Hikmah Barat
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
Genre-genre
تأليف
برتراند رسل
ترجمة
فؤاد زكريا
الكاتب والكتاب
ليس الفيلسوف أفضل من يكتب عن تاريخ الفلسفة، مثلما أن الفنان ليس خير من يحكم على فن الآخرين؛ فللفيلسوف موقفه الخاص الذي تتلون به أحكامه على الفلسفات الأخرى، وهو في أغلب الأحيان لا ينظر إلى التاريخ السابق للفلسفة إلا على أنه مجموعة من علامات الطريق التي تشير إلى فكره هو، أو التي تتلاقى كلها في نقطة واحدة؛ هي ما يدور في رأسه من أفكار. هذا ما فعله أرسطو مع الفلاسفة السابقين، وهو أيضا ما رآه الفيلسوف الألماني الكبير «كانت» في المذاهب التي سبقته، كما أنه تمثل بأكثر الصور وضوحا وصراحة في ذلك العرض الطويل الذي قدمه هيجل، فيلسوف المثالية الأكبر، لتاريخ الفلسفة، فضلا عن عشرات الأمثلة لدى فلاسفة آخرين لهم أهميتهم، وإن لم تكن لهم تلك المكانة العليا التي كانت لهؤلاء الثلاثة.
ومع ذلك فإن كتابة الفيلسوف عن تاريخ الفلسفة تجربة فكرية شيقة، تحتشد باللمحات الذكية والملاحظات المتعمقة، والقدرة على كشف الروابط والعلاقات التي يعجز عن إدراكها الذهن العادي. وعلى هذا النحو يبدو لنا بالفعل هذا الكتاب الذي نقدمه ها هنا مترجما إلى العربية، والذي ألفه شيخ الفلاسفة المعاصرين، برتراند رسل؛ فهو رؤية شاملة للفلسفة الغربية منذ بداياتها الأولى في العصر اليوناني حتى النصف الثاني من القرن العشرين. وهو يزيد كثيرا عن أن يكون عرضا منهجيا للأفكار؛ لأنه يحرص على وضع الأفكار في سياقها التاريخي والاجتماعي، وقد بلغ حرصه هذا حدا جعل رسل يعبر عن هذا المعنى بوصفه عنوانا فرعيا للكتاب بأكمله، ولقد كان هذا الحرص على الربط بين الفكر الفلسفي والإطار الذي ظهر فيه هو الذي يميز هذا الكتاب عن كتاب رسل المشهور في الموضوع نفسه، والذي كان قد ألفه قبل الكتاب الحالي، وأعني به «تاريخ الفلسفة الغربية»؛ إذ كان الكتاب الأخير، الذي تبلور خلال محاضرات ألقاها رسل في مؤسسة بارنز
Barnes
في فيلادلفيا بالولايات المتحدة فيما بين عامي 1941 و1943م، معنيا بالتاريخ الفلسفي البحت، أكثر مما كان مهتما بتقديم السياق العيني الذي تظهر فيه الأفكار الفلسفية.
وفي اعتقادي أن أهم ما تتميز به شخصية مؤلف هذا الكتاب هو أنه قد يكون الفيلسوف الوحيد الذي عاش قرنا كاملا أو كاد (1872-1970م). هذه الحقيقة الرقمية البسيطة يمكن أن تفسر لنا الكثير عن برتراند رسل، وعن تقلباته وتحولاته التي وصلت في رأي البعض إلى حد العشوائية والمزاجية، مع أنها كانت في واقع الأمر نتيجة طبيعية لتلك الحياة النادرة في طولها؛ ذلك لأن الإنسان الذي يعيش قرنا كاملا في فترة حاسمة من فترات التاريخ البشري، ويظل فيه محتفظا بوعيه وحدة ذهنه وروحه النقدية كاملة؛ لا بد أن تكون تجربته في فكره وحياته أخصب وأشد تلونا وتنوعا بكثير مما يستطيع الذهن العادي استيعابه، لقد بدأ رسل حياته في النصف الثاني من العصر الفكتوري الإنجليزي، في وقت كانت فيه الإمبراطورية البريطانية في أوج مجدها وطموحها، وكانت سيدة العالم بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وانتهت حياته في وقت كانت فيه صورة العالم قد تغيرت تغيرا حاسما، وانقسم إلى معسكرين أيديولوجيين تحتل إنجلترا مكانة غير رئيسية في واحد منهما. وحين بدأت حياة رسل كان الناس لا يزالون يستخدمون الخيول في اتصالاتهم، وفي حروبهم، وحين انتهت كان العالم قد دخل عصر الذرة والعقول الإلكترونية، وقبل عام من وفاته كان الإنجليزي قد وصل إلى القمر. وحين يشهد هذه التحولات الضخمة فيلسوف ناقد حاد الذكاء، ظل محتفظا بيقظته الذهنية وحاسته العملية حتى اللحظة الأخيرة من حياته؛ فلا بد أن تكون النتيجة تجربة شديدة الخصوبة لا تكاد تتكرر في تاريخ الفكر الإنساني.
Halaman tidak diketahui