذلك خطبة نابليون لها، وصارت فينا وباريس كلتاهما تتنافس في الاحتفال بالزواج القادم وتعد له معداته.
وأرسل نابليون في هذه الفترة خطابا إلى خطيبته، قد امتزجت فيه لهجة الحب بلهجة السياسي الدائب في المفاوضة، قال:
يا ابنة عمي
إن الصفات الباهرة التي يتزين بها شخصك قد أوحت إلى نفسي الرغبة في أن أخدمك، وأكون على ولائك. وعندما عرضت رغبتي هذه على والدك الإمبراطور، ورجوته في أن يأتمنني على سعادتك، كنت أمني نفسي بأنك سوف تدركين العواطف التي دفعتني إلى هذا العمل، فهل لي بأن أملق نفسي، وأقول بأن قرارك لن يكون عائدا إلى الطاعة الأبوية فقط، ومهما يكن إحساسك من ناحيتي، أو ميلك إلي ضعيفا، فإني أريد أن أحتفظ بهذا الإحساس وهذا الميل، وسأجتهد في أن أكون سبب مسرتك، حتى إني من الآن أملق نفسي، ومعتقدا بأنك سوف تستحسنين شخصي، وهذا غاية ما أريد أن أصل إليه، ولأجل هذه الغاية أريد من سموك التعطف علي.
Halaman tidak diketahui