وقال الأحنف بن قيس: لا تزال العرب عَرَبًا ما لبست العمائم، وتقلدت السيوف، ولم تَعْدُد الحِلم ذُلًاّ.
وكان لرسول الله ﷺ جملة أسياف، فمنها) ذو الفَقَار (الذي غَنِمه يومَ بَدْر، وكان لمنِّبه بن الحجاج. ومنها) العَضْب (كان قد أعطاه لسعد بن عُبادة. ومنها) البتَّار (. و) المِخذم (. و) الرَّسوب (. و) الحَتْف (. وكان له سيف قَلَعيّ أصابه من سلاح بني قَيْنُقَاع. وكان له سيف آخر ورثه عن أبيه. فهذه جملة من أسيافه ﵊ فيما ذكر.
وروى أن عُكّاشة بن مِحْصَن قاتل بسيفه يوم بدر حتى انكسر في يده، فأتى رسول الله ﷺ فأعطاه جِذْلًا من حطب، وقال له: قاتل بهذا يا عُكَّاشة! فلما أخذه من رسول الله ﷺ هزَّه فعاد سيفًا في يده طويل القامة، شديد المتن، أبيض الحديدة. فقاتل به حتى فَتحَ الله على المسلمين وكان ذلك السيف يسمى) العَوْن (. ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله ﷺ، حتى قتل في خلافة أبي بكر ﵁.
وروى أن عبد الله بن جحش انقطع سيفه يوم أُحُد، فأعطاه رسول الله ﷺ عُرْجُون نخلة؛ فصار في يده سيفًا قائِمُهُ منه، وكان يسمى) العُرجون (. ولم يزل يُتَناول حتى بيع من) بغا (التركي.
وكانت العرب تقول:) السيف ظل الموت، ولُعاب المنيّة (. وكانت تكنيه) أبا الوجَل (.
ومن أمثالهم فيه قولهم:) سَبَقَ السيفُ العَذَل (. وقولهم:) محا السيف ما قال ابْنُ دَارَةَ أجمعا (.
وقال بعضهم: السيف هو الصاحب الوليُّ، والصديق الوفيُّ، والرسول الوَحِيُّ.
وقال أبو تمام الطائي:
السيف أصدق أنباءً من الكتب ... في حده الحدُّ بين الجد واللعب
بِيض الصفائح لا سُود الصحائف في ... متونهن جَلاَءُ الشكِّ والرِّيبِ
والسيف يُغنى عن غيره، ولا يُغنى عنه غيره في الأكثر، ويُعْمل به عمل السلاح كله. قال جامعٌ المحاربيُّ: إذا التقى السيفُ السيفَ زال الخيار.
وقال أبو الطيب:
حقرت الردينيات حتى تركتها ... وحتى كأن السيف للرمح شاتم
وقيل إن العرب كانت تطعن به كالرمح، وتضرب به كالعمود، وتقطع به كالسِّكِّين، وتجعله سوطًا ومقرعة، وتتخذه جمالًا في الملإ، وسِراجًا في الظلمة، وأُنسًا في الوحدة، وجليسًا في الخلاء، وضجيعًا للنائم، ورفيقًا للسائر. وتسميه عِطَافًا، ووِشاحًا، وعصًا، ورداءً، وثَوبًا.
وهو قاضي القتال، وفيصل الحُكْم بين الرجال. وبذلك كله وردت الأشعار، وصارت الأمثال والأخبار.
قال عُتبةُ بن عَبْد السُّلَمِيّ: أعطاني رسول الله ﷺ سيفًا قصيرًا، فقال: إن لم تستطع أنْ تضرب به فاطعن به طَعْنًا.
سأل أعرابي ابنين كانا له عن أي السيوف أحب إليهما. فقال أحدهما:) الصقيل الحسام، الباتر المخذام، الماضي السِّطام، المرهف الصِّمصام، الذي إذا هززته لم يكْبُ، وإذا ضربت به لم يَنْبُ (. فقال للآخر: فما تقول أنت؟ فقال:) نِعْمَ السيف نَعَتَ! وغيرُه أحبُ إليَّ منه (. قال: وما هو؟ قال:) الحسام القاطع، والرونق اللامع، الظمآن الجائع! الذي إذا هززته هَتَك، وإذا ضربت به فتك (! فقال لهما: أخبراني عن أبغض السيوف إليكما؟ فقال أحدهما:) الفُطار الكَهام، النابي عن اللحم والعظام، الذي إذا ضُرب به لم يقطع، وإذا ذُبح به لم ينجع (. فقال للآخر: فما تقول أنت؟ قال: بئس السيف نَعَت! وغيره أبغض إليَّ منه. قال: وما هو؟ قال:) الطَّبِعُ الدَّدان، المِعْضَد المهان، الذي أن ضُرب لم يُسِلِ الدَّمَ، وإن أنت أكرهته (.
السِّطام: هو حد السيف وغيره، والفُطار: هو الذي لا يقطع.
ويروى أن عُمَرَ بن الخطاب ﵁ قال يومًا: مَنْ أجود العرب؟ قيل له: حاتم الطائي. قال: فمن شاعرها؟ قيل له: امرؤ القيس. قال: فأي سيوفها أمضى؟) قيل (: صَمْصَامة عمرو بن مَعْد يكَرِبَ الزُّبيدي. قال. فبعث عُمَرُ إلى عَمْرو أن يبعث إليه سيفه المعروف بالصَّمصَامة، فبعث به إليه، لما ضرب به وجده دون ما كان يبلغه عنه؛ فكتب إليه في ذلك، فرد إليه: إني إنما بعثت إلى أمير المؤمنين بالسيف، ولم أبعث إليه بالساعد الذي يضرب به.
1 / 42