وصورة غير مباشرة في مؤلفات يراد بها إبراز ما لدى العرب من مآثر، ولهذا ينحو أبن قتيبة منحى الجاحظ في اتخاذ الشعر العربي مصدرًا للمعرفة، فيكتب كتابًا في " الأنواء " وآخر في " الأشربة " وثالثًا في " الخيل " ليثبت لأنصار الكتب المترجمة أن في الشعر العربي ما يضاهي حكم الفلاسفة وعلوم العلماء. ولما كان أكثر الشعوبيين أثرًا وأبعدهم صوتًا من طبقة الكتاب فقد حاول أبن قتيبة أن يؤلف لهم كتبًا، يقرب إليهم بها المعرفة ويسهل عليهم تناولها، ويجنبهم بها صعوبة الكتب المتخصصة؛ ولا بأس أن يضع لهم في هذه الكتب شيئًا من حكمة الفرس فذلك أدعى إلى تألفهم، وأقوى أثرًا في صرفهم عن الكتب الفارسية الخالصة، فكان من ذلك تلك الموجزات من أمثال " أدب الكاتب " و" عيون الأخبار " و" المعارف " و" الشعر والشعراء "؛ ولذلك نسمعه يقول في كتاب (عيون الأخبار): " وإني كنت تكلفت لمغفل التأدب من الكتاب كتابًا في المعرفة وفي تقويم اللسان واليد حين تبينت شمول النقص ودروس العلم وشغل السلطان عن إقامة سوق الأدب حتى عفا ودرس " (١)، وفي تبيان هذه الناحية يرى الأستاذ جب أن الكتاب " اضطروا في النهاية إلى الاعتراف بأن العلوم الإنسانية العربية قد انتصرت وأن وظائفهم من ثم تتطلب منهم على الأقل معرفة عابرة بالتراث العربي " وينوه بفضل أبن قتيبة في هذا الصدد لأنه استطاع أن يمزج بالمقتطفات والمختارات العربية شيئًا من مآثر الفرس وحكمتهم (٢) .
ولهذا الموقف كان لابد لأبن قتيبة من أن يتأثر بالجاحظ فيروي كتبه، وينقل منها، ويتبنى بعض آرائه مثل رأيه في أن النادرة يجب أن تورد بلفظ أصحابها ولو كانت ملحونة، ورأيه في استباحة ذكور الغورات في الكتب
(١) عيون الأخبار ١: الصفحة: (ز - ح) .
(٢) حضارة الإسلام: ٩٤ (الترجمة العربية) .