Perhiasan Para Wali dan Tingkatan Para Suci
حلية الأولياء و طبقات الأصفياء
Penerbit
مطبعة السعادة
Lokasi Penerbit
بجوار محافظة مصر
وَمَنْ حَزِنَ فَبَشِّرُوهُ، وَإِنِ اسْتَجَارَ بِكُمْ مَلْهُوفٌ فَأَجِيرُوهُ، يَا أَوْلِيَائِي لَكُمْ عَاتَبْتُ، وَفِي إِيَّاكُمْ رَغِبْتُ، وَمِنْكُمُ الْوَفَاءُ طَلَبْتُ، وَلَكُمُ اصْطَفَيْتُ وَانْتَخَبْتُ، وَلَكُمُ اسْتَخْدَمْتُ وَاخْتَصَصْتُ، لِأَنِّي لَا أُحِبُّ اسْتِخْدَامَ الْجَبَّارِينَ، وَلَا مُوَاصَلَةَ الْمُتَكَبِّرِينَ، وَلَا مُصَافَاةَ الْمُخَلِّطِينَ، وَلَا مُجَاوَبَةَ الْمُخَادِعِينَ، وَلَا قُرْبَ الْمُعْجِبِينَ، وَلَا مُجَالَسَةَ الْبَطَّالِينَ، وَلَا مُوَالَاةَ الشَّرِهِينَ. يَا أَوْلِيَائِي جَزَائِي لَكُمْ أَفْضَلُ الْجَزَاءِ، وَعَطَائِي لَكُمْ أَجْزَلُ الْعَطَاءِ، وَبَذْلِي لَكُمْ أَفْضَلُ الْبَذْلِ، وَفَضْلِي عَلَيْكُمْ أَكْثَرُ الْفَضْلِ، وَمُعَامَلَتِي لَكُمْ أَوَفَى الْمُعَامَلَةِ، وَمُطَالَبَتِي لَكُمْ أَشَدُّ الْمُطَالَبَةِ، أَنَا مُجْتَنِي الْقُلُوبِ، وَأَنَا عَلَّامُ الْغُيُوبِ، وَأَنَا مُرَاقِبُ الْحَرَكَاتِ، وَأَنَا مُلَاحِظُ اللَّحَظَاتِ، أَنَا الْمُشْرِفُ عَلَى الْخَوَاطِرِ، أَنَا الْعَالِمُ بِمَجَالِ الْفِكْرِ، فَكُونُوا دُعَاةً إِلَيَّ، لَا يُفْزِعْكُمْ ذُو سُلْطَانٍ سُوَائِي، فَمَنْ عَادَاكُمْ عَادَيْتُهُ، وَمَنْ وَالَاكُمْ وَالَيْتُهُ، وَمَنْ آَذَاكُمْ أَهْلَكْتُهُ، وَمَنْ أَحْسَنَ إِلَيْكُمْ جَازَيْتُهُ، وَمَنْ هَجَرَكُمْ قَلَيْتُهُ " قَالَ الشَّيْخُ ﵀: وَهُمُ الشَّغِفُونَ بِهِ وَبِوِدِّهِ، وَالْكَلِفُونَ بِخِطَابِهِ وَعَهْدِهِ
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْمَدَايِنِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُسَيَّبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: " إِنَّ مُوسَى ﵇ قَالَ: يَا رَبِّ أَخْبِرْنِي بِأَكْرَمِ خَلْقِكَ عَلَيْكَ، قَالَ: الَّذِي يُسْرِعُ إِلَى هَوَايَ إِسْرَاعَ النِّسْرِ إِلَى هَوَاهُ، وَالَّذِي يَكَلَفْ بِعِبَادِي الصَّالِحِينَ كَمَا يَكْلَفُ الصَّبِيُّ بِالنَّاسِ، وَالَّذِي يَغْضَبُ إِذَا انْتُهِكَتْ مَحَارِمِي غَضَبَ النَّمِرِ لِنَفْسِهِ، فَإِنَّ النَّمِرَ إِذَا غَضِبَ لَمْ يُبَالِ أَقَلَّ النَّاسُ أَمْ كَثُرُوا "
حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَصْقَلَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ الْحَنَّاطُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْفَيْضِ ذُو النُّونِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: " إِنَّ لِلَّهِ ﷿ لَصَفْوَةً مِنْ خَلْقِهِ، وَإِنَّ لِلَّهِ ﷿ لَخِيَرَةً، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا الْفَيْضِ فَمَا عَلَامَتُهُمْ؟ قَالَ: " إِذَا خَلَعَ الْعَبْدُ الرَّاحَةَ، وَأَعْطَى الْمَجْهُودَ فِي الطَّاعَةِ، وَأَحَبَّ سُقُوطَ الْمَنْزِلَةِ. ثُمَّ قَالَ: [البحر الكامل] ⦗١٤⦘ مَنَعَ الْقُرَانُ بِوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ ... مُقَلَ الْعُيُونِ بِلَيْلِهَا أَنْ تَهْجَعَا فَهِمُوا عَنِ الْمَلِكِ الْكَرِيمِ كَلَامَهُ ... فَهْمًا تَذِلُّ لَهُ الرِّقَابُ وَتَخْضَعَا وَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ كَانَ فِي الْمَجْلِسِ حَاضِرًا: يَا أَبَا الْفَيْضِ مَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ يَرْحَمُكَ اللهُ؟ فَقَالَ: «وَيْحَكَ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ جَعَلُوا الرُّكَبَ لِجِبَاهِهِمْ وِسَادًا، وَالتُّرَابَ لِجُنُوبِهِمْ مِهَادًا، هَؤُلَاءِ قَوْمٌ خَالَطَ الْقُرْآنُ لُحُومَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ فَعَزَلَهُمْ عَنِ الْأَزْوَاجِ، وَحَرَّكَهُمْ بِالْإِدْلَاجِ فَوَضَعُوهُ عَلَى أَفْئِدَتِهِمْ فَانْفَرَجَتْ، وَضَمُّوهُ إِلَى صُدُورِهِمْ فَانْشَرَحَتْ، وَتَصَدَّعَتْ هِمَمُهُمْ بِهِ فَكَدَحَتْ، فَجَعَلُوهُ لِظُلْمَتِهِمْ سِرَاجًا، وَلِنَوْمِهِمْ مِهَادًا، وَلِسَبِيلِهِمْ مِنْهَاجًا، وَلِحُجَّتِهِمْ إِفْلَاجًا، يَفْرَحُ النَّاسُ وَيَحْزَنُونَ، وَيَنَامُ النَّاسُ وَيَسْهَرُونَ، وَيُفْطِرُ النَّاسُ وَيَصُومُونَ، وَيَأْمَنُ النَّاسُ وَيَخَافُونَ، فَهُمْ خَائِفُونَ، حَذِرُونَ، وَجِلُونَ، مُشْفِقُونَ، مُشَمِّرُونَ، يُبَادِرُونَ مِنَ الْفَوْتِ، وَيَسْتَعِدُّونَ لِلْمَوْتِ، لَمْ يَتَصَغَّرْ جَسِيمُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ لِعِظَمِ مَا يَخَافُونَ مِنَ الْعَذَابِ، وَخَطَرِ مَا يُوعَدُونَ مِنَ الثَّوَابِ، دَرَجُوا عَلَى شَرَائِعِ الْقُرْآنِ، وَتَخَلَّصُوا بِخَالِصِ الْقُرْبَانِ، وَاسْتَنَارُوا بِنُورِ الرَّحْمَنِ، فَمَا لَبِثُوا أَنْ أَنْجَزَ لَهُمُ الْقُرْآنُ مَوْعُودَهُ، وَأَوْفَى لَهُمْ عُهُودَهُمْ، وَأَحَلَّهُمْ سُعُودَهُ، وَأَجَارَهُمْ وَعِيدَهُ، فَنَالُوا بِهِ الرَّغَائِبَ، وَعَانَقُوا بِهِ الْكَوَاعِبَ، وَأَمِنُوا بِهِ الْعَوَاطِبَ، وَحَذِرُوا بِهِ الْعَوَاقِبَ، لِأَنَّهُمْ فَارَقُوا بَهْجَةَ الدُّنْيَا بِعَيْنٍ قَالِيَةٍ، وَنَظَرُوا إِلَى ثَوَابِ الْآخِرَةِ بِعَيْنٍ رَاضِيَةٍ، وَاشْتَرَوُا الْبَاقِيَةَ بِالْفَانِيَةِ، فَنِعْمَ مَا اتَّجَرُوا رَبِحُوا الدَّارَيْنِ، وَجَمَعُوا الْخَيْرَيْنِ، وَاسْتَكْمَلُوا الْفَضْلَيْنِ، بَلَغُوا أَفْضَلَ الْمَنَازِلَ بِصَبْرِ أَيَّامٍ قَلَائِلَ، قَطَعُوا الْأَيَّامَ بِالْيَسِيرِ، حِذَارَ يَوْمٍ قَمْطَرِيرٍ، وَسَارَعُوا فِي الْمُهْلَةِ، وَبَادَرُوا خَوْفَ حَوَادِثِ السَّاعَاتِ، وَلَمْ يَرْكَبُوا أَيَّامَهُمْ بِاللهْوِ وَاللَّذَّاتِ، بَلْ خَاضُوا الْغَمَرَاتِ لِلْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، أَوْهَنَ وَاللهِ قُوَّتَهُمُ التَّعَبُ، وَغَيَّرَ أَلْوَانَهُمُ النَّصَبُ، وَذَكَرُوا نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ، مُسَارِعِينَ إِلَى الْخَيْرَاتِ، مُنْقَطِعِينَ عَنِ اللهَوَاتِ، بَرِيئُونَ مِنَ الرِّيَبِ وَالْخَنَا، فَهُمْ خُرْسٌ فُصَحَاءُ، وَعُمْيٌ بُصَرَاءُ، فَعَنْهُمْ تَقْصُرُ الصِّفَاتُ، وَبِهِمْ تُدْفَعُ النَّقَمَاتُ، وَعَلَيْهِمْ تَنْزِلُ الْبَرَكَاتُ، فَهُمْ أَحْلَى النَّاسِ مَنْطِقًا وَمَذَاقًا، وَأَوْفَى ⦗١٥⦘ النَّاسِ عَهْدًا وَمِيثَاقًا، سِرَاجُ الْعِبَادِ، وَمَنَارُ الْبِلَادِ، مَصَابِيحُ الدُّجَى، وَمَعَادِنُ الرَّحْمَةِ، وَمَنَابِعُ الْحِكْمَةِ، وَقَوَامُ الْأُمَّةِ، تَجَافَتْ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ، فَهُمْ أَقْبَلُ النَّاسِ لِلْمَعْذِرَةِ، وَأَصْفَحَهُمْ لِلْمَغْفِرَةِ، وَأَسْمَحَهُمْ بِالْعَطِيَّةِ، فَنَظَرُوا إِلَى ثَوَابِ اللهِ ﷿ بِأَنْفُسٍ تَائِقَةٍ، وَعُيُونٍ رَامِقَةٍ، وَأَعْمَالٍ مُوَافِقَةٍ، فَحَلُّوا عَنِ الدُّنْيَا مَطِيِّ رِحَالِهِمْ، وَقَطَعُوا مِنْهَا حِبَالَ آمَالِهِمْ، لَمْ يَدَعْ لَهُمْ خَوْفُ رَبِّهِمْ ﷿ مِنْ أَمْوَالِهِمْ تَلِيدًا وَلَا عَتِيدًا، فَتَرَاهُمْ لَمْ يَشْتَهُوا مِنَ الْأَمْوَالِ كُنُوزَهَا، وَلَا مِنَ الْأَوْبَارِ خُزُوزَهَا، وَلَا مِنَ الْمَطَاءِ عَزِيزَهَا، وَلَا مِنَ الْقُصُورِ مَشِيدَهَا، بَلَى وَلَكِنَّهُمْ نَظَرُوا بِتَوْفِيقِ اللهِ تَعَالَى لَهُمْ وَإِلْهَامِهِ إِيَّاهُمْ، فَحَرَّكَهُمْ مَا عَرَفُوا بِصَبْرِ أَيَّامٍ قَلَائِلَ، فَضَمُّوا أَبْدَانَهُمْ عَنِ الْمَحَارِمِ، وَكَفُّوا أَيْدِيَهُمْ عَنْ أَلْوَانِ الْمَطَاعِمِ، وَهَرَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنِ الْمَآثِمِ، فَسَلَكُوا مِنَ السَّبِيلِ رَشَادَهُ، وَمَهَّدُوا لِلرَّشَادِ مِهَادَهُ، فَشَارَكُوا أَهْلَ الدُّنْيَا فِي آخِرَتِهِمْ، عَزُّوا عَنِ الرَّزَايَا وَغُصَصِ الْمَنَايَا، هَابُوا الْمَوْتَ وَسَكَرَاتِهِ وَكُرْبَاتِهِ وَفَجَعَاتِهِ، وَمِنَ الْقَبْرِ وَضِيقِهِ، وَمُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ، وَمِنِ ابْتِدَارِهِمَا وَانْتِهَارِهِمَا وَسُؤَالِهِمَا، وَمِنَ الْمَقَامِ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ عَزَّ ذِكْرُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ» قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نُعَيْمٍ ﵀: وَهُمْ مَصَابِيحُ الدُّجَى، وَيَنَابِيعُ الرُّشْدِ وَالْحِجَى، خُصُّوا بِخَفِيِّ الِاخْتِصَاصِ، وَنُقُّوا مِنَ التَّصَنُّعِ بِالْإِخْلَاصِ
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْمَدَايِنِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُسَيَّبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: " إِنَّ مُوسَى ﵇ قَالَ: يَا رَبِّ أَخْبِرْنِي بِأَكْرَمِ خَلْقِكَ عَلَيْكَ، قَالَ: الَّذِي يُسْرِعُ إِلَى هَوَايَ إِسْرَاعَ النِّسْرِ إِلَى هَوَاهُ، وَالَّذِي يَكَلَفْ بِعِبَادِي الصَّالِحِينَ كَمَا يَكْلَفُ الصَّبِيُّ بِالنَّاسِ، وَالَّذِي يَغْضَبُ إِذَا انْتُهِكَتْ مَحَارِمِي غَضَبَ النَّمِرِ لِنَفْسِهِ، فَإِنَّ النَّمِرَ إِذَا غَضِبَ لَمْ يُبَالِ أَقَلَّ النَّاسُ أَمْ كَثُرُوا "
حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَصْقَلَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ الْحَنَّاطُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْفَيْضِ ذُو النُّونِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: " إِنَّ لِلَّهِ ﷿ لَصَفْوَةً مِنْ خَلْقِهِ، وَإِنَّ لِلَّهِ ﷿ لَخِيَرَةً، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا الْفَيْضِ فَمَا عَلَامَتُهُمْ؟ قَالَ: " إِذَا خَلَعَ الْعَبْدُ الرَّاحَةَ، وَأَعْطَى الْمَجْهُودَ فِي الطَّاعَةِ، وَأَحَبَّ سُقُوطَ الْمَنْزِلَةِ. ثُمَّ قَالَ: [البحر الكامل] ⦗١٤⦘ مَنَعَ الْقُرَانُ بِوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ ... مُقَلَ الْعُيُونِ بِلَيْلِهَا أَنْ تَهْجَعَا فَهِمُوا عَنِ الْمَلِكِ الْكَرِيمِ كَلَامَهُ ... فَهْمًا تَذِلُّ لَهُ الرِّقَابُ وَتَخْضَعَا وَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ كَانَ فِي الْمَجْلِسِ حَاضِرًا: يَا أَبَا الْفَيْضِ مَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ يَرْحَمُكَ اللهُ؟ فَقَالَ: «وَيْحَكَ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ جَعَلُوا الرُّكَبَ لِجِبَاهِهِمْ وِسَادًا، وَالتُّرَابَ لِجُنُوبِهِمْ مِهَادًا، هَؤُلَاءِ قَوْمٌ خَالَطَ الْقُرْآنُ لُحُومَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ فَعَزَلَهُمْ عَنِ الْأَزْوَاجِ، وَحَرَّكَهُمْ بِالْإِدْلَاجِ فَوَضَعُوهُ عَلَى أَفْئِدَتِهِمْ فَانْفَرَجَتْ، وَضَمُّوهُ إِلَى صُدُورِهِمْ فَانْشَرَحَتْ، وَتَصَدَّعَتْ هِمَمُهُمْ بِهِ فَكَدَحَتْ، فَجَعَلُوهُ لِظُلْمَتِهِمْ سِرَاجًا، وَلِنَوْمِهِمْ مِهَادًا، وَلِسَبِيلِهِمْ مِنْهَاجًا، وَلِحُجَّتِهِمْ إِفْلَاجًا، يَفْرَحُ النَّاسُ وَيَحْزَنُونَ، وَيَنَامُ النَّاسُ وَيَسْهَرُونَ، وَيُفْطِرُ النَّاسُ وَيَصُومُونَ، وَيَأْمَنُ النَّاسُ وَيَخَافُونَ، فَهُمْ خَائِفُونَ، حَذِرُونَ، وَجِلُونَ، مُشْفِقُونَ، مُشَمِّرُونَ، يُبَادِرُونَ مِنَ الْفَوْتِ، وَيَسْتَعِدُّونَ لِلْمَوْتِ، لَمْ يَتَصَغَّرْ جَسِيمُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ لِعِظَمِ مَا يَخَافُونَ مِنَ الْعَذَابِ، وَخَطَرِ مَا يُوعَدُونَ مِنَ الثَّوَابِ، دَرَجُوا عَلَى شَرَائِعِ الْقُرْآنِ، وَتَخَلَّصُوا بِخَالِصِ الْقُرْبَانِ، وَاسْتَنَارُوا بِنُورِ الرَّحْمَنِ، فَمَا لَبِثُوا أَنْ أَنْجَزَ لَهُمُ الْقُرْآنُ مَوْعُودَهُ، وَأَوْفَى لَهُمْ عُهُودَهُمْ، وَأَحَلَّهُمْ سُعُودَهُ، وَأَجَارَهُمْ وَعِيدَهُ، فَنَالُوا بِهِ الرَّغَائِبَ، وَعَانَقُوا بِهِ الْكَوَاعِبَ، وَأَمِنُوا بِهِ الْعَوَاطِبَ، وَحَذِرُوا بِهِ الْعَوَاقِبَ، لِأَنَّهُمْ فَارَقُوا بَهْجَةَ الدُّنْيَا بِعَيْنٍ قَالِيَةٍ، وَنَظَرُوا إِلَى ثَوَابِ الْآخِرَةِ بِعَيْنٍ رَاضِيَةٍ، وَاشْتَرَوُا الْبَاقِيَةَ بِالْفَانِيَةِ، فَنِعْمَ مَا اتَّجَرُوا رَبِحُوا الدَّارَيْنِ، وَجَمَعُوا الْخَيْرَيْنِ، وَاسْتَكْمَلُوا الْفَضْلَيْنِ، بَلَغُوا أَفْضَلَ الْمَنَازِلَ بِصَبْرِ أَيَّامٍ قَلَائِلَ، قَطَعُوا الْأَيَّامَ بِالْيَسِيرِ، حِذَارَ يَوْمٍ قَمْطَرِيرٍ، وَسَارَعُوا فِي الْمُهْلَةِ، وَبَادَرُوا خَوْفَ حَوَادِثِ السَّاعَاتِ، وَلَمْ يَرْكَبُوا أَيَّامَهُمْ بِاللهْوِ وَاللَّذَّاتِ، بَلْ خَاضُوا الْغَمَرَاتِ لِلْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، أَوْهَنَ وَاللهِ قُوَّتَهُمُ التَّعَبُ، وَغَيَّرَ أَلْوَانَهُمُ النَّصَبُ، وَذَكَرُوا نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ، مُسَارِعِينَ إِلَى الْخَيْرَاتِ، مُنْقَطِعِينَ عَنِ اللهَوَاتِ، بَرِيئُونَ مِنَ الرِّيَبِ وَالْخَنَا، فَهُمْ خُرْسٌ فُصَحَاءُ، وَعُمْيٌ بُصَرَاءُ، فَعَنْهُمْ تَقْصُرُ الصِّفَاتُ، وَبِهِمْ تُدْفَعُ النَّقَمَاتُ، وَعَلَيْهِمْ تَنْزِلُ الْبَرَكَاتُ، فَهُمْ أَحْلَى النَّاسِ مَنْطِقًا وَمَذَاقًا، وَأَوْفَى ⦗١٥⦘ النَّاسِ عَهْدًا وَمِيثَاقًا، سِرَاجُ الْعِبَادِ، وَمَنَارُ الْبِلَادِ، مَصَابِيحُ الدُّجَى، وَمَعَادِنُ الرَّحْمَةِ، وَمَنَابِعُ الْحِكْمَةِ، وَقَوَامُ الْأُمَّةِ، تَجَافَتْ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ، فَهُمْ أَقْبَلُ النَّاسِ لِلْمَعْذِرَةِ، وَأَصْفَحَهُمْ لِلْمَغْفِرَةِ، وَأَسْمَحَهُمْ بِالْعَطِيَّةِ، فَنَظَرُوا إِلَى ثَوَابِ اللهِ ﷿ بِأَنْفُسٍ تَائِقَةٍ، وَعُيُونٍ رَامِقَةٍ، وَأَعْمَالٍ مُوَافِقَةٍ، فَحَلُّوا عَنِ الدُّنْيَا مَطِيِّ رِحَالِهِمْ، وَقَطَعُوا مِنْهَا حِبَالَ آمَالِهِمْ، لَمْ يَدَعْ لَهُمْ خَوْفُ رَبِّهِمْ ﷿ مِنْ أَمْوَالِهِمْ تَلِيدًا وَلَا عَتِيدًا، فَتَرَاهُمْ لَمْ يَشْتَهُوا مِنَ الْأَمْوَالِ كُنُوزَهَا، وَلَا مِنَ الْأَوْبَارِ خُزُوزَهَا، وَلَا مِنَ الْمَطَاءِ عَزِيزَهَا، وَلَا مِنَ الْقُصُورِ مَشِيدَهَا، بَلَى وَلَكِنَّهُمْ نَظَرُوا بِتَوْفِيقِ اللهِ تَعَالَى لَهُمْ وَإِلْهَامِهِ إِيَّاهُمْ، فَحَرَّكَهُمْ مَا عَرَفُوا بِصَبْرِ أَيَّامٍ قَلَائِلَ، فَضَمُّوا أَبْدَانَهُمْ عَنِ الْمَحَارِمِ، وَكَفُّوا أَيْدِيَهُمْ عَنْ أَلْوَانِ الْمَطَاعِمِ، وَهَرَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنِ الْمَآثِمِ، فَسَلَكُوا مِنَ السَّبِيلِ رَشَادَهُ، وَمَهَّدُوا لِلرَّشَادِ مِهَادَهُ، فَشَارَكُوا أَهْلَ الدُّنْيَا فِي آخِرَتِهِمْ، عَزُّوا عَنِ الرَّزَايَا وَغُصَصِ الْمَنَايَا، هَابُوا الْمَوْتَ وَسَكَرَاتِهِ وَكُرْبَاتِهِ وَفَجَعَاتِهِ، وَمِنَ الْقَبْرِ وَضِيقِهِ، وَمُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ، وَمِنِ ابْتِدَارِهِمَا وَانْتِهَارِهِمَا وَسُؤَالِهِمَا، وَمِنَ الْمَقَامِ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ عَزَّ ذِكْرُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ» قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نُعَيْمٍ ﵀: وَهُمْ مَصَابِيحُ الدُّجَى، وَيَنَابِيعُ الرُّشْدِ وَالْحِجَى، خُصُّوا بِخَفِيِّ الِاخْتِصَاصِ، وَنُقُّوا مِنَ التَّصَنُّعِ بِالْإِخْلَاصِ
1 / 13