وقد أحبت - وأخلصت في حبها - جملة رجال من حاشيتها، ولكن كبرياءها أبى عليها أن تنزل عن مرتبتها الملوكية إلى الاقتران بأحدهم؛ فقد كانت كلفة بسير ولتر رالاي، لا تطيق فراقه، حتى منعته من السفر إلى أمريكا لهذا السبب. وأحبت إرل إسكس، ولكنها عندما رأته يتعالى ويشمخ لم تتراجع عن التوقيع على ورقة إعدامه.
ولكن ربما كان أعظم من نال قلبها وتسلط على عقلها، وعواطفها هو إرل لستر. وقد جعل القصصي المعروف سكوت علاقته بها موضوعا لإحدى قصصه في كتاب كنلورث. ومما لاحظه أحد المؤرخين أن إليصابات أنعمت على جميع من أحبتهم، فحبتهم بالمناصب السامية إلا لستر هذا؛ وذلك لأنها كانت تشعر بخطورة ترقيته ورفعه إلى مركز سام، كأن قلبها كان يحدثها بعظم مكانته في نفسها، وأنها إن فعلت ذلك لم تقو على رده عن التزويج بها أو التسلط عليها في شئون المملكة.
وكان إرل لستر جميلا شجاعا، ويقال إنه قتل امرأته لكي يتفرغ للملكة، وإن الملكة كانت تعرف هذه الجناية، وتسترت عليها؛ لأنها أرادت أن تحتكر قلبه، وتحظى بشخصه قريبا منها في كل وقت.
وقد كان والد إليصابات، الملك هنري الثامن، مشهورا بحبه للنساء، ونزوعه إلى تغييرهن، حتى تزوج ثماني نساء، فلا عجب أن تكون ابنته قد نشأت على طبعه، وربما منعها من الزواج هذه الطبيعة التي ورثتها عن والدها، فما كانت تثبت على حب، إلا حب إرل لستر الذي حال كبرياؤها دون أن تستسلم له كل الاستسلام، وترضى بزواجه.
وقد عاشت إليصابات إلى أن بلغت السبعين، وكانت تدهن بالأدهان وجنتيها، وتصبغ شفتيها، وتخفي نحول الشيخوخة بملابس منقوشة. وكان رجال حاشيتها يتملقونها وهي في هذه السن، فتستجيب لهم بالابتسامات والدعابات، كأن هذه الفطرة التي نشأت عليها لم تبل بتقادم الزمن.
وليس بين ملوك إنجلترا من هو أقرب إلى قلوب الإنجليز من الملكة إليصابات، وأكبر ما يحببها إليهم أنها رفعت شأن البروتستانتية، وجعلت البحرية الإنجليزية تسود البحار، وكانت تسوغ كل شيء لرفع شأن إنجلترا، فالإنجليزي لا يضن عليها بإكرامه ذكرها، مع تقلب أهوائها، وكثرة محبيها، وغدرها بهم أحيانا.
ماري أنطوانيت
ولدت ماري أنطوانيت سنة 1755، وكانت أمها ماري تيريزا إحدى ملكات النمسا وأوروبا الشهيرات، وكان وجهها معروفا، يكاد يكون نحيلا، وكانت عيناها صغيرتين تشبهان عيني الخنزير، وكانت شفتها غليظة. وزاد الطين بلة أنها لم يكن قوامها معتدلا، حتى كانت وهي طفلة تلف وتعصب حتى يعتدل ما اعوج من قوامها.
وعندما بلغت الرابعة عشرة خطبت إلى ولي عهد فرنسا، وكانت في ذلك الوقت قميئة الهيئة، ليس فيها من صفات الجمال سوى تاج ذهبي من الشعر الكثيف. وبعد عام تزوجت من ولي العهد، وانتقلت إلى البلاط الفرنسي في باريس.
وكان لا يزال للبلاط الفرنسي في حكم لويس الخامس عشر بعض الكرامة في عين الجمهور، وكان لا يزال فيه شيء من لألاء البلاط السابق؛ فكان الناس يأتون كل صباح لكي يروا الملك وهو يلبس ملابسه ويتناول فطوره. يفعل كل ذلك علانية أمامهم، في أبهاء القصر المكشوفة، كأنه ممثل على مسرح، فكان بينه وبين الجمهور ألفة وتعلق.
Halaman tidak diketahui