كنت أذهب إلى بيت أختي في مواعيد منتظمة، وكنت كلما شهدت التناقض بين ما تراه عيني وما تسمعه أذني أزداد لهفة عليها وخوفا، وفي يوم ذهبت في غير موعدي فوجدتها في حجرة مغلقة مع زوجها، فمكثت أنتظر خروجها، وخرجت بعد وقت لم يطل. - وبماذا تبررين هذه الدموع؟ - دموع فرح. - دموع الفرح ليست غزيرة كهذه الدموع. - أتعرف لها عددا معينا. - دمعة واحدة أو اثنتين. - ولكن الفرح الكبير له دموع كثيرة. - ليست هذه دموع فرح.
لم أكن قبل ذلك أسأل زوجها عن شيء، ولكنني في ذلك اليوم ... - لماذا؟ - ماذا؟ - لماذا لا تسعدها؟ - هل شكت؟ - دون أن تتكلم. - ليس هناك ما تشكو منه. - لأنك تمنعها من الشكوى. - بل لأنها لا تجد ما تشكو منه. - لعلها لا تريد أن تزعجني. - حين تشكو إليك اسأل. - ولكن لماذا لا تسعدها؛ لقد وهبت لك أغلى ما ادخرته في حياتها. - إنما أصنع كل ما أصنعه لإسعادها.
لن يفيد هذا المخدر الذي يبثونه عبر النوافذ ومن تحت الباب. فإني مفيق.
وإني أذكر، أذكر حين ذهبت إليها مرة أخرى على غير موعد فوجدت زوجها يضربها في البهو بعصا غليظة، وهي صامتة جامدة وهو يضرب ويضرب.
ولم أفكر، ووجدت نفسي أهجم على العصا لأوقفها، وقبل أن أصل كنت هنا في هذه الغرفة.
لا أتنفس، ولكنني أعيش، إن الحياة التي في داخلي تجعلني أعيش.
إنها حياتي وحياة أختي في جسمي أنا، لا يهمني في شيء أن تقفل النوافذ جميعا والأبواب؛ فأنا لا أحتاج لشيء فحياتي في داخلي، وإنني مفيق، إنني مفيق، إن حياتي جميعها تستمد بقاءها من أنني مفيق، وإنني مفيق.
حين يميل الميزان
لا، أنا لا أريد أن أقص عليك، ولا أريد أن أدافع عن نفسي؛ فإني أصبحت وأنا في غير حاجة للدفاع أمام أحد، لا تظن أنك من علماء النفس وتحاول أن تقول إنني أدافع عن نفسي أمام نفسي، فحتى هذا أنا لا أحتاج إليه؛ إنني أقوى من هذا جميعه، الضعفاء وحدهم هم الذين يحاولون أن يدافعوا عن أنفسهم أمام الناس أو أمام أنفسهم، وأنا لست ضعيفا ولن أكون ضعيفا، أنا قوي، قوي. قد تقول أنت في محاولتك المتهافتة للتحليل إنني أصبحت ظالما وإن الظلم غير القوة. هذر هذا الذي تقول؛ إن الظلم هو القوة، العدل الوحيد الذي أعرفه في العالم هو هذا الذي يلقنه الأساتذة لتلاميذهم، أما الناس في الحياة فهم إما ظالمون أو مظلومون، إذا ملكوا ما يجعلهم أقوياء فهم ظالمون، وإذا وقعوا بين أنياب من هو أقوى منهم أصبحوا مظلومين، ولماذا تطلب العدل بين الناس والعالم كله تحكمه القوة، القوة وحدها، ولا يجرؤ أحد أن يقول هذا ظلم؛ دولة تغتال أخرى، وتقول هذا هو العدل، إنما عدلها هو القوة، وهو عدل ظالم، ويعرف العالم أجمع أنه عدل ظالم، ولكن القوة تؤيده فهو عدل عادل.
أنا لا أحاول أن أدافع عن نفسي؛ فأنا قوي ، لا ولا أحاول أن أبرر ما أفعله؛ فلست في حاجة إلى تبرير، لا ولا أريد أن أقص عليك شيئا؛ فأنا لست مأجورا لتسليتك، وإنما أنا أريد أن أتكلم، ومن مظاهر القوة الرائعة أن يتكلم القوي حين يطيب له أن يتكلم، ويسكت حين يحلو له أن يسكت، ومن مظاهر القوة أيضا أن يسمع له الناس إذا تكلم وأن يحترموا صمته إذا صمت، تلك هي القوة، وأنا قوي، أتكلم حين أريد وأسكت حين أشاء، وعلى الناس أن يسمعوا إذا شئت حديثا، وعليهم أيضا ألا يسألوني حديثا إذا لم أرد أن أقول.
Halaman tidak diketahui