205

History of Andalusian Literature (Era of the Taifas and Almoravids)

تاريخ الأدب الأندلسي (عصر الطوائف والمرابطين)

Penerbit

دار الثقافة

Lokasi Penerbit

بيروت - لبنان

Genre-genre

ومرة واحدة حدثنا ابن خفاجة كيف أطال النظر في رمز الموت، وأظهر التجلد إزاء ذلك المنظر المفزع. لم يحدث ذلك وهو في السفينة " وقد فغر الحمام هناك فاه (١)، وإنما حدث حين كان مسافرا مع صديقه عبد الجليل بن وهبون المرسي، وكانت الطريق مخوفة والعدو يتربص بالمسلمين، وباتا ليلتهما بلورقة، وتوجها في الصباح إلى المرية، وابن خفاجة يتسلى متجلدا، بذكر الأخبار وإنشاد الأشعار، وعبد الجليل من شدة فزعه لا يفهم ما يورده، ولا يعقل ما يسرده، حتى أشرفا على رأسين منصوبين على حجرين، فإذا ابن خفاجة يقترح ان بقولا في ذلك المنظر شعرا. هل هذا دليل قوة أو ضعف؟ هل كان ابن خفاجة يحاول ان يبدو طبيعيا وهو في فزع يطيش له لبه، أو كان متشجعا بمقدار ما أحس لدى رفيقه من فرق وفزع؟
وإذا تجاوز ابن خفاجة هذه الصلة المأساوية بينه وبين الطبيعة أصبحت الطبيعة عنده متكأ ومفترشا للموضوعات الأخرى فهي ذات علاقة بالممدوح في مثله قوله (٢):
لذكرك ما عب الخليج يصفق ... وباسمك ما غنى الحمام المطوق
ومن أجلك اهتز القضيب على النقا ... وأشرق نوار الربى يتفق وقد يكون الفرد مرثيا فتنتحل الطبيعة حركة حزينة في قوله (٣):
في كل ناد منك روض ثناء ... وبكل خد فيك جدول ماء

(١) المصدر نفسه: ١٣٨.
(٢) المصدر نفسه: ١٨٤.
(٣) المصدر نفسه: ١٧٨.

1 / 211