في المرتبة الأولى لمدة عشر سنوات، وكتب مدة خمسين سنة بعد ذلك، بينما كان غيره من المنسيين الآن، مجيدين بحيث يستطيعون انتزاع الفوز من هؤلاء، في نصف المباريات الدرامية السنوية، على الأقل. وفضلا عن هذا، لم يقنع هذا الشاعر الجديد بالامتياز في المجال الذي وضعه سابقوه، واتسم بطابع الاستحسان العام. كان نبوغه طريفا، فاندفع وراءه في غير ما خوف؛ ولذا صار مجددا في معالجة المسائل الدينية والأخلاقية التي قدمتها الأساطير القديمة. فأضفى عليها طابعا أدبيا وفنيا لكي تلائم العرض فوق منصة المسرح. ولما كانت الطرافة ذات أثر معارض على حكام الأدب الرسميين، ولما كانت مؤلفاته تسير في عكس اتجاه كثير من المعارضات، التي بعضها مخلص في اعتراضه وبعضها غير مخلص؛
1
فمن المدهش حقا أن تنال مسرحياته الجائزة الأولى خمس مرات فحسب في خمسين سنة.
بيد أن عدد هذه الانتصارات الرسمية لا يعتبر قائمة بشهرته الحقيقية وباستيلائه على القلوب، ليس قلوب مواطنيه فقط، بل وقلوب كل من كان يتكلم لغة بلده وقد روي كيف خضع ألد أعداء أثينا لسحره في مناسبتين، حتى إنهم، إكراما لخاطره، أبقوا على مواطنيه المهزومين وعلى أثينا التي استولوا عليها، وجنبوهم ويلات الحرب وآخر إذلال للمغلوبين. ظل يوريبيديس بعد موته، طالما بقيت الإغريقية لغة حية، ظل أشهر عظماء أساتذة التراجيديا الثلاثة، كما ظل أكثرهم نفوذا. وقد تلا أفول نجمه في القرن التاسع عشر، رد فعل اعترف له فيه بأنه يمثل إحدى الدراسات الممتعة في الأدب كله.
غادر يوريبيديس أثينا وهو في الثالثة والسبعين من عمره، كما غادر أعداءه الصاخبين، فنزل ضيفا مكرما في بلاط ملك مقدونيا. وإذ لم تقلقه الدسائس الخبيثة ولا الاضطرابات السياسية، ولا الأخطاء الجسام التي تعرضت لها أثينا في ذلك الوقت، شرع يكتب بحرية وبسرعة وبجد وبتفكير عميق وعظمة تعبير قلما أتيحت له من قبل.
مات شاعرنا هذا في عام 406ق.م. فلبست أثينا ثياب الحداد عليه وهي في ثورة من الإعجاب والحب والندم. ومن بعض ثمار استجمامه في مقدونيا، أربع مسرحيات عرضت في أثينا بعد موته بفترة وجيزة، وتوجت بالجائزة الأولى، رغم محاولة أريستوفانيس
Aristophanes ، في كوميديته «الضفادع»، قبل ذلك ببضعة أشهر، أن يحط من قدر عبقريته.
أما خصائص يوريبيديس بالمقارنة مع أخويه في الدراما فيمكن تلخيصها فيما يلى:
تناول أيسخولوس المبادئ العظمى، ولا سيما ما يختص منها بالعقاب الذي تنزله الآلهة بالبشر، وبالتمادي في الخطيئة على أنهما وصمة وبائية لا يمكن القضاء عليها. يؤمن أيسخولوس بذلك ويرتجف ذعرا. أما سوفوكليس فيصور الأخلاق العظمى؛ يتجاهل متابعة القدر للبشر في عناد كما يتجاهل قوة الشر الدائمة، ويعتقد أن «الإنسان هو الإنسان وهو المسيطر على مصيره». وأما يوريبيديس فيستعرض المسائل الأخلاقية الكبرى؛ فيحلل الطبيعة البشرية وغرائزها وعواطفها وبواعثها، وينطق بصيحة الروح البشرية ضد طغيان القوى الخارقة للطبيعة وأنانية الإنسان وقسوته، والعبء الساحق للبيئة. فيتساءل، لأنه: «لا يصدر حكمه بعمى».
كتب يوريبيديس أكثر من تسعين مسرحية، لم يحفظ منها سوى أسماء إحدى وثمانين، وبقيت منها تسع عشرة - عبارة عن ثماني عشرة تراجيدية، ودراما ساتورية واحدة هي «الكوكلوبس
Halaman tidak diketahui