Cerita-cerita Puitis
حكايات شاعرية: قصائد قصصية من الأدب الألماني الحديث
Genre-genre
تمهيد
1 - ساحرة من نهر الراين
2 - الحب الصادق وحد بينهما
3 - طوبى للعصيان
4 - حكاية من سالف الزمان
5 - حكاية عن رجل شجاع
6 - صار الخبز يباع بسعر غال والدم واللحم بأرخص سعر
7 - عرس في حقل القمح الملغوم
8 - لما حمل الليل العاصفة على حجره
9 - صار العبد الخاضع سيد نفسه
Halaman tidak diketahui
نبذة عن كل شاعر
تمهيد
1 - ساحرة من نهر الراين
2 - الحب الصادق وحد بينهما
3 - طوبى للعصيان
4 - حكاية من سالف الزمان
5 - حكاية عن رجل شجاع
6 - صار الخبز يباع بسعر غال والدم واللحم بأرخص سعر
7 - عرس في حقل القمح الملغوم
8 - لما حمل الليل العاصفة على حجره
Halaman tidak diketahui
9 - صار العبد الخاضع سيد نفسه
نبذة عن كل شاعر
حكايات شاعرية
حكايات شاعرية
قصائد قصصية من الأدب الألماني الحديث
جمع وترجمة
عبد الغفار مكاوي
تمهيد
(1) لم يؤثر في نفسي فن من فنون الشعر الغربي كما أثرت فيها «البالادة»؛ أي القصيدة القصصية أو القصة الغنائية. أتيح لي في سنوات الطلب أن أطلع على بعض نماذجها الخالدة للشاعرين: جوته وشيللر، اللذين يمثلان الذروة التي بلغتها، سواء في مرحلة شبابهما العاصف المندفع، أو في مرحلتهما الكلاسيكية المتزنة المتوازنة. ثم تيسر لي على فترات متقطعة أن أقرأ بعض «البالادات» لشعراء مختلفي الميول والاتجاهات من القرنين التاسع عشر والعشرين، فأدركت بفطرتي مدى تنوع هذا الفن الشعري تنوع الحياة نفسها بكل ما فيها من حب وكره، وحزن وشجن، وسحر وخرافة، وغدر وظلم، وبؤس وتعاسة، وحلم دائم بالممكن أو بالمستحيل، وطموح لتغيير الأوضاع الظالمة بالإرادة الثورية، والرغبة في تحقيق عالم إنساني ومستقبلي خال من علاقة السيد والعبد، والغني المتخم والفقير المعدم، والمستبد المتجبر والضحية البريئة، ولعلني قد أدركت بفطرتي أيضا أمرا لا يقل أهمية عما سبق، وهو أن «البالاد» مجمع فنون أدبية مختلفة تؤلف بين أساليبها التعبيرية وموضوعاتها وأشكالها وموادها في وحدة غنائية تنتظر دائما من يستمع لها وينصت لألحانها؛ ففيها السرد الذي أخذته من الملحمة والقصة والرواية، وفيها الصراع والحوار اللذان استعارتهما من الدراما، وفيها العاطفة الأسيانة والشجن العميق الرقيق اللذان يجريان مجرى الدم في عروق الشعر الغنائي، وفيها - قبل ذلك كله - نصيب موفور من التأثر بالأغنية الشعبية بتراثها العريق وأشكالها ومضامينها البسيطة المؤثرة تأثيرا مباشرا على الوجدان، وهو تأثير تظل محتفظة به مهما تعقد شكل بنائها في مقطوعات وأوزان مختلفة الأطوال، ولوازم غنائية متكررة، وحرص على الإيقاع والقافية بطرق وأساليب متعددة، أو على التخلي عنها في كثير من الأمثلة النقدية المتأخرة من الناحية الزمنية.
وقد تبين لي بعد ذلك أن هناك من سبقني بسنوات طويلة، وبعمق ونفاذ بصيرة لا قبل لي بهما، إلى إدراك ما أدركته بفطرتي المباشرة العاجزة؛ فقد فطن شاعر الألمان الأكبر «جوته» (1749-1832م) إلى تلك الخصوصية النادرة في البالاد أو القصيدة القصصية، ونبه خلال حديثه عن الأنواع الأدبية - ضمن ملاحظاته وتعليقاته على «ديوان الشرقي للشاعر الغربي» - إلى الإمكانيات الثرية التي تنطوي عليها عندما كتب يقول:
Halaman tidak diketahui
هناك ثلاثة أشكال طبيعية وأصيلة فقط للشعر: الشكل السردي الواضح، والشكل الحماسي المنفعل، والشكل الفعال من خلال الأشخاص، وهي تتمثل على الترتيب في الملحمة والشعر الغنائي والدراما. هذه الأساليب المختلفة للإنشاء الأدبي يمكنها أن تؤثر مجتمعة أو بطريقة مستقلة؛ فنحن كثيرا ما نجدها مجتمعة في أصغر قصيدة، وكأنما هي مجتمعة في بيضة أصلية حية، بحيث تبرز من خلال هذا التجميع في أضيق حيز ممكن أروع بنية أدبية على نحو ما نلمسها في «البالادات» الجديرة بأعظم التقدير عند الشعوب كافة. (2) تمتد جذور «البالاد» إلى أغاني وأناشيد البطولة الجرمانية المتأخرة، كما تتمثل في آخر نماذجها وهو أغنية أو أنشودة هيلد براند الأحدث (من القرن الثالث عشر الميلادي)، وربما امتد تاريخها إلى زمن الأدب الشفاهي.
1
ولم يقدر لهذا النوع من الأدب الغنائي والقصصي أن يستمر في أدب العصر المسيحي الوسيط، وذلك إذا صرفنا النظر عن بعض أغنيات الفرسان وأغنيات الحياة اليومية التي تحمل بعض سمات البالاد. كذلك لا يمكننا أن نؤكد وجود البالاد بمعناها الدقيق في الشعر القصصي والغنائي الذي وصلنا من أدب عصر الإصلاح الديني (القرن السادس عشر)، ولا من أدب القرن السابع عشر؛ فالأغاني القصصية المقفاة التي كانت ترتل في الأسواق والاحتفالات الدينية، وتعتمد على سرد قصص الجرائم المثيرة والكوارث الطبيعية الفظيعة وأخبار الحروب المرعبة (وهي التي توصف أحيانا بأغاني البنك و«الموريثات»)
2
لم يكن فيها سوى أثر ضعيف للبالاد بسبب طابعها البدائي الفج (لا الشعبي الحقيقي) القائم على الإثارة والتهويل.
والواقع أن الدافع الحقيقي وراء ازدهار البالاد - في الأدب الألماني بوجه خاص - قد جاءت «صدمته» من خارج الحدود الألمانية. ففي سنة 1765م نشر الشاعر الإنجليزي توماس بيرسي مجموعة من ثلاثة مجلدات تضم عددا كبيرا من قصائد الشعر الإنجليزي والاسكتلندي القديم تحت عنوان: «الآثار المتبقية من الشعر الإنجليزي القديم». وقد تحمس لهذه القصائد الشعبية الأصيلة (بجانب التحمس لمجموعة مكفرسون التي ورد الحديث عنها في الهامش السابق) - بما تضمنته من تصوير حي للقوى الطبيعية الثائرة، وللشخصيات القدرية والبطولية الكبيرة - تحمس لها عدد كبير من الشعراء الشبان الذين أرادوا لقصائدهم أن تكون الضد المقابل لشعر البلاط المتكلف الذي بسط ظلاله الفقيرة المجدبة على أدب الطبقة الوسطى. وقد تأثرت «البالادات» الألمانية بالطابع المأساوي الفاجع الذي اتسمت به تلك القصائد القصصية الإنجليزية والاسكتلندية (راجع في هذه المجموعة قصيدة إدوارد التي ترجمها ونظمها الأديب وفيلسوف التاريخ هيردر (1744-1803م) الذي سبق أن تحدثنا عن مدى اهتمامه بالأدب الشعبي عامة، وبتلك القصائد خاصة، وكان من أوائل الذين سارعوا إلى إعادة نظم عدد منها لتكون نماذج للتعبير الصادق عن الطاقة الإبداعية الفطرية للشعوب، وللإنسان العادي البسيط)، ثم اتجه هؤلاء الشعراء بعد ذلك إلى اقتباس مادة قصائدهم القصصية من تراثهم القومي الزاخر بالأحداث والشخصيات والغرائب والعجائب والخرافات، مع تطعيمها في الوقت نفسه بالروح النقدية والثورية التي توشك أن تكون سمة ملازمة «للبالاد» الألمانية بدءا من نماذجها الأولى الناضجة - عند «بيرجر» على سبيل المثال - إلى نماذجها الواقعية والنقدية الساخرة سخرية مريرة عند «هيني»، وعند بعض الشعراء «المحتجين» في النصف الثاني من القرن العشرين، والمعروفين بتوجههم الثوري والنقدي الحاد (مثل: بريشت وبيشر وبيرمان وفيمان وفيرتيل وفاينرت وتسيميرنج وإنستر برجر ... وغيرهم).
ومن ناحية أخرى لا يمكننا أن نغفل تأثير «الرومانسة» (القصة الخيالية والشاعرية العاطفية) التي ازدهرت في إسبانيا منذ أواخر العصور الوسطى، وساعدت الشعراء الألمان على اكتشاف المنابع الحية لشعرهم الملحمي والدرامي، ووجدت عددا كبيرا من المترجمين والمقلدين الذين تأثروا بها في بداية الأمر إلى الحد الذي استحال معه التفرقة الدقيقة بين «الرومانسة» و«البالاد»، وذلك قبل أن تختفي الحواجز والحدود التي كانت تميز البالادة «الشمالية» - المكونة من مقطوعات ذات بيتين ينتهيان بقافية ولازمة متكررة - وبين الرومانسة «الجنوبية» ذات المقطوعات المكونة من أربعة أبيات غير مقفاة، وذلك بعد أن ظهرت أشكال وبنى جديدة للمقطوعات والأبيات والقوافي، بحيث تداخلت البالاد مع الرومانسة وأصبحا حتى القرن التاسع عشر يمثلان نوعا أدبيا واحدا هو القصيدة القصصية ذات الأحداث الدرامية الواضحة التي يمكن أن تعد المقابل الشعري والغنائي للأقصوصة أو القصة القصيرة في الأدب السردي. (3) ذكرنا فيما سبق أن «البالاد» أو القصيدة القصصية قد نشأت بداياتها الزاهرة على أيدي شعراء وأدباء مثل هيردر، وبيرجر، وأولاند، وجوته في شبابه، لكن يمكننا القول أيضا بأنها بلغت ذروتها الناضجة في عام 1797م، وهو الذي يصفه مؤرخو الأدب الألماني بأنه العام الكلاسيكي لبالادة جوته وشيللر. في هذا العام العجيب - أو قبله وبعده بقليل - ظهرت أعمال، أو بالأحرى كنوز خالدة، يعتز بها منجم البالادة الثري، وذلك مثل قصائد جوته القصصية «عروس كورنثه» والإله - الهندي - والراقصة، وصبي الساحر، والباحث عن كنز، وملك العفاريت (التي تجد ثلاثتها الأخيرة في هذه المجموعة واعتمدت الأخيرة - التي كتبها جوته سنة 1782م - على بالادة شعبية دنماركية كان هيردر قد سبق أن ترجمها تحت عنوان: «ابنة ملك العفاريت»، ومثل بعض قصائد شيللر كالغواص، وفارس توجنبرج، والقفاز، والضمان أو العهد، وإبيكوس، وأسراب الكركي التي تجد ثلاثتها الأخيرة في هذه المجموعة، وكلها بالادات فكرية ومثالية تؤكد استقلال الإنسان وحريته وكرامته وقدرته على مواجهة القدر الباطش بإنسانيته وإرادته وكبريائه وموقفه المثالي المتعالي والمتصارع مع عالم المادة والغرائز الوحشية من خلال «التربية الجمالية للإنسان» كما سمى إحدى رسائله الفلسفية المهمة).
ولم يتوقف كبار الشعراء الألمان، وصغارهم أيضا، منذ عهد هذين الشاعرين الكبيرين، عن محاولة كتابة القصائد القصصية والدرامية التي تعالج شتى المضامين والمشكلات في نظم شعري ملتزم بالوزن والقافية في معظم الأحوال، أو في أشكال شعرية حرة ومتحررة منهما؛ كما نرى عند بعض الشعراء المتأخرين والمعاصرين، بحيث اتسعت هذه البالادات لموضوعات شديدة التنوع والخصوبة؛ كالحب والألم، والسحر والخرافة، والمرح والسخرية، والنقد الاجتماعي الجريء للظلم الاجتماعي والطبقي على اختلاف صوره عبر العصور، والدفاع عن حرية الإنسان وكرامته وحقه في الحياة الطيبة السعيدة. (4) لقد أثبتت «البالاد» من موقعها الوسط بين الأقصوصة أو القصة الشعرية والدراما، قدرتها على التعبير العاطفي الصادق عن هذه الموضوعات بالأسلوب الغنائي والشعبي الذي تميزت به، لا سيما في فترات الثورة والتمرد على القهر والظلم الاجتماعي وسحق حرية الإنسان واستقلاله وأبسط حقوقه المشروعة في الحياة بغير خوف ولا ذل، بحيث بلغت قمما رفيعة من الجمال وشدة التأثير في عصور الثورات المختلفة، وحروب التحرير الوطني - كما حدث أيام حرب التحرير من قبضة نابليون - والاحتجاج على النظام النازي الأسود وحكمه اللاإنساني والشمولي المرعب. ولو تتبعت بعض النماذج التي تقدمها هذه المجموعة - وسبقت الإشارة إلى بعضها - لأخذك العجب من التنوع الشديد الذي يمتد قوسه ليشمل الموضوعات السابق ذكرها، وتتعدد صوره وانعكاساته بأكثر من تعدد ألوان الطيف. ويمكنك أن تتأمل - على سبيل المثال لا الحصر - قصائد للشاعر الرومانسي كليمنس برنتانو
3 (1778-1842م) لتلمس فيها شدة القرب من الروح الشعبية والأغنية الشعبية (كما في قصيدته عن «حكاية لورا لاي» الأسطورية التي ما يزال الملاحون والفلاحون على شواطئ نهر الراين يرددونها على ألسنتهم)، وتستطيع بسهولة أن تتبين سمات الاحتجاج والنقد السياسي والاجتماعي في بعض قصائد الشاعر والقصاص الفرنسي الأصل أدالبير فون شاميسو (1781-1838م) مثل: لعبة العمالقة والحلاق المناسب، وملك من الشمال، ونساء فينسبرج، وكذلك في بعض قصائد الشاعر هينريش هيني (1797-1856م) الذي اشتهر بعذوبته وسخريته القاسية، وشدة إحكامه للبناء الشعري (راجع قصائده القصصية عن بني عذرة وأنثى، ووادي الآلام، وشارل الأول، والنساجون) بالإضافة إلى قصائد الشاعر لودفيج أولاند برؤيته التاريخية الواضحة، وإلمامه الواسع بالتراث والقدر الألماني وأساطيره الجهمة المظلمة (انظر في هذه المجموعة قصائده القصصية: ابنة صاحبة الفندق، ولعنة المغني، وقصر على البحر)، وقد استطاع أمثال هؤلاء الشعراء - الذين عاشوا وكتبوا في القرن التاسع عشر - أن يضعوا الأسس الراسخة لجل الشعراء الذين جاءوا بعدهم، سواء من الواقعيين والطبيعيين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر (مع العلم بأن البالادة قد جربت أقسى فترات تدهورها وجفافها في عصري الواقعية والطبيعية)، أو في أوائل القرن العشرين من التأثيريين والتعبيريين، أو من الشعراء الثوريين الذين عاش شبابهم وكهولتهم بالمحنة النازية القاسية، ولا يزال بعضهم أحياء يعملون ويبدعون. ونذكر من أسماء الشعراء الكبار في القرن التاسع عشر: نيكولاوس ليناو (1802-1850م)، وجوتفريد كيللر (1819-1890)، وفريدريش هيبيل (1813-1863م)، وفردنياند فرايليجرات (1810-1876م)، وديتليف فون ليلينكرون (1844-1900م)، وتيودور فونتانه (1819-1898م)، وفريدرش ريكرت (1788-1866م)، وذلك حتى الشعراء الثوريين من أكثر من جيل في القرن العشرين الذين تحولت بعض قصائدهم القصصية إلى نداءات، أو دعوات تحريضية للنهوض والانتفاض على الظلم والحرب وسحق الحرية وإذلال الإنسان مثل: برتولت بريشت (1898-1956م)، ويوهانيس بيشر (1899-1958م)، وريشارد ديميل (1863-1920م)، وبرتولد فيرتيل (1885-1953م)، وإريش فينرت (1890-1953م)، وإميل جينكيل (1893-1959م)، حتى الأصغر منهم سنا مثل: فرانز فيمان (ولد 1922م)، وهاينز كالاو (ولد 1931م)، وكارل ميكيل (ولد 1936م)، وماكس تسيمرينج (ولد 1909م)، وفولكر براون (ولد 1939م)، وراينز كيرش (ولد 1934م)، وغيرهم حتى وقتنا الحاضر. (5) حاولت تصنيف هذه القصائد القصصية وترتيبها في تسع مجموعات تنتظم موضوعات ومشكلات متقاربة وضعتها تحت عناوين توخيت فيها الشاعرية، واقتبست بعضها من ثنايا السطور، وإذا كنت ستجد عددا كبيرا من الشعراء الذين ذكرت أسماءهم ممثلين في هذه المجموعة بقصيدة أو أكثر، فسوف تفتقد بطبيعة الحال عددا آخر ربما لم ترق لي «بالاداتهم» التي أتيح لي الاطلاع عليها، أو لم تشجعني على الاستجابة لها ونقلها إلى شواطئ لغتنا ومشاعرنا واهتماماتنا. لهذا أسارع بالاعتذار؛ لأن المجموعة التي اخترتها أو اختارتني لن تقدم رؤية كاملة ووافية للقصيدة القصصية في الأدب الألماني الغني بها غنى ملحوظا، ولكن لعلها - فيما أرجو - أن تقدم نماذج دالة على «البالاد» وتطورها وتحولاتها خلال فترة زمنية تقرب من ثلاثة قرون، وذلك منذ أن بدأت أول ينابيعها السخية - كما سبق القول - في التدفق بفضل شعراء كبار يعدون اليوم أجدادها الشرعيين. ومن المألوف والمعتاد في مثل هذه المختارات المنتخبة أن يفتقد هذا الشاعر أو ذاك، وهذه القصيدة أو تلك من القصائد التي كانت تعد درة فريدة في عصرها وتزين كتب المطالعة في أجيال سابقة، لكن الكمال مستحيل، وحسب هذه المجموعة أن تقدم للقارئ العربي عددا من أشهر وأنضج «البالادات» الألمانية، وتعطيه فكرة طيبة عن تطورها وتحولاتها في أحد الآداب العالمية المهمة.
ولا بد أيضا من الاعتذار مرة أخرى والاعتراف بالحسرة التي يشعر بها كاتب هذه السطور، وهو يدعو القارئ للاطلاع - أو بالأحرى للاستماع - إلى قصائد محرومة من الوزن والقافية والإيقاعات التي تميز بها معظمها في النصوص الأصلية. وقد سبق أن قلت إن هذه القصائد القصصية لا تنفصل في أغلب الأحوال عن الغناء، وربما عن الرقص أيضا، ولكنني لست شاعرا كبيرا ولا صغيرا، لكي أعيد نظمها في لغتي، وأحافظ على الأوزان الأصلية، وأبتدع لها القوافي الملائمة، وحتى هذه المحاولة لا يضمن نجاحها ولو قيض لها شاعر كبير في لغته؛ لأنها تؤدي بالضرورة إلى التصرف الشديد في ألفاظ الأصل ومعانيه وتراكيبه، ناهيك عن اضطرارها في كثير من الأحيان للنظم الجاف المصطنع وبعدها الحتمي عن رنين الكلمات الأصلية وعذوبة الأوزان والقوافي المرتبطة بها؛ لذلك حاولت أن أنقلها إلى العربية بأسلوب يراعي روح الأصل، ويعوض عن ضياع الإيقاعات والقوافي بقدر من الموسيقى الداخلية، أو من السجع والتساوق الملائم في نهايات السطور. وإذا كنت قد تصرفت تصرفا محدودا في بعض هذه البالادات أو في إعادة صياغة القليل منها، فإنني آمل - على كل حال - أن يتعاطف القارئ مع هذه «الكنوز»، وأن يشعر - ولو من بعيد - بجمالها وقيمتها إذا تحتم أن يغيب عنها بريق ذهبها وجواهرها، وأن يحس بشاعريتها التي أتمنى أن تعوضه قليلا عن «شعريتها» الضائعة. (6) وفي النهاية لا أستطيع أن أترك القلم قبل أن أعبر عن أمل آخر كبير ، وهو أن يلتفت أدباؤنا وشعراؤنا، من الشباب بوجه خاص، إلى القصيدة القصصية، ويتابعوا بقدر الإمكان أفضل نماذجها سواء في الأدب الألماني أو في غيره من آداب الشعوب كافة، لا سيما في الأدبين الإنجليزي والفرنسي وغيرهما من الآداب الغربية، وليس عندي أدنى شك في أن أدباءنا وشعراءنا سيجدون في القصيدة القصصية منبع إلهام صاف يمكن أن يساعدهم على الاغتراف من منابعهم التراثية الخاصة، ومن أدبهم الشعبي الغني بالكنوز. وربما حفزهم أيضا على شق طرق جديدة تعطي للقصيدة القصصية والدرامية في أدبنا العربي الحديث ما تستحقه من حب وعناية واهتمام، وتضيف إلى نماذجها الرائعة والنادرة عند بعض رواد شعرنا الجديد نماذج أخرى لأدباء وشعراء أحدث منهم سنا، وربما أكثر جرأة وإقداما على المغامرة في خوض بحار المجهول الساحر الذي نسميه الإبداع.
Halaman tidak diketahui
أحمده سبحانه على عونه وتوفيقه، وأستغفره وأسأله الصفح عن القصور والتقصير، إليه ترجع الأمور، وإليه المصير.
القاهرة في ديسمبر 2003م
عبد الغفار مكاوي
الفصل الأول
ساحرة من نهر الراين
(1) ملك العفاريت
من هذا الذي يسري في الليل والبرد والريح؟
إنه الأب مع ولده المسكين.
بالأمس اشتعلت نار الحمى في الجسد الصغير، لمسته كف الأم ومرت على الصدر والوجه والجبين.
صرخت من لسع الجمر المتقد، وصاحت: ولدي! يا ولداه!
Halaman tidak diketahui
خذه إلى المستشفى القريب. لا تنتظر الصبح لكيلا نندم، لا تبطئ حتى لا يذهب منا ويضيع.
لفته في حزام من الصوف، وغطته بالملاءة البيضاء.
ركب الأب حماره وحمل معه الولد العليل. احتضنه وضمه إلى صدره، وعلى الكتف أراح الرأس المحموم. - ولدي! لم تخفي وجهك؟ مم تخاف؟ - أبي يا أبي، ألا تراه يا أبي هناك؟ - من يا صغيري؟ من هذا الذي تراه؟ - إنه يا أبي ملك العفاريت، يشير إلي ويدعوني. على رأسه التاج المرصع بالذهب والياقوت، ومن ظهره يتدلى الذيل الأسود الطويل. - لا تخف يا ولدي، ما الشبح الذي تتخيله إلا غيمة من غيوم الضباب. - أبي. إنه يقول لي: تعال، تعال معي يا ولدي الحبيب! سوف نلعب معا أجمل الألعاب. وسنجري معا على الشط وحولنا الورود والأزهار، وأمي العجوز ستهديك الثوب الذهبي الذي أعدته لهذا اللقاء. - اهدأ يا ولدي، اهدأ. - ألا تسمعه يا أبي؟ ألا تسمع همسه في أذني بالكلام الحلو والوعود؟ - قلت اهدأ يا ولدي، اهدأ فالمستشفى يقترب، المستشفى غير بعيد. - ما زال يلح يا أبي ويقول: ألا تريد أن تأتي معي يا ولدي الصغير؟ إن بناتي اللطيفات ينتظرنك يا ولدي من زمن طويل، سوف يرحبن بك ويستقبلنك كالأمير، وسيرقصن على شرفك، ثم يهدهدنك ويضعنك وسط الحلقة ويهللن ويهتفن باسمك وبأعذب لحن سيغنين. - اهدأ يا حبة عيني، ليس ما تسمعه سوى أصوات الريح ترفرف في أوراق الشجر الذابلة الصفراء. - كيف لا تراهن يا أبي؟ بنات ملك العفاريت هناك في الأيك البعيد. في ذلك المكان الساكن المعتم الكئيب. - ليس ما تراه يا ولدي سوى أغصان الصفصاف، تترنح في البرد والليل والريح. - اسمع يا أبي، اسمع ما يقوله ملك العفاريت: أحبك، أحبك ويسحرني وجهك الفاتن وشكلك البديع، تعال معي تعال معي تعال، ولا تكن الولد العنيد! وإذا لم تطعني فسوف أستخدم معك قوتي وبأسي الشديد، آه!
إنه يمد يده إلي ويمسك بخناقي بيد من حديد. آه! أنقذني يا أبي، أحس في صدري وجنبي بالألم الشديد.
والأب أيضا أحس بالألم الشديد وداهمه الرعب المخيف، ضرب بعصاه الحمار العجوز الذي لم يكف عن لكزه طول الطريق، لف ذراعه حول الجسد الواهن المحترق وشده إلى صدره ليحميه من البرد والضباب والريح، ما هي إلا خطوات حتى لاح المبنى الأبيض كالوجه الطيب من بعيد.
وعندما وصل إلى البوابة الضخمة نزل من على الحمار الذي ربطه إلى حديد السور، وانطلق يجري إلى الداخل ليسلم الولد للطبيب.
قلب هذا في جسد الولد، تحسس جبينه، مال بجذعه وأحنى رأسه، ووضع أذنه على صدره، ثم رفع قامته، ووضع يده على كتف الأب الفقير وهو يقول: مات الولد. الولد مات.
1 (2) لورا لاي
لا لست أدري ما الذي جرى لي، ولا لماذا تتملك قلبي الأحزان؛ لأن هذه الحكاية من سالف العصر والأوان، لا تريد أبدا أبدا أن تغيب عن بالي.
في بلدة تقع على نهر الراين اسمها باخاراخ، كانت تعيش ساحرة فاتنة آسرة الجمال، لا تسل عن ضحايا سحرها وفتنتها، ولا عن القلوب التي حطمتها ومزقتها، فربما كانت تعد بالمئات أو الآلاف. اقتنع الناس - وهم في رعب - بأن على يدها مصارع الرجال، وبأن القيود التي تأسرهم بها عيناها وتوردهم موارد الهلاك، لا سبيل للخلاص منها، وكيف السبيل من سحر عينيها إلى الخلاص أو الإنقاذ؟
Halaman tidak diketahui
بلغ خبر جمالها وما حصده منجله الناصع الفتاك إلى آذان الأسقف الكبير؛ فأصدر أمره باستدعائها للمثول أمام سلطة الكنيسة ومجمعها الخطير، لكن الأسقف - فيما يروى ويشاع - انبهر بجمال الساحرة، وكاد يفقد الوعي والشعور. لا ندري ماذا قال لنفسه، لكننا سمعنا عما قاله لها في تأثر شديد: أنت أيتها الخاطئة المسكينة، أنت يا لورا لاي، من أغراك ومن أغواك بهذا السحر الشرير؟
قالت الساحرة الجميلة قاتلة الرجال، ومحطمة قلوب العشاق: مولاي الأسقف، سيدي القسيس الكبير، لقد تعبت من الحياة، تعبت من الحياة. أتوسل، أبتهل إليك أن تأمر بموتي الآن وفي الحال؛ لأنني ما دمت حية فسوف ينتهي كل من تقع عليه عيناي، أو تقع عيناه علي إلى الهلاك والضياع والبوار والخسران. وماذا أملك من حظي يا سيدي الأسقف الكبير؟ هل أنا التي جعلت من عيني جمرتين من النار واللهيب؟ أم أنا التي حولت ذراعي إلى عصا ساحر داهية ورهيب؟ أتوسل وأبتهل إليك يا مولاي، أن تأمر بإلقائي في النار قبل فوات الأوان، وتكسر عصاي قبل أن تلتف ذراعي كالحية حول أعناق الرجال في كل مكان. - لن أمسك بسوء يا ابنتي، ولن أستطيع أن ألعنك على الإطلاق، حتى تعترفي لي وتقولي يا لورا لاي، كيف أمكنك أن تقذفي بقلبي - وأنا رجل الله - في قلب النيران؟ كيف يمكنني أن أكسر عصاك فأكسر معها قلبي نصفين وأصبح كالمجانين والعشاق. أعترف بأني أكاد أصدق الآن ما بلغني عنك من أخبار، لكني أرجو أن تعترفي أنت وتكشفي عن قلبك النقاب يا لورا لاي. - لا تسخر مني يا سيدي القسيس الكبير، فما أنا يا مولاي إلا ساحرة مسكينة، وادع ربك وربي الرحيم أن يغفر ذنوب خاطئة بغير ذنبها وملعونة، تريدني أن أعترف؟ - أجل، أجل. كيف صعقت الملاح البائس بشعاع من عينيك وأنت على قمة جبل عال؟ وكيف ...؟ - وكيف اصطدمت مركبه بالصخرة فتحطمت المركب وتحطم معها الملاح؟ أوليس كذلك ما ترويه الأغنية على ألسنة الملاحين والفلاحين، وتردده النسوة وعجائز تلك البلدة والشبان مع الأطفال. مولاي تعبت من الأغنية ومن غناها ويغنيها صبح مساء. ولهذا جئت إليك لتنفذ حكمك في وتأمر. - ليس قبل أن تعترفي وتقولي، ما حكاية هذا الملاح؟ وماذا فعلت به يا لورا لاي؟ - صدقني فالأمر بسيط يا مولاي، وهو كما حدث بعيد عما يحكون. لم أذنب فيه - علم الله - ولم أقصد أن أوذي الرجل المسكين. - لكن شعاع الجمر بعينيك، ماذا فعل؟ اعترفي، قولي. - صدقني لم يحدث هذا عن قصد، لم أجن عليه، بل لم أعرف أن الرجل على مركبه يتأرجح فوق الموج الهادئ، بل لم أره ولا أطللت عليه. كان الجو جميلا قبل الشفق ترف علي الأنسام الرطبة، وأنا أجلس فوق القمة، قمة جبل تلمع كالذهب، وتتدفأ في نور الشمس الغاربة المنحدرة خلف الأفق كما التفاحة في غور الهاوية المعتم توشك أن تغرق. كان الراين هنالك من تحتي يتدفق ويسيل وديعا وحييا بالأمواج العذراء الرائعة الفتنة، وأنا العذراء الفاتنة هنالك فوق القمة، وأمشط شعري الذهبي بمشط ذهبي، وحليي تلمع في عنقي وعلى صدري وبمعصمي وفي كفي تضيء الظلمة، وكنت أغني يا مولاي، أغني للموج الناعم في الأعماق وللنسمة والطير العابر، والتفاحة تشحب حمرة خديها، تتصارع مع جيش الظلمة، توشك أن تغرق في العتمة. كانت أغنيتي رائعة اللحن كما يروون، جاشت بالنغم الآسر، صعدت للملأ الأعلى، ثم انحدرت هابطة للأمواج تهدهدها بالترنيمة والإيقاع. ما ذنبي أنا والملاح العابر في مركبه ينظر لي، ويطيل النظر إلى القمة؟ ما ذنبي أن سحرته أشعة عيني الذهبية حتى اختبل، انشغل عن الخطر الداهم، وارتطم المركب بالصخر الوعر فحطمه وتحطم معه، وغاصا في الأعماق المظلمة البشعة؟ ما ذنبي؟ قل لي يا مولاي الأسقف ما ذنب عيون لم تره أصلا، وذراع لم تلتف على صدره؟ ما ذنبي إن كانت أغنيتي خلبته وأخذت منه اللب مع الوجدان، فظل يصعد عينيه لأعلى، غفل عن المركب والدفة، حتى اصطدم بتلك الصخرة وابتلعته الأمواج؟ - حقا حقا، لا ذنب عليك، لا ذنب عليك. - بل أنا مذنبة يا مولاي، وذنبي أعظم من أن يغفر؛ لهذا جئت إليك ورحت أبثك شكواي وأتوسل لك، أتوسل أن تطلب من فرسانك أن تقتلني وتخلصني من قدري البائس والمخجل والمزري. - ولماذا المخجل والمزري؟ هل ذنبك أنك ساحرة العينين، وأن ... - أجل ذنبي ذنبي، لم تكتف عيناي بتكبيل العشاق جميعا بخيوط السحر الكامن في نظرتها، بل جعلته يهرب مني ويفر إلى البلد النائي. - من هذا؟ من هذا الهارب من سحرك؟ قولي. - هو حبي الأوحد في الدنيا يا مولاي، حول عينيه عني، غدر وخان، ذهب إلى البلد النائي. - خوفا من فتنتك وسحر عيونك. مفهوم مفهوم، ولهذا ... - لهذا جئت إليك الآن، وكلي العزم مع التصميم أن تخرجني من دائرة السحر الملعون. لفت تلك الدائرة ذراعيها حولي كالثعبان، وها أنا أتسمم وبنفس السم القاتل للعشرات وللعشرات من العشاق. ربي يعلم أني امرأة ساكنة ووديعة. إن الكلمات إذا خرجت من شفتي كذلك ساكنة ووديعة، لا عيني أو كلماتي قصدت يوما أن تجرح أحدا، دع عنك بأن تقتل أو تؤذي وتصيب الأفئدة بداء لا ينفع معه دواء. أنا نفسي أتألم من جرحي يا مولاي الأسقف. أرجوك ارحمني من جرحي وارحم قلب العاشق والمجنون. يكفي أني أتألم، يشتد علي الألم إذا عيني لمحت عيني في المرآة. أتوسل لك أرجوك. هبني أن أستغرف وأكفر عن ذنبي في حق الناس وفي حق حبيبي. تعبت تعبت، وما عاد لعيشي طعم فأمر يا مولاي. - بإلقائك في النار كما قلت؟ لا، لا. بل ألقيك قريبا في الدير لتعتكفي فيه كراهبة، وتعدي نفسك لمغادرة الأرض إلى أحضان السيد كالعذراء الطاهرة بموكب أحباب الرب. يا فرسان، استدعوا لي الفرسان هنا من قبل غروب الشمس، هيا هيا استدعوا الفرسان.
وحضر ثلاثة فرسان قبل مغيب الشمس. امتطوا صهوات جيادهم، ومضوا إلى الدير ومعهم لورا لاي. - يأيها الفرسان، يأيها الفرسان ، أرجوكم أن تقفوا الآن، دعوني أصعد تلك الصخرة في هذا الجبل الوعر لألقي آخر نظرة، وأطل على قصر حبيبي من تلك الصخرة. - من تلك الصخرة؟ في هذا الجبل الوعر المنحدر إلى هاوية الموت؟ - أجل، من تلك الصخرة يا فرسان، دعوني ألقي آخر نظرة، آخر ما تشهد عيناي من الدنيا هو قصر حبيبي الغائب. ودعوني أيضا ألقي آخر نظرة، من فوق الصخرة، للموج المحبوب الناعم في نهر الراين. أرجوكم أبتهل إليكم يا فرسان، قبل دخولي الدير لأصبح عذراء الرب القادر أن يغفر ذنبي وخطاياي.
والصخرة عالية وعرة، وجدار الصخرة ينحدر إلى الأعماق الخطرة، لكن الساحرة - بإذن من فرسان الرب الطيب - تتقدم منها، تتسلقها حتى تصل إلى قمتها وتطل على الوادي منها، وعلى السهل القابع في الأعماق. بعدت هذي الساحرة عن العالم، وارتفعت فوق الأرض وفوق جميع العشاق.
نظر الفرسان إليها، حسدوها أو غاروا منها أو نقموا أن تفلت منهم، فيكون نصيبهم القتل أو الطرد من النعمة والخذلان.
وربطوا جيادهم في السهل، وصمموا على الصعود إليها هناك فوق القمة الخطرة العالية. ها هم يتسلقون ويتسلقون، وهي هناك تطل على النهر الهادي المحبوب، على النهر الفاتن والمفتون، وماذا ترى هناك في الأسفل السحيق؟ قلبها يخفق، ويشتد ضرباته، وتسرع وتكاد تختلج مع الموج العميق. فهي تلمح سفينة صغيرة تتأرجح على الأمواج فتقول لنفسها: لا بد أن حبيبي الغائب فيها، لا بد أن هذا الواقف هناك هو حبيبي الذي لم يكن ولن يكون لي سواه. هنالك تميل على الحافة، تحني جذعها ورأسها وتلقي بنفسها من أعلى الصخرة إلى عمق الأعماق.
وماذا عن الفرسان الثلاثة؟ ماذا عن فرسان الرب الشجعان الأمجاد؟ يقال إنهم بعد أن صعدوا بشق الأنفس، ووصلوا إلى القمة عجزوا تماما عن الهبوط. كان من نصيبهم أن يهلكوا هناك على القمة التي غادرتها الساحرة الفاتنة إلى الأعماق . وهكذا كتب عليهم أن يموتوا وحدهم هناك، يموتوا وحدهم بلا قسيس يناولونه الاعتراف الأخير، ولا مثوى في قبر يضم الجسد الفاني والعظام.
هكذا انتهت الأغنية الغريبة العجيبة ، الأغنية التي ترنم بها ملاح يمخر بسفينته أو قاربه أمواج نهر الراين الهادئة الوديعة، ثم أخذها عبر الأجيال من بعده ملاحون آخرون. ودائما كان يتردد - فيما يحكى ويقال - من أعلى الصخرة المشهورة هذا النداء، دائما ما كان يتردد في سمع الملاحين والفلاحين على ضفاف الراين الحنون، ومن أعلى الصخرة التي عرفت بصخرة العذراء والفرسان الثلاثة، دائما ما كان يتردد هذا النداء:
لورا لاي.
لورا لاي.
Halaman tidak diketahui
لورا لاي.
2 (3) الولد الضائع في المرج الشاسع
يرى الولد، فيما يرى النائم أنهم أرسلوه، ومعه ثلاثون «تالرا»
3
إلى المرج الشاسع البعيد، وأنه في الحلم المرعب قد قتل على الطريق بسبب تلك النقود، مع أنه لم يكن يوما بالكسول ولا البليد.
وبينما هو غارق في العرق والقلق الفظيع، هزه المعلم من نومه، وأمره بارتداء ثيابه بغير إبطاء. سأله متعجبا عن سبب الفزع الذي أصابه، ثم وضع له النقود على الفراش فوق الغطاء. - آه يا معلمي، يا معلمي، ورأيتك تضربني بقسوة، حتى أصبت بالإغماء، وكانت الشمس يا معلمي بلون الدم المسفوح في كبد السماء. - انفض عنك الأحلام الصبيانية، وانهض على الفور يا غلام، فالشمس لا تبدو لك وحدك محمرة، بل لكل الأنام، قم من نومك أيها الكسول وإلا ضربتك بالسوط على رجليك كالبهائم والأغنام. - رحماك يا معلمي، هذا ما كنت تقوله وتفعله على الدوام، وكم رأيت هذا على وجهك، في نظرتك، وفي نبرة الكلام، وها أنت تمد ذراعك.
وقبل أن يكمل العبارة كانت العصا تنهال على اللحم والعظام. - آه، آه، سأذهب، سأذهب، ولكن يا معلمي الكبير، إذا سألت أمي عني فقل لها ابنك يقول لك الوداع، وحتى لا تتوه مع الرياح الأربع في كل اتجاه وتخاف، قل لها يا معلمي إنها ستجدني هناك، هناك في المرج تحت شجرة الصفصاف.
خرج الولد من المدينة فاستقبلته الأعاصير والرياح، وامتد أمامه المرج الشاسع الملفوف في الضباب والمسكون بالأشباح والأرواح.
آه، تكاد الريح تقذفني في الهواء، والخطوة في هذا المرج المخيف كأنها آلاف الخطوات، وكل شيء ساكن من حولي، كل شيء صامت أخرس تحت السماء، وعبثا أحس أو أرى أو أشعر بأنفاس أحد الأحياء، فلا شيء في هذا التيه إلا الطيور الجائعة كالغيلان، تنقض من أعلى على فرائسها من الحشرات والديدان.
ويصل الولد إلى بيت وحيد يبدو كالكوخ المهجور، وبينما هو يقترب منه إذ يظهر على بابه راع فقير، يخفق قلب الولد من الرعب، وتعلو دقاته، فتشل خطاه، ويقف في مكانه كالشحاذ الكسير: أيها الراعي الطيب، تبدو على وجهك التقوى والصلاح، لقد ادخرت من مصروفي القليل أربعة قروش، فأمر يا سيدي الراعي خادمك الأمين، أن يصحبني حتى القرية القريبة، ويدلني على الطريق، سأعطيه يا سيدي الراعي أربعة قروش، يمكنه أن ينفقها يوم الأحد على كأس من البيرة أو من النبيذ. سأعطيه هذه القروش التي تثقل علي بالهم والوسواس، فقد رأيت في المنام أنني أقتل بسببها، وتخمد مني الأنفاس.
Halaman tidak diketahui
أشار الراعي إلى خادمه القوي الطويل، الذي خبر دروب المرج، وطرق فيه كل سبيل. وظهر الخادم على الباب فارتعب الولد المسكين، الوجه جهم غليظ، والشر يلمع في العين، ويبدو على الملامح والجبين. - أيها المعلم، أيها الراعي، سامحني لا لا لا، الأفضل أن أمضي وحدي بغير رفيق ولا دليل.
ضحك الخادم الطويل، وقالت نظرته الساخرة للراعي العجوز: يريد أن يحتفظ لنفسه بالقروش هذا الولد البخيل. - ها هي ذي القروش الثلاثة.
رمى الولد القروش، ولم يدر إن كانت قد وقعت تحت قدمي الراعي الطيب أو تلقفتها يد الخادم المتجهم الطويل؛ فقد انطلق مسرعا زائغ البصر مبلبل الخاطر والبال، وسرعان ما تبدت أمامه شجرة الصفصاف من بعيد، وما درى بأن السائر خلف ظهره هو الخادم العنيد. رن الصوت الوحشي وراءه: أنت يا ولد لا تحتمل مشقة الطريق، لا تنس أنك طفل، ولا تستغني عن الصاحب والرفيق. آه لا تسرع في خطواتك، تأن ففي التأني السلامة، وإذا كانت النقود ثقيلة عليك فتعال هنا ولا تخف، تعال نسترح معا تحت الشجرة، شجرة الصفصاف. واحك يا ولدي عن ذلك الكابوس البشع الفظيع، فربما أكون أنا أيضا قد رأيت مثل هذا الكابوس المريع، والتقت أحلامنا السوداء كما نلتقي الآن في هذا المرج الشاسع البديع.
مد الخادم ذراعه، وضغط على يد الولد ضغطة ثقيلة صارمة، وأرتج على الولد فلم يبد أي مقاومة. هناك راحت أوراق الأشجار تهمس في الريح بصوت كالأنين، والجدول تتدفق في صمت وهدوء قطرات مائه الحزين. - قل لي يا ولدي. تقول إنك حلمت حلما فظيعا. ما الذي رأيت في الحلم؟ - حلمت برجل يتقدم مني، رجل جهم الوجه غزير الشعر الطويل. - هل كنت أنا هذا الرجل؟ انظر لي وتمعن في.
أحسب أني هذا الرجل وأنك لم تر أحدا غيري، أوليس كذلك؟ قل لي ماذا حدث؟ تكلم، ماذا حدث بهذا الحلم؟ - سحب الرجل السكين. - هل كانت تشبه هذي السكين؟ - أجل، هي هي، هي نفس السكين. - أمسكها في قبضته.
ثم طعن. - طعنك في الرقبة؟ أوليس كذلك؟ - آه، ما جدوى أن أتعذب وأعذبك بكلماتي، ما الجدوى من أن ... هيا خذها الآن.
وتسألون ما الذي جرى وما الذي حدث؟ إذن فلا توجهوا السؤال لي، بل إلى الغراب والحمامة، كانا هناك يا قارئي الكريم، شاهدا وشهدا على الحكاية؛ أما الغراب من موقعه على ذرى الصفصافة، فقد رأت عيناه واستخفه النعيق والسرور والفرح، وخافت الحمامة الحنون، أطلقت هديلها، وانطلقت مع الرياح للسماء، وبقي الغراب ينعي ذلك الشرير يحكي عما اقترفت يداه، وكيف أقبل الجلاد بعدما شم روائح الجريمة، وراحت الحمامة الأليفة البيضاء، تروي لكل من يسمع قصة الصبي البائس المسكين، وكيف راح يطلق الصياح والصلاة والرجاء والبكاء، ولم يزل ليومنا هذا يواصل البكاء.
4 (4) الباحث عن كنز
فقيرا في الجيب، مريضا في القلب.
رحت أجر ورائي أيامي المظلمة المملولة والملعونة.
Halaman tidak diketahui
رأيت أن الفقر أعظم المصائب،
والجاه والثراء أعظم النعم.
ولكي أضع حدا لهمومي وآلامي السقيمة، رحت أبحث عن كنز تحدثت عنه الكتب النادرة القديمة. يا نفسي، آه يا نفسي . لا بد أن تحصلي على هذا الكنز، ولتعلمي أنني راهنت بدمي على تحقيق هذا الفوز.
وهكذا انطلقت إلى المكان المعلوم، وأخذت أرسم دوائر حول دوائر تتسع وتتقاطع وتتعانق، وأشعلت النيران التي حولت الأرض إلى سماء تتوهج بالنجوم الساطعة، وتنذر بالبروق الصاعقة. لم أنس أن ألقم النار بالأعشاب الشهيرة الموصوفة، وأن أغذي وقودها بعظام الموتى اليابسة المخيفة. وبدأت أتلو تعاويذي المحفوظة، وأهيب بالشياطين الفظيعة والأرواح الرقيقة والغليظة. ثم شرعت أحفر في الموقع المحدد المحدود، وأنا واثق بالعثور على الكنز العتيد التليد. آه ما أبشعها من ظلمة، الليلة كانت عاصفة سوداء.
وفجأة لاح نور يخفق ويبرق من بعيد، كأنه نجم أو كوكب سعيد، وتزامن هذا مع دقات الساعة منتصف الليل. هنالك أخذت على غرة، وأشرق الضوء الساطع من كأس كالدرة، يحملها في يده صبي فاتن الجمال على جبينه غرة.
أبصرت أمامي عينين ببريق خاطف اللمعان، تحت تاج مرصع بالزهور التي تسطع ألوانها كالياقوت والمرجان. وعلى الضوء السماوي الساطع للشراب، دلف الصبي إلى الدائرة التي كنت أحفر فيها بالظفر والناب. ابتسم وحياني ودعاني أن أشرب باطمئنان. قلت لنفسي: يستحيل أن يكون هذا الصبي من نسل الشيطان، ما دام يقدم لي هذه الهدية الرائعة التي تستحق العرفان والامتنان: اشرب وتذوق شجاعة الحياة الصافية، عندئذ تفهم سر الموعظة الغالية، وتقلع عن تعاويذ الشر وتهاويل البهتان، ولا تفكر أبدا في الرجوع إلى هذا المكان. كف عن الحفر هنا، وتوقف عن هذا العمل الباطل، اجعل يومك للعمل المثمر والشاق، واجعل ليلك للسمر مع الأضياف وللبهجة والأشواق. اقض أسابيع العمر مع الكد المر، واترك نفسك للمتعة في الأعياد وللمرح الحر، ولتصبح كلماتي في المستقبل هي تعويذتك، وحكمتك، وكلمتك السحرية.
5 (5) صياد بجبال الألب - ألا تريد يا ولدي أن ترعى الأغنام؟ الأغنام الهادئة الطيبة التي تعيش على الأعشاب، وتمرح لاعبة على شط الغدير؟ - أمي، أمي دعيني أمضي يا أمي للصيد، هنالك فوق أعالي جبل الألب. - ألا تحب يا ولدي أن تجذب القطيع الصغير، ليسير وراءك على أنغام البوق المرح وألحان النفير؟ فترن الأجراس بصوتها المحبوب، وتندمج مع غناء الغابة العجيب؟ - أمي، أمي، قلت لك دعيني أسرح وأهيم، فوق أعالي الجبل الموحشة هناك. - ألا يعجبك يا ولدي أن تتعهد الأزهار اللطيفة التي تنمو وتزدهر في أحواض الزهور؟ هناك لن تجد البستان ولا الحديقة التي ترحب بك وتدعوك، فما أفظع الوحشة في الأعالي المقفرة الجدباء! - اتركي الزهور في حالها لتنمو وتزدهر في سكون، ودعيني يا أمي أذهب إلى قمة الجبل المكين.
وانطلق الصبي في رحلة الصيد كما أراد، وقلبه يجيش بالرغبة والقلق والاندفاع الجسور، نحو البقعة المقفرة التي يرتفع فيها الجبل الموحش المهول. مرت أمامه بسرعة أشد من سرعة الريح، غزالة تعدو هاربة مرتعشة بعد أن لمحت ظله النحيل. راحت تتسلق أضلاع الصخر العارية كأنها تسبح أو تطير، وما إن لمحت شقا في الحجر المتصدع حتى قفزت تختبئ فيه، لكن الصبي النزق الجريء كان يتبعها وفي يده قوس الموت الوشيك. ها هي ذي فوق الحافة تتعلق بنتوء في أقصى الطرف الحاد، تتلفت حولها وتحتها، فلا ترى من درب أو سبيل، بل صخور منحدرة في عمق الهاوية السحيق، وتنظر خلفها ولا تلمح سوى العدو المتربص بها من قريب. إنها ترسل نظرات الرعب الخرساء، وتبتهل وتتوسل لصبي قاسي الفؤاد، لكن تتوسل عبثا إذ ها هو يضع يديه على القوس، ويدخل فيه النبل الفتاك.
وفجأة ينشق الصدع الأسود في الجبل الأجرد عن روح طيب، ويتقدم منها عجوز الجبل ليهدئ من روعها، ويمر بيده الإلهية على ظهر الحيوان المعذب، ثم ينادي بأعلى صوت: أحتم عليك أن تجلب الموت والرعب إلى هذا المرتفع الذي أعيش فيه؟ إن الأرض تتسع للجميع، فلماذا تصر على مطاردة هذا الغزال البريء وملاحقة قطيعي؟!
6 (6) لعبة العمالقة
Halaman tidak diketahui
قلعة «نيديك» في منطقة الإلزاس اسم ذاع صيته في الحكايات والأساطير، واشتهر برجه العالي الذي كان يعيش فيه العمالقة قبل أزمان وأزمان. لقد سقط البرج العالي وانهار، وآلت القلعة اليوم إلى الخراب والوحشة والبوار. ولو سألت عن العمالقة فلن تعثر لهم على أثر وسط الأنقاض.
ذات يوم خرجت طفلة من نسل العمالقة من القلعة لتلعب أمام الباب، ودفعها الفضول لأن تهبط المنحدر إلى الوادي البعيد؛ إذ تاقت نفسها لمعرفة ما يجري هناك في الأعماق.
قطعت خطوات قليلة وسريعة لتجد نفسها قد عبرت الغابة، وسرعان ما بلغت الأرض التي يعيش فيها البشر. والمدن والقرى والحقول المزروعة بدت لعينيها من عالم غريب.
وبينما هي تطل تحت قدميها متطلعة لما تراه هناك، وقع بصرها على فلاح يعمل في حقله الصغير. كان الكائن الصغير منكبا على عمله الشاق العجيب، ومحراثه يلمع تحت وهج الشمس، ويسطع بضوء غريب.
هتفت صائحة: «ياه! يا لها من لعبة طريفة! سأحملها وأعود بها إلى البيت.» ثم انحنت بسرعة وبسطت منديلها على الأرض، وكنست بيديها كل ما كان يتحرك هناك، وكومت ما جمعته وطوته في منديلها الصغير. وأخذت تقفز بسرعة وهي تهلل بالفرح على عادة الأطفال، ودخلت القلعة وانطلقت في لهفة تبحث عن أبيها في كل مكان. - أبي، أبي الحبيب، أترى هذه اللعبة البديعة العجيبة؟ لم يسبق لي أن رأيت مثلها في قلعتنا العالية الأبواب والأسوار.
كان العجوز يجلس إلى المائدة، ويحتسي كأسا من النبيذ، نظر إلى ابنته في هدوء وسألها في حنان: «ما هذا الشيء المثير الذي تطوينه في منديلك اللطيف؟ أراك تتقافزين يا ابنتي من الفرح، فدعيني أنظر ما تحملين.»
نشرت الطفلة منديلها الصغير، وبدأت تصف على المائدة كل ما احتواه: الفلاح والمحراث والحصان الذي كان يجر المحراث. راحت تضع كلا منها في مكانه، وهي تصفق بيديها وتثب إلى أعلى وتهلل بالفرح والصياح.
تجهم وجه الأب واكفهرت ملامحه، هز رأسه في هدوء، ثم قال: «ما الذي فعلته يا ابنتي؟ ليست هذه لعبة على الإطلاق! هيا احمليها يا ابنتي على الفور، وأعيديها إلى الموضع الذي أخذتها منه. هيا يا ابنتي فليس الفلاح لعبة، ولا أدري كيف خطر لك هذا على بال. هيا نفذي الأمر بلا تردد أو إبطاء، فلولا الفلاح يا ابنتي ما عرفت الخبز الذي تأكلين كل صباح ومساء. هل غاب عنك أن نسل العمالقة من صلب الفلاحين؟ لا ليس الفلاح لعبة يا ابنتي، وليحمنا الله من شر هذه الأفكار.»
في منطقة الإلزاس ذاع اسم قلعة «نيديك» ورددته الأساطير والحكايات. واشتهر برجها العالي الذي سكنه العمالقة في سالف العصر والأوان. لقد سقط البرج العالي وانهار، وآلت القلعة في أيامنا إلى الوحشة والخراب والبوار. ولو سألت عن العمالقة لما عثرت لهم على أي أثر وسط الخرائب والأنقاض.
7 (7) صبي الساحر
Halaman tidak diketahui
أخيرا غادر المعلم والساحر الخطير. صرت وحدي وخلا علي البيت الكبير. سأجعل أرواحه وعفاريته طوع إرادتي، وآمرها بأن تتصرف كما أحب وأشاء. حقا أنا صبيه الذي يتعلم على يديه، لكنني سمعت كلماته وراقبت حركاته وسكناته وعاداته، وبقوتي وعزمي سأفعل الآن ما أريد، وأحقق مثله العجائب والمعجزات.
أيتها المياه، أيتها المياه،
تدفقي تدفقي،
وانطلقي وأغرقي
البيت والفناء،
والبهو والحديقة،
وليهدر الطوفان
من داخل الحمام،
وينتهي إليه
ولتغمر الدلاء
Halaman tidak diketahui
الزرع والبناء
بالماء ثم الماء،
تصبه عليه
والويل كل الويل
حين يفيض السيل
لمن يسد طريقه، أو ينكر الحقيقة.
تدفقي وفوري
وانطلقي وثوري.
أيتها المياه،
أيتها المياه.
Halaman tidak diketahui
وأنت أيتها المكنسة القديمة، هيا تعالي والعبي لعبتك الحميمة. هيا ارتدي أسمالك البالية السقيمة، قد كنت دائما خادمة مطيعة؛ فامتثلي لأمري الآن، حققي إرادتي ورغبتي الفظيعة. قفي على رجليك، وارفعي الرأس لأعلى، واحملي الوعاء فوقه ممتلئا بالماء. هيا اذهبي وعودي، عودي واذهبي دون تلكؤ ولا إبطاء. تحركي، تحركي أيتها المكنسة القديمة الحمقاء.
تدفقي تدفقي
أيتها المياه.
انطلقي وأغرقي
البيت والفناء،
والبهو والحديقة.
تدفقي وفوري،
وانطلقي وثوري
أيتها المياه، أيتها المياه.
ها هي المكنسة تنحدر هابطة إلى شاطئ النهر حقا، بل ها هي تملأ الوعاء وترجع مسرعة كالبرق، ثم تصل إلى هنا وتصب سيول الماء مرة بعد مرة بعد مرة، حتى يفيض الحوض وتمتلئ الجرار والقدور، والأوعية والأطباق والصحون، وتدفق من أفواهها الماء بعد الماء.
Halaman tidak diketahui
كفى، كفى
توقفي توقفي
أيتها المكنسة المجنونة،
أيتها المكنسة الملعونة.
لقد فعلت ما استطعت،
أعطيت فوق ما انتظرت منك.
شكرا ثم شكرا لك.
لكن توقفي الآن توقفي توقفي . أوشكت المياه أن تسيل كالطوفان،
وتغرق النبات والجماد والإنسان.
قلت توقفي.
Halaman tidak diketahui
لماذا تمعنين في العصيان؟ يا أنت يا نسل الجحيم أقلعي عن غيك الشنيع، عودي كما كنت وأعطيني الأمان.
أواه ما الذي فعلته وما الذي لا زلت تفعلين؟
وكيف أوقف المياه عند حدها وأتقي أذى السيل اللعين؟
ويلي، يا ويلي نسيت الكلمة! الكلمة التي ستوقف المكنسة الملعونة.
الكلمة التي توقفها فورا إذا أخرجها من فمه المعلم الحكيم.
ويلي أنا الغبي والملعون يا ويلي نسيت الكلمة! الكلمة التي ترجعها كما كانت وتمنع المصيبة.
توقفي، قلت توقفي أيتها المكنسة الرهيبة.
لا لن أطيق هذا. لن أطيق أن يغمرني التيار،
ويغمر السلم والحجرة والبهو وكل ما في الدار.
لن أطيق هذه الكارثة الفظيعة،
Halaman tidak diketahui
لا بد أن أمسكها المكنسة المجنونة الخليعة.
ويلي يا ويلي ماذا قد جرى؟
قد غمر السيل المكان واستبد وطغى، هل أترك البيت يضيع كالفريسة
لهذه المكنسة الخسيسة؟
قفي قفي، توقفي أيتها الدسيسة، هيا ارجعي كما كنت، وأوقفي لعبتك الحقيرة.
الماء فاض، أغرق الأعتاب، وحطم الدولاب، جرف الأبواب، هدد السقوف والرفوف والحظيرة.
ما زلت لا تريدين أن تقفي عند حدك. إذن فلا بد من الإمساك بك مهما كان الثمن. سألقي بنفسي عليك وأشطرك نصفين. ها هي البلطة في يدي ولن تهربي من مصير المارقين. ها هي ذي تعود وفوقها الوعاء يترنح ويدلق الماء. انتظري أيتها الروح الجاحدة، فسوف تركعين الآن وتندمين. ها هي ذي الضربة تقصم ظهرك الملعون، تقطع خشبتك المهترئة بحدها المسنون، انشطرت إلى نصفين، وأستطيع الآن أن أتنفس وأستريح من القلق والجنون.
ويلي، ويلي!
الشطران يقومان الآن من الأرض
يسابق أحدهما الآخر،
Halaman tidak diketahui
ويحث الخطو إلى النهر، ويمضي بالقدر الملآن. آه أيتها الأرواح العلوية، كوني في عوني،
لا تذريني وحدي،
لا تدعيني أهلك وأموت وأغرق كالفأر السكران،
ويهلك معي البيت مع الأغنام مع الجيران.
وتواصل المكنسة - التي أصبحت مكنستين - لعبتها السخيفة. ويبتل كل شيء وتطمره المياه؛ القاعة والأعمدة والسلالم والحجرات والشرفات.
آه ويلي من هذا السيل المرعب!
تعب القلب فأقبل ، أقبل يا سيدي الساحر والراعي والأب.
اسمع صوتي، أدركني، سامحني واغفر لي هذا الذنب. المحنة - يا من علمت صبيك - قاسية مرة.
أنقذني وأنا أعدك ألا أفعلها أبدا ، أعدك هذي آخر مرة.
زين لي الطيش الأحمق أن أدعو الأرواح فلبت وإذا البيت يصير بحيرة، لكني حين رأيت الخطر الداهم حاولت وحاولت لكي أصرفها،
Halaman tidak diketahui
واستعصى الأمر علي ولم أعرف سره، ونسيت الكلمة، وانقلب السحر على الساحر كاد يكلفه عمره.
أدركني يا سيدي ومولاي،
أقر بجهلي ورعونتي وهذي هي آخر مرة.
وجاء المعلم الساحر العجوز فهتف على الفور:
أيتها المكنسة اللطيفة
هيا إلى الزاوية الأليفة،
عودي إلى الركن الحبيب عودي.
وعندما يدعوك صوت غير صوت الساحر العجوز فاصمتي لا تسمعي للوعد والوعيد،
قولي له: السر لا يعرفه الصبي
بل يعلمه المعلم الذي علمني، الذي ألزمني حدودي.
Halaman tidak diketahui
8
الفصل الثاني
الحب الصادق وحد بينهما
(1) ابنة صاحبة الفندق
كان ثلاثة فتيان يتمشون على شط الراين الهادئ الوديع. بحثوا عن مكان يستريحون فيه، ثم رأوا أمامهم الفندق الصغير. طرقوا الباب ففتحت صاحبة الفندق. - «أيتها السيدة المحترمة، هل لديك بيرة ونبيذ؟ وابنتك الساحرة الجمال، أين هي الآن؟» - «عندي بيرة طازجة ونبيذ صاف، أما ابنتي فهي في الحجرة المجاورة ترقد في التابوت.»
اتجهوا ناحية الحجرة وفتحوا الباب. وجدوا الفتاة ممددة داخل تابوت يغلفه السواد.
تقدم الفتى الأول ورفع عن وجهها النقاب، ثم أخذ يتأملها بنظراته الحزينة. «آه لو كنت الآن حية، أيتها الفتاة الفاتنة الجمال، إذن لأحببتك على الفور من كل قلبي وبدءا من اللحظة والآن.»
وأقبل الفتى الثاني على التابوت، ومد يده فغطى وجه الفتاة بالنقاب، ارتد إلى الوراء قليلا، ثم راح جسده يرتج من البكاء: «آه، ما أقسى أن أجدك راقدة في هذا التابوت! كم أحببتك ورعيت عهودك عدة سنوات!»
واندفع الفتى الثالث نحو التابوت، فرفع النقاب عن الوجه الشاحب الحزين، وانحنى على الفتاة وقبل الفم الذابل وهو ينتفض من البكاء والأنين: «أما أنا فأحببتك دائما، وما زلت أحبك وسوف أظل أحبك للأبد.»
1 (2) القفاز
Halaman tidak diketahui