هنا ابتدأت رواية مضحكة، فسري عني قليلا، وضحكت أولا ضحكة انفتح لها قلبي لسذاجة زبوني، وبعدئذ سألته بلهجة ازدراء خفي: ألعل مار أنطونيوس عنده شركة للسوكرتاه، وكم سعر الألف عنده؟
فقال: «كان الناس يشورون علي بالسوكرتاه، وأنا أؤجل الأمر حتى لم يعد لي من حجة عليهم بالإمهال، وكل الوكلاء الذين قصدوني للسوكرتاه طلبوا مني مائة وخمسين ريالا، فقلت في نفسي أرسل مقابل ذلك مائة ريال لمار أنطونيوس كل سنة، وهو يحمي محلي أحسن من أي إنسان؛ لأن عجائبه مشهورة وهو حامي ضيعتنا، فأوفر خمسين ريالا وأنفع بلدي وقديسها.»
فقلت: ولكن إذا احترق محلك بماذا يعوض عليك مار أنطونيوس، إنه يأخذ منك كل سنة مائة ريال، ولا يعطيك سنتا واحدا إذا احترق محلك لا سمح الله، أما الشركات فإنها تأخذ منك مائة وخمسين ريالا، ولكنها تدفع لك كل سنت تخسره إذا احترق المحل.
وجلست ساعتين بكاملهما أنير بصيرة ذلك الزبون حتى أفهمته أن المسألة ليست للحماية، فمار أنطونيوس عجائبي وعظيم، ولكنه لا يعوض على الخاسرين، أما الشركات فإنها لا تحمي ولكنها تضمن الخسارة، ولم أذهب من عنده حتى أفهمته كل شيء بهذا الصدد، وأقنعته أن يستدعي أحد وكلاء شركة الضمان ليضمن محله.
في تلك السنة احترق محل زبوني المسكين، وبعد أسبوع وردني منه خبر أن الشركة أعاضت عليه الخسارة بعشرين ألف ريال، وقد أرسل إلي داخل الرسالة حوالة على البنك بكل حسابي معه. فكتبت أعلمه أن يعتبر بما جرى، وأن يفتكر قبل أن ينشئ محله الثاني بأمر الضمانة، فلولا مراحم الله التي ساقتني إليه تلك المرة لأنير بصيرته وأحول السوكرتاه من مار أنطونيوس إلى إحدى الشركات لكان حضرته في هذا الوجود وأتعابه سنين عديدة في ذمة ذلك القديس.
بعد سنة واحدة احترق محله ثانية، واستدعيت إلى بلده من الحكومة كأحد الدائنين الكبار، وقد كان لي بذمته اثنا عشر ألف ريال، وهناك مكثت يومين، ومن هناك عدت إلى نيويورك كما ذهبت، وزبوني في السجن بدعوى إحراقه محله عمدا؛ فقد عثر البوليس على شمعة مخصوصة لإيقاد النار في المحل، ولم تأت عربات الإطفاء حتى كانت النار قد التهمت الأخضر واليابس، وفي الاستنطاق أقر أنه أوقد النار ليأخذ ألوف الريالات من شركات السوكرتاه، وقد أخبر المحكمة أني أنا سببه؛ ولهذا دعتني للشهادة، فأخبرت القاضي بالقصة من أولها إلى آخرها، وما آخرها إلا عودتي من تلك البلدة خاسرا أرباحي وأتعابي خمس عشرة سنة عند ذلك الزبون، وهذا ثمن فتحي باصرة أعمى، وإرشادي ضالا، وقيادتي ساذجا إلى طريق العرفان.
وقال لي صديقي إلياس البقاعي ختاما لحكايته التي أثرت بي كثيرا: «أوتلومني لماذا انقلبت من إلياس تعرفه إلى إلياس تراه وتسمع به في هذا الحين يضل الناس ويعمقهم في ضلالهم!
يا ليته بقي مسوكرا عند مار أنطونيوس، بل يا ليتني لم أفتح بصيرته وأرشده إلى الضمانة الحقيقية التي علمته ارتكاب الجرائم.»
سمعان النادر
هكذا يسمونه اليوم «سمعان النادر»، وقد كان اسمه قبل أن هاجر إلى أميركا سمعان فقط. لم يكن أحد يعرف كنيته، ولكنه كان رجلا مشهورا بقبائحه حتى أغنى اسمه عن كنيته، فكان اسم سمعان كافيا في تلك المقاطعة السورية ليعني لدى كل واحد من ساكنيها رجلا شديد القوة، يقطن الكهوف في الجبال، يترصد أبناء السبيل ليفتك بهم ويسلبهم حوائجهم.
Halaman tidak diketahui