فاستوثق لها الملك بعض الاستيثاق بهذا النصر، حتى تراخت له، وعادت إلى سيرتها الأولى في العشق، فاستدعت اللورد بوثول، وأخذت معه في ارتشاف كئوس الغرام، وصارت لا تبالي بما يتقول الناس عنها، حتى بلغ بها تحدي العرف والعادة أن صارت تلبس ملابس الرجال، وبلغ سوء الظن بها من أحد شعرائها الفرنسيين، أن اعتقد لكثرة ما رأى استهتارها ومزاحها معه، أنها تحبه وتؤثره على سواه، فانسرق مرة إلى سريرها ونام تحته، فلما عرفت فعلته أخرج بالجر والعنف، ثم حدث مرة أخرى أن دخل إلى فراشها، ونام تحت لحافها، فأخرج أيضا وحكم عليه بالموت، فلما وقف على النطع لم يزد على أن قال: «ويحك أيتها الملكة القاسية، ها أنا ذا أموت لأجلك.»
وكان عندها شاعر إيطالي آخر كان ينظم لها المديح ومقطعات الغزل، لتجيبه بمثلها، وأغلب الظن أنه لم يكن بينهما سوى الإعجاب واللذة الفكرية من تقارض النظم، ولكن الغيرة كانت تأكل زوجها، حتى حدث بينما كانت جالسة إلى المائدة تتعشى هي وشاعرها الإيطالي هذا، واسمه ريتسيو، أن دخل عليها اللورد دارنلي زوجها، وجرد خنجره وطعنه جملة طعنات كانت القاضية عليه.
ومن هذا الوقت صارت ماري تكره زوجها، وكانت تداريه وتسايره؛ لأنها كانت حاملا، وتخشى ألا يعترف بالطفل الذي على وشك أن تلده، وقد صار بعد ذلك ملكا على إنجلترا واسكوتلاندا باسم جيمس الأول.
وكان اللورد بوثول يلازمها لا تطيق فراقه، ويؤثر عنها قولها عنه، وهي في سورة الغرام: «ليس كبيرا علي أن أفقد عرش اسكوتلاندا وعرش إنجلترا معا ما دام هو لي.»
وقد كتبت إليه في هذه الفترة جملة خطابات، فكانت تفضي إلى حبيبها بدخيلة سريرتها، وتظهره على سويداء قلبها.
وحدث بعد ذلك أن قتل زوجها في حادثة تفجر بارود لم يعرف الجاني فيها، ثم عقب ذلك أن ماتت زوجة اللورد بوثول موتا أثار الشكوك، ثم لم يمض على موتها قليل، حتى تزوج اللورد بوثول من ماري.
ولكن هذا الزواج لم يدم طويلا؛ فإن الاسكوتلانديين هاجوا لهاتين الجنايتين؛ فقد خرجا في أدنبره فسارت مركبتهما بين نعيق العامة، وكانت النساء تطلق أوقح الأسماء على الملكة، ونصبت لها رايات كبيرة، رسمت فيها صورة دارنلي وهو يقتل.
ثم ثار عليها النبلاء، فقادت إليهم جموعا من الرعاع ممن اختارتهم لخدمتها، ولكنها انهزمت أمام جيوش النبلاء المنظمة، وقبض عليها، واعتقلت في أحد الآطام، حيث ولدت توأمين هما ثمرة زواجها باللورد بوثول.
وقد قلنا إنه كان لشخصيتها فتنة لا يقوى أحد على مقاومتها، وهذا ما أفادها في معتقلها؛ فقد أغرت الحرس وأغوتهم حتى أطلقوا سبيلها، ومهدوا لها الفرار، وخرجت متنكرة كأنها غسالة ، ولكن رقة يديها وجمال أناملها نما عليها، فقبض عليها وأعيدت، ولكنها عادت ثانية وفرت، يحرسها هذه المرة خمسون فارسا، وواصلت السير حتى دخلت الحدود الإنجليزية، ولكنها لسوء حظها كانت قد استجارت من الرمضاء بالنار؛ فقد قبض عليها الإنجليز، ولفقوا لها تهمة قتلوها بها، بعد أن اعتقلوها مدة.
أما زوجها فقد فر إلى الدانمرك، حيث اعتقله ملكها أيضا، ومات غريبا عن بلاده.
Halaman tidak diketahui