فقال الإمام بعد تردد: ولكن أعجب ما سمعت من حوادث القتل ما ذاع عن مقتل قرقوش العبد؟!
فضحك حمودة واستغفر الله، فقال الإمام بإلحاح: حدثني بخبره يا معلم حمودة.
فقال الرجل الذي لم يبد قط أن ذكريات جرائمه تؤرقه: كنت جالسا في داخل المقهى عندما جاء قرقوش العبد ليدخن البوري، لم يكن بيني وبينه شيء على الإطلاق، فدخن البوري وشرب قهوته، ثم قام لينصرف وهو يقول لصاحب المقهى «غدا سأكون عندك في مثل هذا الوقت بالدقيقة والثانية كما اتفقنا فلا تنس»، وما أدري إلا والغضب يجتاحني فقررت في الحال قتله، ولم يطلع عليه الصبح! - أذلك كل ما كان؟ - بلا زيادة ولا نقصان! - ولكن ما الذي أغضبك؟ - لا أدري، حتى اليوم لا أدري. - ولكن لا بد من سبب! - ربما أحنقتني ثقته البالغة في نفسه وفي غده، كان يتكلم بثقة وطمأنينة! - ولكن لا بد من سبب غير ذلك؟ - قل إنه قتل بلا سبب!
فتعجب الإمام ورمق الرجل بغرابة وذهول، وكان الكبر قد أهزله فلم يبق منه إلا هيكل عظمي.
الحكاية رقم «55»
ومما يحكى أنه كان بحارتنا شاب صعلوك، يدعى عباس الجحش، لم يكن يوفق أبدا في إتقان حرفة ولا يمكث في دكان أكثر من أيام، ثم يطرد شر طردة، وذات يوم رأى عباس عنباية المتولي بنت بياع الدندورمة، فأترع قلبه برحيق الحب المسكر، ولم يجد سبيلا مشروعا إليها، فتفتق عقله عن حيلة، أن يتآمر مع صحبه من الصعاليك على أن يمثلوا مع الفتاة دور المتحرشين، وعلى أن يمثل هو دور ابن البلد الشهم، وخرجت عنباية لتتسوق في ليلة عاشوراء فحاصرها الصعاليك متظاهرين بالعربدة، فوثب عباس الجحش من مجلسه على سلم السبيل، فانقض عليهم كالوحش، صرعهم واحدا في إثر واحد حتى طرحهم أرضا، ثم تقدم من البنت وهو يلهث قائلا: مصحوبة بالسلامة.
فشكرته ومضت معجبة بقوته الخارقة، وجعلت من مغامرته حكاية تتناقلها النساء والرجال.
وصادف ذلك وقتا خلت فيه الحارة من فتوة - ولم تكن الفتونة قد زالت بعد - فتساءل أناس ترى هل آن لحارتنا أن يكون لها فتوة؟
ورأى أحدهم عباس وهو يحوم حول بيت بياع الدندورمة، فهتف به: أهلا بالجحش فتوة حارتنا!
واهتز عباس بالهتاف، ولعبت برأسه الأحلام، وتحت سطوة المخدرات قال لنفسه: فلنجرب هذه اللعبة!
Halaman tidak diketahui