كبير الأساقفة آنذاك ذلك الزواج المقترح ، وأيده الأسقف فوكس
Foxe
استنادا إلى آية في الكتاب المقدس تقول «وإذا أخذ رجل امرأة أخيه فذلك نجاسة ... يكونان عقيمين» (سفر اللاويين، 20: 21) ووافق على الزواج أساقفة آخرون استنادا إلى آية أخرى هي: «إذا سكن إخوة معا ومات واحد منهم وليس له ابن ... أخو زوجها يدخل عليها ويتخذها لنفسه زوجة» (سفر التثنية، 25: 5). وهكذا كان لا بد أن يحتكم الجميع إلى البابا وكان اسمه آنذاك يوليوس، الذي أصدر فتوى عام 1503م، بأن الزواج حلال، ولكن فتوى البابا لم تحسم الأمر تماما؛ إذ ظل الفقهاء في خلاف، وإن كان الخلاف هذه المرة حول حق البابا في الإفتاء، مما يرهص بنوازع الاستقلال عن كنيسة روما. ولم تهدأ المسألة، رغم إعلان الخطبة رسميا عام 1503م، إلا عندما أعلن تأجيل الزواج بسبب صغر عمر هنري؛ إذ كان هنري ما يزال في الثانية عشرة، وكان يرى في المرأة غير الجميلة التي تكبره بست سنوات زوجة لا يشتهيها قلبه كما سبق أن ذكرنا، فطلب إعلان بطلان الزواج لأن أباه أكرهه عليه، ولكن والده أصر، وأصر معه كثيرون ممن كانوا في قلق على الأوضاع السياسية والعسكرية، وكانوا يرون فيه إنقاذا للبلد من الحرب مع إمبراطورية قوية من المستحسن أن تساندهم في صراعهم التقليدي مع فرنسا. وهكذا تزوج هنري الثامن كاثرين، قبيل أن يبلغ الثامنة عشرة؛ أي بعد أن مات أبوه وتولى العرش في 21 أبريل 1509م.
وبعد سبعة شهور أنجبت كاثرين أول طفل لها مات عند الولادة، (31 يناير 1510م)، وبعد ذلك بعام أنجبت طفلا آخر مات بعد بضعة أسابيع (1511م)، وسقطت في طفلها الثالث (1513م) والرابع (1514م)، مما جعل الملك يفكر من جديد في إعلان بطلان الزواج، ولكن عندما أنجبت كاثرين طفلة أسماها ماري عام 1516م، تفاءل الملك لأن الطفلة ظلت في قيد الحياة (وهي التي أصبحت ملكة فيما بعد) وعاوده الأمل في إنجاب وريث للعرش، ولكن آماله تحطمت عندما أنجبت كاثرين ابنا آخر ولد ميتا في عام 1518م.
في بداية المسرحية إذن نرى الملك وقد فقد الأمل في نجاح زواجه، إلى جانب ظهور مشكلة وراثة العرش وما يمكن أن تتسبب فيه من مشكلات، ونرى الكاردينال وولزي وهو يعمل جاهدا على إقامة الروابط العائلية بين الدولتين، ونعلم من الخلفية التاريخية أن خطبة ماري لولي عهد فرنسا (رغم أنهما كانا طفلين) أثارت انزعاج كبار رجال الدولة (اللوردات؛ أي كبار الملاك)؛ لأن ذلك معناه أن تكون بريطانيا خاضعة لفرنسا؛ ومن ثم عارضوه، وكان من بينهم لورد نورفوك ودوق بكنجهام. ويختلف المؤرخون في مدى صحة ما ورد في كتاب تاريخ إنجلترا (من تأليف رافائيل هولنشد) الذي استند إليه شيكسبير بصورة كاملة، عن اعتزام دوق بكنجهام الاستيلاء على العرش، ولكنهم يجمعون على أن خطبة ماري إلى ولي عهد فرنسا كانت تمثل خطرا داهما على البلاد. ويبدو أن المعارضة الرئيسية كانت من جانب دوق بكنجهام
Buckingham ، ويفسر ذلك أحد المؤرخين قائلا إنه لم يكن يرى أنه من كبار رجال الدولة فحسب بل كان يعتقد أنه يتحمل مسئولية حماية سلامة الأمة من مغبة الانسياق وراء الأحلاف الأوروبية. ولا شك أن هذه المعارضة السياسية كان معناها إفساد خطط الكاردينال وولزي، بل كان معناها تحطيم آماله الطموحة التي لم يكن لها حدود؛ ولذلك دبر للقضاء على بكنجهام، ورأى شيكسبير في ذلك موقفا دراميا يرهص بالموقف الدرامي «المتكرر» للمؤامرات والدسائس التي أودت بجميع من عمل في خدمة الملك، وبنهاية الكاردينال وولزي نفسه، ف «كما تدين تدان».
ويصور شيكسبير على لسان الراوي نورفوك ما حدث في اللقاء بين الملكين الإنجليزي والفرنسي عام 1520م، ويصور أيضا موقف بكنجهام، ولكنه لا يصور ما حدث بعد ذلك إذ عندما ترك هنري الثامن «حليفه» ملك فرنسا (فرانسيس) عاد إلى كاليه في يوليو 1520م (أي بعد 17 يوما فقط) ليعقد اتفاقا مع الإمبراطور الإسباني شارل، في حضور الكاردينال وولزي أيضا، وهو الاتفاق الذي تراجع فيه عن عزمه على مصاهرة الأسرة المالكة الفرنسية! أي إن وولزي كان في الحقيقة يسير دفة السياسية الإنجليزية، ولم يكن من ثم على استعداد لقبول أي معارض من أي طرف. ولقد خرج من هذه المغامرات كلها بثروة يصعب حصرها؛ إذ أمر الملك رهبان دير سانت أولبانز
Albens
ب «اختيار» وولزي رئيسا لهم وتقديم صافي دخل الدير له، عوضا له عن تكاليف الرحلة.
ولنقرأ الآن ما كتبه تريفيليان في كتابه «تاريخ إنجلترا الاجتماعي»، ص94، عن وولزي: «كان هنري السابع وابنه هنري الثامن يتسمان بالحماس للعقيدة السلفية (
Halaman tidak diketahui