22

Impian Akal

حلم العقل: تاريخ الفلسفة من عصر اليونان إلى عصر النهضة

Genre-genre

وقد عبر سقراط عن تلك الفكرة التي أصبحت تمثل جوهر الفيثاغورية في «جمهورية» أفلاطون قائلا:

لا ريب يا أديمانتس؛ فمن كان ذهنه ثابتا على الحقائق الخارجية فليس لديه وقت للنظر للأشياء التافهة ... ولكنه يثبت ناظريه على كل ما هو ذا طبيعة سرمدية لا تتبدل ولا تتغير، وحينما يرى الإنسان أن هذه الأشياء لا تظلم بعضها بعضا بل تنتظم في تناغم كما يتطلب العقل؛ سوف يسعى إلى تقليدها، وربما يسعى إلى التغيير من نفسه كي يصبح مشابها لها ... وعند ذلك يصبح محب الحكمة المتوحد مع النظام الإلهي على القدر عينه من النظام والسمو.

وبعد مرور حوالي 2300 عام كتب برتراند راسل شيئا مشابها في الفصل الأخير من أحد كتبه الأوائل والذي يحمل عنوان «مشكلات الفلسفة» حيث أكد أن الفلسفة تستحق الدراسة؛ «لأن العقل يغدو عظيما من خلال عظمة الكون التي تتأملها الفلسفة ويتمكن من تحقيق تلك الوحدة مع الكون التي تحقق له الخير الأسمى.»

يبدو كل ذلك رائعا، ولكن ما الذي يفترض أن يهتم به الفيلسوف ويثبت عليه ناظريه؟ بالنسبة للفيثاغوريين يبدو أن موضع الاهتمام كان الأجرام السماوية التي تدور في مساراتها المنظمة المتناغمة في السماء. أما بالنسبة لأفلاطون فقد كان موضع الاهتمام المذكور أمرا أكثر تجردا ترمز إليه الأجرام السماوية، وهو الأشكال المثالية التي تعتبر الأشياء الأرضية صورا أدنى منها (وسوف نوضح المزيد عن تلك الأشكال في الحديث عن أفلاطون نفسه). أما راسل فيبدو أنه كان يتغنى بالحياة العقلانية ولكنه كان أقل وضوحا فيما يتعلق بماهية تلك الحياة. وما يجمع بين تلك التفسيرات هو حقيقة أن تأمل شيء ما قد يكسب المرء بعض صفاته الحسنة على ما يبدو عن طريق التأثر به ومحاولة محاكاته. فقد اعتقد أفلاطون على سبيل المثال فكرة أن الدراسة الفلسفية للكون السرمدي تضفي على المرء نوعا من الخلود حيث قال:

من كان جادا في حب المعرفة والحكمة الحقيقية يجب أن يتسم فكره بالخلود والطابع الإلهي إذا أراد بلوغ الحقيقة. وبقدر ما تستطيع الطبيعة الإنسانية أن تشارك في هذا الخلود يجب أن يتسم هو أيضا بالخلود بكل ما تحمل الكلمة من معنى.

كان هذا جزءا من محاورة «طيمايوس» الخاص بأفلاطون، وهي أكثر محاوراته اتساما بالطابع الفيثاغوري. ويردد برتراند راسل الكلام ذاته قائلا: «من خلال الكون اللامحدود يحصل العقل الذي يتأمله على نصيب من اللامحدودية.»

ويعد الحصول على «نصيب» من الخلود أو اللامحدودية فكرة فيها من الغموض ما يكفي لاعتبارها تعبيرا مخففا عن الإشادة بالفلسفة. بالطبع كان راسل، على سبيل المثال، لا يقصد سوى تلك الإشادة، رغم أن اختياره للإشارات اللغوية يشير إلى الماضي نحو فيثاغورس. ولا يتضح لنا على الفور كيف يمكن للمرء أن يصبح خالدا بالمعنى الحرفي عن طريق تأمل شيء خالد (مثل الكون) فحسب طبقا لمعتقد فيثاغورس. كما تبدو الفكرة الأساسية - بالقدر الذي يمكننا إيضاحها به - على النحو التالي: الروح مثقلة بالهموم الدنيوية والعملية، وإذا ظلت على تلوثها هذا فلن تهرب من قيد الجسد أبدا، بل ستنتقل إلى جسد آخر عند الموت فحسب سواء أكان هذا الجسد لآدمي أو لحيوان، ولكن إذا اتبع الإنسان المنهج الصحيح للتطهر - وهو نوع من التمرينات الروحية التي تدعى بناء الأرواح، على غرار تمرينات بناء الأجسام - فسوف تنطلق الروح حرة طليقة ويفك أسرها وتتمكن من الصعود إلى العالم الروحي السرمدي الذي يعد موطنها الحقيقي. ويتكون هذا المنهج التطهري من شقين؛ أولهما: اتقاء المحرمات (مثل الامتناع عن تناول الفول أو ما شابه) والآخر: أن تحيا حياة التدريبات الفلسفية الصارمة؛ حياة «التأمل» أو التساؤل الخالص. •••

وكما رأينا، تعد الرياضيات بالنسبة للفيثاغوريين مفتاح النظام والجمال في الكون، وتقع مسئولية اكتشافهما على عاتق الفلسفة. وطبقا للروايات التي تناقلتها الأجيال، فقد بدأ الفيثاغوريون في ذلك بالاكتشاف العظيم للعلاقة بين الأرقام والأصوات الموسيقية. ومن دلائل إدانتنا بالفضل للفيثاغوريين أن معظم المثقفين اليوم لا يجدون هذا الاكتشاف مدهشا على الإطلاق.

فقد اكتشفوا أنه ثمة علاقة مباشرة بين ثلاث مسافات موسيقية اعتبرها الإغريق متناغمة أو عذبة الصوت ، وهي الأوكتاف والمسافة الرابعة والخامسة التامة من ناحية، وبين ثلاث نسب رقمية من ناحية أخرى. ويمكن التعبير عن تلك العلاقة عن طريق أطوال الأوتار التي تنقر لإصدار النغمات الموسيقية. ولنأخذ على سبيل المثال آلة المونوكورد أحادية الوتر التي قد تكون أول ما ظهر فيه هذا الاكتشاف. فعن طريق الضغط على الوتر في أماكن مختلفة منه يمكن إصدار نغمات موسيقية مختلفة مثلما يحدث في الجيتار، فإذا ضغطت على الوتر في منتصف طوله بالضبط تصبح النغمة الصادرة أعلى بمقدار أوكتاف واحد عنها في حالة اهتزاز الوتر بحرية (أي إذا لم يضغط على الوتر). وهكذا فإن المسافة الموسيقية للأوكتاف تتطابق مع النسبة 2 : 1، فالنغمة الأكثر انخفاضا تصدر عن وتر يبلغ طوله ضعف طول الوتر الذي يصدر النغمة الأعلى بمسافة واحدة. وعلى نحو مماثل فإن المسافتين الموسيقيتين ذواتي الصوت العذب والمعروفتين باسم المسافة الرابعة والخامسة التامة تتطابقان مع النسب 4: 3 و3: 2 على التوالي.

ما أروع هذا الاكتشاف! إذ يوضح أن الظواهر (وهي في تلك الحالة الأصوات الموسيقية) لها بنية خفية يمكن كشفها. وهو برهان مادي على أن الأرقام بوسعها أن تكشف أسرار العالم. كما أن النسب الثلاث (2 : 1 و4 : 3 و3 : 2) تضم الأرقام 1 و2 و3 و4 والتي يبلغ مجموعها 10، وهو أمر رائع أيضا لأن الرقم 10 كان الرقم المثالي بالنسبة للفيثاغوريين حيث كان يتمتع بمغزى روحي عظيم لديهم. لقد سر الفيثاغوريون كثيرا بأن لاحظوا أن المسافات المتناسقة التي تتمتع بأهمية خاصة في الموسيقى الإغريقية تطابق أرقاما ذات دلالة خاصة.

Halaman tidak diketahui