Hikmah Barat
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
Genre-genre
وبترارك
حدثت عودة إلى المثل العليا الدنيوية. وقد عاد الاهتمام بثقافة القدماء الدنيوية. وظهر ذلك جليا في جميع الفنون والعلوم، وكان يمثل خروجا على التراث الكنسي السائد في العصور الوسطى، فبينما كانت الاهتمامات اللاهوتية تسود الجو العام في العصور الوسطى، أصبح مفكرو عصر النهضة أكثر اهتماما بالإنسان. ومن هذه الحقيقة استمدت الحركة الثقافية الجديدة اسمها، وهو «النزعة الإنسانية»
Humanism ،
1
التي كانت ثاني العوامل الكبرى الجديدة المؤثرة في هذه الفترة. وبينما أثرت النهضة ككل تأثيرا مباشرا في النظرة العامة إلى الحياة، فإن الحركة الإنسانية اقتصر مجال تأثيرها على المفكرين والباحثين. ولم تقترن بالنهضة الإيطالية حركة بعث دائمة للوحدة الوطنية، بل كانت البلاد مقسمة إلى أقاليم صغيرة يشمل كل منها دولة-مدينة، وكانت الفوضى هي السائدة. وسيطرت على إيطاليا أسرة هابسبرج التي كان ينتمي إليها ملوك النمسا وإسبانيا، ولم تصبح بلدا ذا سيادة إلا في أواسط القرن التاسع عشر. غير أن حركة النهضة كان لها تأثيرها القوي، وانتقلت تدريجيا نحو الشمال إلى ألمانيا وفرنسا والأراضي الواطئة، فظهر في هذه البلاد باحثون إنسانيون عظام، بعد مرور حوالي قرن على ظهور أسلافهم الإيطاليين.
وفي ألمانيا كانت الحركة الإنسانية معاصرة للإصلاح الديني الذي أتى به لوثر، وهو العامل الثالث من بين العوامل الكبرى التي أزالت عالم العصور الوسطى، والواقع أن الكنيسة كانت في داخلها تعترف منذ وقت ما بضرورة حدوث شكل من أشكال الإصلاح. كما انتقد المفكرون الإنسانيون الممارسات السيئة التي كانت تتفشى في حكومة الكنيسة، غير أن قبضة البابوات الطموحين والمتعطشين إلى الذهب كانت أقوى من هؤلاء جميعا. وعندما ظهرت حركة الإصلاح الديني بالفعل عارضتها روما وأدانتها بقسوة. وهكذا فإن حركة الإصلاح، التي كان يمكن أن تستوعب بوصفها حركة جديدة داخل نطاق الكنيسة العالمية، اضطرت إلى الانعزال، وتطورت بحيث أصبحت تتألف من عدد من الكنائس البروتستانتية القومية. وحين بدأت الكنيسة الكاثوليكية تصلح نفسها أخيرا، كان أوان رأب الصدع الديني قد فات. ومنذ ذلك الحين ظلت المسيحية الغربية منقسمة على نفسها. وتدين المذاهب الإصلاحية للحركة الإنسانية بفكرة «كهانة الجميع»
Universal Priesthood ، أي أن كل إنسان على اتصال مباشر بالله، وليس المسيح في حاجة إلى قسس وسطاء.
أما التطور الهام الرابع فقد نشأ مباشرة عن إحياء الدراسات التجريبية وهو الإحياء الذي استهلته حركة النقد عند أوكام
Occam . وخلال القرنين التاليين حدث تقدم هائل في ميادين علمية متعددة، من أهمها إعادة اكتشاف
2
Halaman tidak diketahui