20

Impian Akal

حلم العقل: تاريخ الفلسفة من عصر اليونان إلى عصر النهضة

Genre-genre

أولا منع فيثاغورس تناول البربون وبعض أنواع الأسماك الأخرى، وفرض الامتناع عن تناول قلوب الحيوانات والفول وأحيانا - طبقا لرواية أرسطو - أمعاء الحيوانات وسمك الغرنار. ويقول البعض إنه قد اكتفى بتناول العسل أو شمع العسل أو الخبز، وإنه لم يقرب كأس الخمر من فيه قط وقت النهار، وإنه كان يضيف الخضراوات مسلوقة أو نيئة إذا أحب أن يتناول طعاما شهيا، ونادرا ما كان يتناول السمك ... وكانت القرابين التي يقدمها دائما من الجماد رغم أن البعض قال إنه كان يقدم الديوك والجداء وصغار الخنزير، بيد أنه لم يذبح الحملان قط. أما أريستوكزينس فيزعم أنه كان يوافق على تناول لحوم الحيوانات الأخرى، ولم يحرم على نفسه إلا لحوم الثيران التي تثير الأرض والكباش.

وبوسعنا أن نؤكد أن فيثاغورس كان يتبع أكثر النظم الغذائية إثارة للجدل في العصور القديمة، وأكثر النظريات المثبتة صحتها عن هذا الأمر تقضي بأنه كان نباتيا؛ ذلك أنه اعتقد أن أرواح البشر تتناسخ أحيانا في صورة حيوانات (أو كما قال مالفوليو إن روح المرأة العجوز قد تسكن جسد طائر).

ورغم أنه ليست ثمة علاقة بين نظام فيثاغورس الغذائي ونظرياته الهندسية فالجوانب العلمية والروحية في المذهب الفيثاغوري تتفق مع بعضها. وقبل توضيحها أود أن أسرد باختصار بعض المعلومات المتوفرة عن حياة فيثاغورس ومدرسته؛ إذ لا يتوفر لدينا منها سوى القليل ولكنه قيم. •••

ولد فيثاغورس عام 570ق.م. وتوفي عن عمر يناهز سبعين عاما؛ أي إنه كان معاصرا لأناكسيمينس. ورغم أنه كان أيونيا على غرار أناكسيمينس وولد في جزيرة ساموس التي تقع شمال غرب ملطية، فقد غادر موطنه نحو المستعمرات الإغريقية جنوبي إيطاليا عندما كان في الأربعين من عمره وقضى بها ما تبقى من حياته. وعندما هاجر كان صيته قد ذاع بالفعل بوصفه حكيما زاهدا. ورغم أنه لا دليل على أن فيثاغورس الحكيم وأتباعه قد طردوا من جزيرة ساموس فلا تأخذنا الدهشة إذا علمنا أنهم غادروا مدينة آخذة في التدهور تحت حكم الطاغية الفاسق بوليكراتيس. إلا أن الاضطهاد الحقيقي بدأ بالفعل لاحقا عندما استقر فيثاغورس في مدينة كروتون جنوبي إيطاليا وأنشأ مدرسته فيها حيث لعب فيثاغورس وأتباعه دورا رئيسا في سياسة المدينة، ولكن ماهية الأمر الذي تورط فيه والسبب الذي دعا إلى نشوب ثورة عنيفة ضده بعد عقدين من النجاح والشهرة هناك لا يزالان يكتنفهما الغموض. ألقي القبض على العديد من الفيثاغوريين الأوائل في مدينة كروتون والمدن المجاورة لها وقتلوا في نهاية القرن السادس ومطلع القرن الخامس قبل الميلاد، وتعرض فيثاغورس نفسه للنفي. ويشير أحد المؤرخين إلى أن العداء الواضح تجاه فيثاغورس قد زاد من حدته «الغضب الذي شعر به رجل الشارع في تلك الأيام؛ لأن التشريعات الخاصة بهم كان يصدرها مجموعة من المتحذلقين الذين أصروا على الامتناع عن تناول الفول ومنعوا رجل الشارع من ضرب كلبه لأنهم ميزوا في نباحه صوت أحد الأصدقاء الراحلين.»

وبعد تلك الثورة رحل فيثاغورس حتى استقر به المقام في مدينة ميتابونتو التي تقع على خليج تارانتو. وسرعان ما ازدهرت المجتمعات الفيثاغورية مرة أخرى وازدادت انتشارا عبر جنوبي إيطاليا. ولكن في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد تعرض الفيثاغوريون إلى حملة تطهير أخرى أشد وطأة عليهم فرقت الكثير منهم وغادروا إيطاليا متجهين إلى اليونان. واتخذت الأفرع المبتورة للمذهب الفيثاغوري صورا مختلفة في الأراضي الجديدة التي أقاموا بها وبدأت تضعف شوكتهم. وبحلول مطلع القرن الرابع قبل الميلاد كانت كل الجماعات الفيثاغورية تقريبا قد غادرت موطنها في إيطاليا حتى أصبحوا لا يرى إلا مساكنهم خلال هذا القرن.

رغم ذلك ظل تأثير أفكارهم يتزايد وخاصة عن طريق أفلاطون الذي كان له صديق مقرب من أتباع فيثاغورس وهو أرخيتاس التارانتومي. كان أرخيتاس التارانتومي رجل دولة ومفكرا وعالم رياضيات، وربما كان أحد مصادر إلهام أفلاطون لفكرته الشهيرة الخاصة ب «الملوك الفلاسفة». وقد كتب أرسطو بشيء من مبالغة لم تنطو على أية سخرية قائلا إن فلسفة أفلاطون تسلك نهج فيثاغورس في معظم الجوانب. ومن المؤكد أن أفكار فيثاغورس قد استوعبها المذهب الأفلاطوني كاملة حتى صار من الصعب التمييز بين الفلسفتين. وربما كان على فيثاغورس أن يبتهج لذلك التناسخ العظيم.

أرخيتاس. •••

وفيما يلي صورة مركبة للفيثاغورية، ولن نقوم إلا بمحاولة يسيرة للتفريق بين صورها الأولى والأخيرة، ناهيك عن آراء الرجل نفسه وآراء أتباعه. بالنسبة لفيثاغورس نفسه يمكننا القول إنه كان يؤمن بالتناسخ وإنه كان يهتم بالأرقام ولو قليلا، وما أثير عنه غير ذلك ليس إلا تخمينات. وسنزعم أيضا أن الفيثاغوريين جميعهم نسيج واحد لا فرق بينهم، رغم أن بعضهم في حقيقة الأمر كان مهتما بالأمور العلمية والعقلية بينما انغمس آخرون في شئون المحرمات والأقوال الغامضة والإرشادات الخرافية للحياة التي شكلت الجانب الديني من المنهج الفيثاغوري. وحتى في القرن العشرين كان ثمة نوعان مختلفان من الاهتمام بفيثاغورس؛ فمن ناحية نجد العلماء وفلاسفة العلم من أمثال فرنر هايزنبرج والسير كارل بوبر اللذين يؤكدان أن الفيزياء الحديثة تعيد إلى الأذهان فيثاغورس، ومن ناحية أخرى نجد كتبا حول فيثاغورس نفسه قد نشرت في سلسلة تتضمن أعمالا عن الخيمياء وكهنة الدرويد وعلم التنجيم. وكان الأمر يتطلب عقلا جريئا كعقل فيثاغورس ليمزج بين هذين الجانبين.

ويسهل تبين العلاقة بين هذين الجانبين في مفهوم فيثاغورس الجديد عن الخلاص الروحي، وهو ما يمكن تلخيصه على النحو التالي: إذا أردت أن تحيا إلى الأبد فادرس الرياضيات. ولإدراك هذا المفهوم بمزيد من الجدية يجب أولا أن نعلم بعض الشيء عن عقائد الديانة الأورفية.

لا نحتاج لمعرفة أي شيء عن أورفيوس ذاته أو عن تاريخ الأورفية؛ ذلك أن أحدا لا يعلم الكثير عن أي منهما. فعندما تشير المصادر القديمة لأورفيوس أو للديانة الأورفية فهي غالبا ما تشير إلى المعتقدات التي نشأت في تراقيا حول التناسخ وفكرة حاجة الروح إلى التطهر من أجل الظفر بالسعادة في الآخرة. ويعتقد البعض أنه ثمة عقيدة رسمية مفصلة للديانة الأورفية كانت مدونة بالفعل في زمن فيثاغورس، بينما يعتقد آخرون أن أفكار الأورفية كانت حينئذ أكثر تشتتا ولم تتماسك إلا بعد مئات السنين. وأيا كان الأمر، فقد دونت كل المفاهيم التي تعنينا هنا في إحدى نسخ أسطورة ديونيسيوس التي اتفقت النسخ العديدة من الديانة الأورفية على الإعجاب بها.

Halaman tidak diketahui