Hikmah Barat
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
Genre-genre
ينبغي أن نحرص على استبعاد شكل سطحي من أشكالها؛ فهناك طريقة في الكلام تستخدم فيها كلمة «بالقوة» للتعبير عن نوع من الحكمة الخاملة بعد وقوع الحادث ذاته، فإذا بدأت زجاجة زيت في الاحتراق فقد نقول إن هذا راجع إلى أنها كانت قابلة للاحتراق بالقوة حتى في الأصل . غير أن هذا ليس تفسيرا على الإطلاق، والواقع أن أسبابا كهذه هي التي دعت بعض المدارس الفلسفية إلى القول باستحالة الإتيان بشيء له جدواه حول هذا الموضوع. ولقد كان أنتيسثنس
Antisthenes
الميغاري واحدا من هؤلاء، كما سنرى فيما بعد. فأصحاب هذا الرأي يذهبون إلى أن الشيء قد يكون على نحو ما وقد لا يكون، وكل ما عدا ذلك هراء، ولكن من الواضح أننا نطلق بالفعل أحكاما مثل «الزيت قابل للاشتعال»، وهي أحكام لها معناها بلا جدال.
وهنا يأتي تحليل أرسطو ليقدم الإجابة الصحيحة، فحين نقول إن الشيء يتصف بالصفة س بالقوة، نعني أنه سيصبح كذلك بالفعل إذا توافرت شروط معينة؛ فالقول إن الزيت قابل للاشتعال معناه الاعتراف بأنه، إذا توافرت مجموعة من الشروط يمكن تحديدها، سيشتعل الزيت، أي إنه إذا كانت الحرارة هي المطلوبة، وأشعلت عود ثقاب وقربته من سطح الزيت، فإنك ستوقد فيه النار.
وبالطبع فإن الشروط المطلوبة لا بد أن تكون من النوع القابل للحدوث أو للتحقيق. وبهذا المعنى يكون المتحقق أو الموجود بالفعل سابقا منطقيا للممكن، أو لما يوجد بالقوة. وهكذا يمكن الآن تقديم تفسير للتغيير على أساس القول بجوهر يحمل بالقوة مجموعة من الصفات التي تتحقق فيه واحدة تلو الأخرى. وأيا كانت عيوب مثل هذا التفسير من الناحية العملية، فإنه على الأقل ليس سطحيا أو منعدم القيمة من حيث المبدأ، إذا تذكرنا التحليل الأرسطي للإمكان أو الوجود بالقوة. ولا شك أن هذا الفهم يذكرنا بسقراط وأفلاطون أكثر مما يذكرنا بالذريين، على أن رأي أرسطو قد تأثر جزئيا باهتماماته العلمية بعلم الأحياء، حيث يكون لفكرة الإمكان فائدة خاصة، على أن العرض الذي قدمناه ها هنا ناقص في ناحية واحدة هامة؛ فهو لا يذكر كيف أو لماذا تحدث التغيرات، وهذه مسألة كانت لدى أرسطو عنها إجابة مفصلة جدا، سوف نبحثها عندما تصل إلى نظريته في السببية. أما نظرياته في نشأة الكون ورأيه في أن الله هو العلة الأولى أو المحرك الذي لا يتحرك، فسوف نتركها بدورها إلى وقت لا حق، ولكن ينبغي أن نتذكر أن أرسطو كان ينظر إلى مذهبه في الإلهيات على أنه جزء مما نسميه اليوم بالميتافيزيقا.
ولنعد الآن إلى أعمال أرسطو في المنطق، فقد ذكرنا من قبل أن في السمات المميزة للعلم والفلسفة اليونانيين وجود فكرة البرهان فيهما. فعلى حين أن فلكيي الشرق كانوا يكتفون بتسجيل أرصادهم، فإن مفكري اليونان حاولوا تعليها. وتنطوي عملية إثبات قضية ما على إقامة حجج أو براهين منطقية، وبطبيعة الحال فقد كان ذاك يحدث قبل أرسطو بوقت طويل، ولكن لم يحاول أحد فيما نعلم أن يقدم وصفا عاما مفصلا للشكل الذي تتخذه البراهين. وفي هذا الصدد تقدم إلينا أعمال أرسطو عرضا شاملا بدا له، كما بدا للفيلسوف الألماني «كانت» كاملا. ولكن ليس من المهم أن نشير إلى أنه كان في هذه الناحية مخطئا إلى حد مؤسف؛ إذ إن الخطورة الكبرى هي أنه أدرك إمكان تقديم عرض عام للمنطق الصوري.
وربما كان من المفيد أن نؤكد من البدء أنه لا يوجد شيء اسمه المنطق غير الصوري؛ فالمقصود هنا هو الصورة العامة للبراهين، وهي دراسة تنتمي إلى ميدان المنطق.
ويرتكز المنطق الأرسطي على عدد من المسلمات المرتبطة بمذهبه الميتافيزيقي؛ أولاها أنه يسلم بلا مناقشة بأن جميع القضايا تتخذ شكل الموضوع والمحمول. والواقع أن كثيرا من قضايا الحديث المعتاد تتخذ هذا الشكل، كما أن هذا كان مصدرا من مصادر ميتافيزيقا الجوهر والعرض. وبالطبع فإن صورة الموضوع والمحمول قد أشير إليها في محاورة «تيتاتوس» لأفلاطون، والأرجح أن أرسطو قد استمدها منها أولا. وفي هذا السياق تنشأ مشكلة الكليات؛ إذ تقسم القضايا تبعا لكونها تتحدث عن كليات أو عن أفراد، ففي الحالة الأولى يمكن أن تشتمل على مجال الكلي كله، كما في قولنا: «كل الناس فانون»، التي تسمى قضية كلية، أو قد تغطي القضية جزءا من الكلي فقط، كقولنا: «بعض الناس حكماء»، وتسمى هذه قضية جزئية. أما حالة القضية الشخصية فتمثلها قضية مثل «سقراط إنسان»، وعندما نصل إلى الجمع بين القضايا في برهان ينبغي أن تعامل القضية الشخصية معاملة القضية الكلية. وتكون القضايا موجبة أو سالبة إذا كان شيء ما يثبت أو ينفني عن الموضوع.
وعلى أساس هذا التصنيف يمكننا الآن أن نبحث ما يحدث في حالة البرهان، فنحن في البرهان نبدأ من قضية واحدة أو أكثر، نسميها بالمقدمات، ونستنبط قضايا أخرى تلزم عن هذه المقدمات أو تكون نتائج لها. والنموذج الأساسي لكل برهان، في رأي أرسطو، هو ما نسميه بالقياس، فالقياس برهان يشتمل على مقدمتين لكل منهما موضوع ومحمول، وبينهما حد واحد مشترك. هذا الحد الأوسط يختفي في النتيجة، ونستطيع أن نضرب للقياس المثل الآتي: كل البشر عقلاء، والأطفال الرضع بشر، إذن فالأطفال الرضع عقلاء. في هذه الحالة تلزم النتيجة من المقدمات، فيكون البرهان صحيحا. أما صحة المقدمات أو بطلانها، فتلك بالطبع مسألة أخرى. بل إن من الممكن استخلاص نتائج صحيحة من مقدمات باطلة، ولكن المهم في الأمر أنه إذا كانت المقدمات صادقة، فإن أية نتيجة تستخلص منها بطريقة صحيحة تكون صادقة؛ لذلك فإن من المهم أن نكتشف أي البراهين القياسية صحيح وأيها فاسد. وقد قدم أرسطو عرضا منهجيا للأقيسة الصحيحة، فقسم البراهين أولا حسب شكلها، الذي يتوقف على ترتيب الحدود. وقد اعترف أرسطو بأشكال ثلاثة مختلفة، وتوصل جالينوس الطبيب (حوالي 120-250 ميلادية) إلى شكل رابع. وفي كل شكل توجد براهين صحيحة وأخرى فاسدة. وقد اخترع الرياضي السويسري أويلر
Euler
Halaman tidak diketahui