بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما" ١.
وفي السنن:
"أن رجلًا كانت له شجرة في أرض غيره، وكان صاحب الأرض يتضرر بدخول صاحب الشجرة، فشكا ذلك إلى النبي ﷺ فأمره أن يقبل منه بدله أو يتبرع له بها فلم يفعل، فأذن لصاحب الأرض في قلعها، وقال لصاحب الشجرة: "إنما أنت مضار" ٢.
فهنا أوجب عليه إذا لم يتبرع بها أن يبيعها، فدل على وجوب البيع عند حاجة المشتري، وأين حاجة هذا من حاجة عموم الناس إلى الطعام؟.
ونظير هؤلاء الذين يتجرون في الطعام بالطحن، والخبز، ونظير هؤلاء صاحب الخان والقيسارية والحمام إذا احتاج الناس إلى الانتفاع بذلك، وهو إنما ضمنها ليتجر فيها، فلو امتنع من إدخال الناس إلا بما شاء وهم يحتاجون لم يمكن من ذلك، وألزم ببذل ذلك بأجرة المثل، كم يلزم الذي يشتري الحنطة ويطحنها ليتجر فيها، والذي يشتري الدقيق ويخبزه ليتجر فيه مع حاجة الناس إلى ما عنده، بل إلزامه ببيع ذلك بثمن المثل أولى وأحرى، بل إذا امتنع من صنعة الخبز والطحن حتى يتضرر الناس بذلك ألزم بصنعتها كما تقدم، وإذا كانت حاجة الناس تندفع إذا عملوا ما يكفي الناس بحيث يشتري إذ ذاك بالثمن المعروف لم يحتج إلى تسعير، وأما إذا كانت حاجة الناس لا تندفع إلا بالتسعير العادل سعر عليهم تسعير عدل، لا وكس، ولا شطط٣.
_________
١ سبق تخريجه.
٢ رواه أبو داود في سننه "١٠/ ٦٤" بنحو هذا اللفظ. ورواه كثير غيره بدون "إنما أنت مضار".
٣ الوكس: النقص، والشطط: الجور، "انظر لسان العرب: وَكَسَ، شَطَطَ".
1 / 42