197

History of Andalusian Literature (Era of the Taifas and Almoravids)

تاريخ الأدب الأندلسي (عصر الطوائف والمرابطين)

Penerbit

دار الثقافة

Lokasi Penerbit

بيروت - لبنان

Genre-genre

" يوم كأيام لذات انصرمت " فكفل بذلك تحقيق المقارنة بين الماضي الذي جاء بكل شيء جميل والحاضر الذي جاء أيضًا بكل شيء جميل لولا غيابها:
لو كان وفى المنى في جمعنا بكم ... لكان من أطيب الأيام أخلاقا وقد ارتفع ابن زيدون في هذه القصيدة التي جلا فيها المنظر الطبيعي والعلاقة القائمة بينه وبين ماضيه على اللمحات التذكرية التي عالجها المالقي في مقطعاته الكثيرة، ومضى بالمزج بين الطبيعة والحب في إسهاب. إلا أن ابن زيدون لم يكن من شعراء الطبيعة، إذ لا نجد في ديوانه مواقف أخرى مشبهة لهذا الموقف في هذه القصيدة المتقدمة.
من ثم نرى كيف أصبح المنظر الطبيعي كالقاعدة أو " العامل الكيميائي المساعد " في القصيدة الأندلسية، فهو فاتحة القصيدة أو أساس يبنى عليه موضوع الخمر أو موضوع الحب، ولكن عنصر التشخيص فيه ظل ضعيفا؛ واستغله الوصافون وكتاب المقامات والتراجم وجعلوه قاعدة في السرد لا يقوم المنظر أو المقامة أو الترجمة دون وجوده، وأسرف الفتح ابن خاقان في هذا كل الإسراف حتى طغى المنظر الطبيعي على اكثر حكاياته في تراجم القلائد والمطمح، ونمثل على طريقته بقطعة نموذجية منه: " وأخبرني أنه دخل عليه في دار المزينة، والزهر يحسد إشراق مجلسه، والدر يحكي اطراد تأنسه، وقد رددت الطير شدوها، وجددت طربها وشجوها، والغصون قد التحفت بسندسها، والأزهار تحيي بطيبها تنفسها، والنسيم يلم بها فتضعه بين اجفانها، وتودعه أحاديث آذارها ونيسانها " (١) ومثل هذا كثير في نثر الفتح، وعلى هذا

(١) القلائد: ٩.

1 / 203