Pengepungan Troy: Dari Iliad oleh Homer
حصار طروادة: من الإلياذة لهوميروس
Genre-genre
أصبح باريس ضائق الصدر بهذه الحياة التافهة الخاملة - حياة الرعي والرعاة - هذه الحياة التي تحصره في أن يغدو بقطيع أغنامه إلى المرعى، ويروح به إلى المأوى، ولا هم له فيما بين ذلك إلا الجلوس منصتا إلى ثغائها، أو شاردا في مجالي الطبيعة، أو خامدا خاملا، لا فكر في ذهنه، ولا نشاط في جسمه.
ضاقت نفسه بهذه الحياة، وخاصة بعد أن علم حقيقة أمره، وأدرك أنه لم يخلق لهذه الحياة البائسة، وإنما خلق لحياة ناشطة ساعية. فاعتزم التخلي عن حياة الرعي، وشخص إلى طروادة؛ ليتعرف على أبيه وأمه، وليحيا حياة الأمراء في قصور الملوك. وما إن طالعته طروادة، حتى أحس نسائم الحياة الجديدة تصافح وجهه، ودماءها تجري في عروقه، وفورة من النشاط تدب في جسده. فأغذ السير كي يدخل المدينة من أوسع أبوابها، وأن يقدم نفسه لوالديه. وما إن ألقى نفسه بين يديهما، وأماط اللثام عن شخصه، حتى بلغ منهما السرور كل مبلغ، وانزاحت عن قلبيها كل آثار الخوف والضيق، وانقشعت عن نفسيهما سحب الكآبة التي كانت تخيم عليهما منذ أن تركه أبوه فوق قمة الجبل. فقد كانا يظنان أن ابنهما قد تخطفته الطير أو نهشته السباع، ولكن ها هو ذا شاخص أمامهما بلحمه وعظمه. لقد غمرتهما الفرحة، وعمت أرجاء المدينة، وسادها جو مفعم بالحبور والغبطة، لم تذقه منذ سنوات عديدة.
كانت الرغبة التي أثارتها أفروديتي - ربة الجمال والحب - في نفس باريس لا تزال مشتعلة، والوعد الذي وعدته به لا يزال ماثلا بين ناظريه. وعليه أن يسعى لتحقيق رغبته، ويبذل جهده للحصول على ما وعد به، ويحشد كل إمكانات السلطة في سبيل ذلك. ومن ثم راح يعمل هو وإخوته في جمع الأخشاب لبناء سفينة يجوب بها البحار، بحثا عن أجمل امرأة في العالم، تلك التي وعدته بها أفروديتي. وما كان لربة الجمال والحب أن تخيس في وعدها، أو تحنث في عهدها! لكن أخته كاسندرا حذرته مما قد ينجم من عواقب وخيمة عن فعله، وتوسلت إليه أن يكف عن البحث، ويصرف جهده إلى ما يفيد نفسه ووطنه. ولكنه - وقد سيطر هذا الأمل على نفسه - سخر من تحذيرها، وتهكم على ضعفها، وآثر أن يمضي في طريقه.
وتقاذفته البحار حتى ألقت به قريبا من شواطئ إسبرطة. ولما علم مينيلاوس ملكها بقدومه، خف مسرعا إلى الشاطئ لاستقباله والترحيب به، واقترح عليه أن ينزل عنده ضيفا عزيزا. وهناك لقي باريس هيليني زوجة مينيلاوس. وما إن وقع بصره عليها حتى بهره جمالها، وسحرته فتنتها، واستحوذ حبها على فؤاده. فما عاد يستطيع عنها تحولا، ولا يجد عنها منصرفا. لقد أصبح مشدودا إليها بقوة خفية، لا يدري كنهها، ولا يستطيع مقاومتها. لقد كانت آية في الجمال، وفتنة للناظرين. إنها هي التي وعدته بها أفروديتي - ربة الجمال والحب - فما يظن أن هناك على وجه الأرض من هي أروع منها جمالا، أو أشد سحرا ودلالا! فقرر أن يعود بها إلى طروادة مهما كانت الصعاب التي تقف في سبيله، ومهما كانت العقبات التي تحول بينه وبينها. إن عليه أن يقهر الصعاب، ويتخطى العقبات، ويحطم الحواجز والسدود في سبيل تحقيق هذه الرغبة.
وانتهز فرصة خروج الملك مينيلاوس في رحلة بحرية إلى جزيرة كريت، وراح يتقرب من هيليني، ويطري جمالها، ويفصح عن حبه لها. وما زال يتملق عواطفها، ويغريها بالذهاب معه، حتى استجابت له، ونقلت كل ما استطاعت من كنوز قصر زوجها الملك مينيلاوس إلى سفن الطرواديين. ثم أبحرت السفن تتهادى بهيليني وما حملت من تحف وكنوز، وباريس في سفينته وإلى جانبه من كان يحلم بها، يكاد يطير من شدة الفرح. وبلغت به السعادة مبلغا لا يحيط به الوصف، وتعجز الكلمات عن تصويره؛ فقد ظفر بمن كان يريد، ظفر بما وعدته به أفروديتي - ربة الجمال والحب - فلا يعنيه ماذا تكون العاقبة، ولا يعنيه ما قد يصنعه الملك مينيلاوس. لقد حجبت الغشاوة بصره وبصيرته عن التفكير في العاقبة.
الفصل الثاني
الوفاء بالعهد
لم تنس الربتان، هيرا وأثينة، صنيع باريس فيهما، وكيف ضن عليهما بالتفاحة الذهبية، وآثر عليهما الربة أفروديتي؛ لذلك كانتا تتحينان الفرصة لتمكرا به أشد المكر. فما إن فعل فعلته حتى أرسلتا إلى مينيلاوس في كريت رسول الآلهة إيريس لتخبره بالواقعة، ولتثير غيظه وحفيظته على هذا الذي استضافه في قصره، فلم يرع له حقا ولا ذمة، وإنما خانه بإغراء زوجته، بالهرب معه إلى طروادة. وما كان مينيلاوس في حاجة إلى من يثيره، فهو يحب هيليني حبا جما. ومن ثم وقع الخبر عليه وقوع الصاعقة، وضاقت عليه الأرض بما رحبت، وراحت كل ذرة في كيانه تطالبه بالانتقام والثأر لكرامته، والذود عن شرفه. ولكن كيف؟ إن طروادة بعيدة، وتحتاج مجهودا جبارا كي يصل إليها. كما أن ملكها برياموس رجل قوي الشكيمة، شديد البأس، واسع النفوذ، لا يؤتى من ضعف، ولا يغلب من قلة العدد والعدة. فليذهب إلى أخيه أغاممنون - ملك موكيناي - يلتمس عنده الرأي والمشورة والمعونة.
وصل مينيلاوس إلى قصر أخيه أغاممنون، فوجده يتحدث إلى الملك العجوز الحكيم نسطور، الذي كان ملكا على بيلوس، وكان يعرف هيليني معرفة جيدة، ويدرك مدى تعلق مينيلاوس بها، ويدرك ما في هذا العمل الذي اقترفه باريس من نذالة وخسة، وما يلحقه بمينيلاوس من ذل وعار. فقام من فوره يسعى بين أمراء إسبرطة الذين تعاهدوا على معاونة من تختاره هيليني زوجا لها على الاحتفاظ بها، ليذكرهم بما تعاهدوا عليه، وليستنجزهم وعدهم الذي قطعوه على أنفسهم لأبيها. وأسعفته في ذلك الربتان هيرا وأثينة؛ إذ أوغرتا صدور الأمراء على باريس، الذي انتهك حرمة وطنهم، وداس كرامته؛ فقد كانتا تمقتان باريس أشد المقت. وإذا الأمراء يلبون ما طلب نسطور الملك العجوز الحكيم، ويهبون مسرعين لنجدة مينيلاوس، ويتنادون للاستعداد بالسفن والرجال والسلاح.
واحتشد الجيش الإغريقي في أوليس، فوق شاطئ البحر، وتجمعت السفن، واستعدت لتمخر عباب البحر. وألقى أغاممنون نظرة على هذا الجيش الضخم، الذي اختاره الأمراء قائدا له، فامتلأت نفسه ثقة في النصر، فلن يغلبوا اليوم من قلة عدد وعدة. لقد خرج الأمراء جميعا، لم ينكص على عقبه منهم أحد، ولم يحنث في عهده منهم أمير. حتى نسطور الملك العجوز خرج معهم، ينير طريقهم بحكمته، ويسدد خطاهم بمشورته. وكذلك خرج ولداه الشجاعان، وأخيليوس ملك المورميدونيين، الذي تروى عن شجاعته الأساطير، وسارت بذكرها الركبان؛ فهو ابن بيلوس وربة البحر ثيتيس.
Halaman tidak diketahui