دعيت فلبيت، فإذا أنا في بيت ينطح الجو، تضيع في بهوه الضيوف مهما كثرت، وغرف رحيبة يضاحك بعضها بعضا عن بعد، وقبل أن نبلغ المقام استقبلنا السيد والسيدة وعرفانا بأولادهم، فإذا هم خمس بنات لهن أخ واحد، فقلت في قلبي: صبر الله قلب هذا الرجل، فمن أين يفبرك لهؤلاء الشابات عرسانا؟! ومن يجرؤ أن يتقدم، إذا لم يكن قادرا على هذا الحمل الذي يقطع الظهر، فهن لا يرضيهن إلا السري الأمثل، والمثري كأبيهن، وهؤلاء قلائل.
وجلسنا وجلس معي في زاوية قصية من الدار واحد عرفني وما عرفته، فشق الحديث بدون كلفة وقال: كيف رأيت هؤلاء العرائس؟
فقلت: وهل حسبتني أفتش عن عروس؟! أنا أرمل دهر لا شهر، كما قال العوام.
فأجاب: إن لم تكن لك فعندك أولاد، تفرح منهم إن شاء الله.
فقلت: الذي هو مثلنا يصلي لربه صباح ومساء: أعطنا خبزنا كفاف يومنا، ويعيش على رجاء قيامة عرق جبينه الذي يقبره في تراب الأرض، لا يخاطر بحياته وحياة بنات الناس ...
فقال: وأية مخاطرة؟! كل واحدة منهن معها مليون.
فقلت: لا توجع قلبي بحديث الملايين، فذات المليون تنفق بلا حساب، ومن ينفق بلا حساب لا يعلم مصيره إلا الله. فليتزوجها من يريد أن يكون خادما لها، ولمليونها.
وجاءنا ثالث فقطعنا الحديث، وقضينا السهرة في أحاديث تناسب المقام. لا حاجة إلى وصف كرم المضيف ولطفه وبشاشة عقيلته، وتكلف بناته الظهور بمظهر النبل المبجل، وإن دلت حركاتهن على أن إياهما من الأوادم الطازة، ثم انصرفنا وكلنا ألسنة شكر على كرم البيت، وتحدثنا عن الثروات المفاجئة التي تنبت كالكمأة في السنين الملائمة، فبينما الذي كان يشتهي العضة بالرغيف إذا به يعوم في المحيط الأطلسي.
وبعد سنين التقيت بجليسي في تلك السهرة فذكرني بها، فقلت له: والبنات؟
فأجاب: هن في البيت.
Halaman tidak diketahui