الكتاب الأول
حكم فتاحوتب
المقدمة الأولى
كانت حكم فتاحوتب لدى قدماء المصريين من الكتب المعتبرة حتى إنهم كانوا يعلمونها أولادهم في المكاتب والمدارس، ويقرءونها في المنازل والمجالس؛ لهذا عثر البحاثون في الآثار المصرية على نسخ عدة من هذا الكتاب النفيس، ولا يخفى أن كثيرا من الكتب النافعة الممتعة وجدت حيث كانت معاهد العلم، ولولا تعدد نسخها ما عثرنا ببعضها بعد مرور ستين قرنا من تاريخ تأليفها وانتشارها.
وقد علمنا من ورق البابيروس «البردي» أن طلاب دار العلوم المصرية القديمة كانوا يكتبون في اليوم ثلاث صفحات من حكم فتاحوتب؛ «ليحسنوا خطوطهم، ويهذبوا نفوسهم، وليتخرجوا في فنون البلاغة والإنشاء؛ لسلاسة أسلوب الحكم والنصائح المذكورة.»
1
وتلك الكراسات التي كتبها شبان المصريين القدماء هي التي يصرف محبو الآثار في هذا العهد أيامهم ويوقفون أعمارهم على البحث عنها، والتنقيب عليها، ونقلها من اللغة القديمة إلى اللغات الحديثة؛ لينعم أبناء هذا العصر نظرهم في حكمة أبناء القرون الغابرة.
أما النسخة الأصلية التي فسرها العلامة باتسكو مجن - العالم الأثري الإنجليزي، وهي معتمدنا في هذا التفسير العربي - فقد عثر بها العلامة المؤرخ الفرنسي «بريس دافن» ومعها غيرها من الآثار الأدبية في شتاء عام 1847. وذكر هذا المؤرخ أنه شراها من فلاح مصري كان يعمل في الحفر والتنقيب على مقربة من مقابر طيبة. ويذهب البعض إلى القول بأن تلك الآثار الأدبية الثمينة وجدت في أجداث ملوك حنتف، وهم أفراد الأسرة الحادية عشرة التي أقام أمنمحعت الأول على أنقاضها دعائم دولته، وانتزع الملك من آخر ملوكها وحصره في أسرته الثانية عشرة.
وقد أهدى العلامة بريس دافن هذه النسخة إلى دار الكتب الملكية بباريس؛ حيث لا تزال معروضة لأنظار الزائرين، وطول القرطاس التي كتبت فيها حكم فتاحوتب بالذراع البلدي ثمانية ونصف، وعرضها ذراع. وهذا قياس البابيروس المعروف؛ لهذا رجح المؤرخون رأي القائلين بالعثور بتلك الأوراق في قبور الملوك. أما ورقة البابيروس المذكورة فمؤلفة من ثماني عشرة صفحة، مكتوب بعضها بالمداد الأسود وبعضها بالأحمر، ويحسب رائيها لأول وهلة أنها حديثة؛ لأن طول القدم لم يصبها بآفات التبديد والتشتيت، حتى إذا تبينها وقلب صفحاتها ظهر له أنها لم تنج من آفات القدم التي اغتالت بعض الأوراق وتركت البعض الآخر أثرا بعد عين.
ومما أبقاه لنا الدهر من أوراق ذلك العهد كتاب كامل، وهو «حكم فتاحوتب»، وآخر ناقص، وهو «نصائح كاجمني». أما نسبة الكتاب الثاني إلى كاجمني فمن باب الحدس والتخمين؛ لأن العث لم يبق على شيء يستدل منه على اسم واضع الكتاب؛ ولأن المفسرين لم يعثروا فيه من أوله إلى آخره إلا على علم واحد، وهو «كاجمني»؛ فظنوه اسم واضع السفر. وأهمية هذا الكتاب هي أنه أقدم ما كتبه البشر حسبما نص علماء الآثار.
Halaman tidak diketahui