إحداهما: يثبت، وهو قول الشافعي، والثانية: لا يثبت لعدم الغبن. وثبوت الخيار بالغبن للمسترسل -وهو الذي لا يماكس- هو مذهب مالك وأحمد وغيرهما١، فليس لأهل السوق أن يبيعوا المماكس٢ بسعر ويبيعوا المسترسل٣ الذي لا يماكس أو من هو جاهل بالسعر بأكثر من ذلك السعر هذا مما ينكر على الباعة.
وجاء في الحديث: "غبن المسترسل ربا"٤، وهو بمنزلة تلقي السلع، فإن القادم جاهل بالسعر، ولذلك "نهى النبي ﷺ أن يبيع حاضر لباد، وقال: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض" ٥. وقيل لابن عباس ما قوله: "لا يبيع حاضر لباد"؟ قال: لا يكون له سمسار، وهذا نهي عنه لما فيه من ضرر المشترين، فإن المقيم إذا توكل للقادم في بيع سلعة يحتاج الناس إليها والقادم لا يعرف السعر ضر ذلك المشتري، فقال النبي ﷺ: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض".
ومثل ذلك "الاحتكار" لما يحتاج الناس إليه، روى مسلم في صحيحه عن معمر بن عبد الله أن النبي ﷺ قال: "لا يحتكر إلا خاطئ" ٦. فإن المحتكر هو الذي يعمد إلى شراء ما يحتاج إليه الناس من الطعام فيحبسه عنهم ويريد إغلاءه عليهم، وهو ظالم للخلق المشترين، ولهذا كان لولي الأمر أن يكره الناس على بيع ما عندهم بقيمة المثل عند ضرورة الناس إليه، مثل من عنده طعام لا يحتاج إليه والناس في مخمصة، فإنه يجبر على بيعه للناس بقيمة المثل، ولهذا قال الفقهاء: من اضطر إلى طعام لغير أخذه منه بغير اختياره بقيمة
_________
١ انظر المغني لابن قدامة "٤/ ٢٨٢" وفيه: "وظاهر المذهب أنه لا خيار له إلا مع الغبن لأنه إنما ثبت لأجل الخديعة ودفع الضرر، ولا ضرر مع عدم الغبن، وهذا ظاهر مذهب الشافعي ويحمل إطلاق الحديث في إثبات الخيار على هذا.
٢ المماكس: هو الخبير بالأسعار الذي يساوم الباعة في السلع عند الشراء.
٣ المسترسل: هو الجاهل بقيمة السلعة ولا يحسن المبايعة، وقال بلزوم البيع للمسترسل أبو حنيفة والشافعي، وبالخيار مالك وأحمد بن حنبل. "المغني ٤/ ٧٩".
٤ هذا الحديث ضعفه الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة برقم ٦٦٨.
٥ مسلم ١٠/ ٤٢٠ والبخاري ٤/ ٣٧٢ وأبو داود ٩/ ٣٥٥ و٣٠٦.
٦ مسلم في صحيحه "١١/ ٤٧"، وأبو داود في سننه "٩/ ٣١٣"، وابن ماجه في سننه "٢/ ٧٢٨"، والإمام أحمد في مسنده "٣/ ٤٥٤، ٦/ ٤٠٠".
1 / 21