لكنها ليست بالطبع أمي، وكنت سأستيقظ ذات صباح وأدرك ذلك. وكان علي أن أفكر في كل الأشياء التي فعلتها من أجلي، وكان هذا يشعرني بحرج شديد؛ وهذا هو الحال بالنسبة إلى أي رجل، وبخاصة أنا عندما أتذكر مظهري. كنت قد نسيت ذلك بنحو أو بآخر، وبدا لي الآن أنها لم تكن تشعر بالحرج، وأنها تفعل تلك الأشياء بصورة تلقائية لأني كنت بالنسبة إليها مجرد شخص ناقص أو طفل بائس.
أصبحت لطيفا الآن وامتزجت كلماتي ما بين التعبير عن الامتنان، ورغبتي الصادقة في أن تعود إلى منزلها.
وفهمت الرسالة التي أردت إيصالها لها، ولم تشعر بأي ضيق. لا بد أن التعب قد ألم بها من فترات النوم المتقطعة والعناية التي لم تعتدها بشخص آخر. قامت لآخر مرة بالتسوق من أجل شراء الأشياء التي كنت أحتاجها، وراحت تقيس درجة حرارتي للمرة الأخيرة ثم رحلت وهي تشعر، في اعتقادي، برضا شخص أدى مهمته على الوجه الأكمل، وقبل أن تفعل ذلك مباشرة كانت قد انتظرت في الغرفة الأمامية لترى إن كان بمقدوري ارتداء ملابسي دونما مساعدة، وشعرت بالارتياح لقدرتي على ذلك. وبالكاد خرجت من المنزل عندما أحضرت بعض الحسابات وعكفت على استئناف العمل الذي كنت أؤديه في اليوم الذي أصابني فيه المرض.
كان عقلي يعمل على نحو أبطأ، لكن بدقة، وهو الأمر الذي أشعرني بارتياح كبير.
تركتني بمفردي حتى ذلك اليوم - أو بالأحرى المساء - الذي اعتدنا فيه مشاهدة التليفزيون معا، ثم وصلت وهي تحمل في يدها عبوة من الحساء، التي لم تكن تكفي لصنع وجبة متكاملة قائمة بذاتها، ولم تكن شيئا صنعته بنفسها، ومع هذا كانت بمنزلة مساهمة لا بأس بها في الطعام. وقد وصلت مبكرة كي يكون هناك وقت كاف لذلك. فتحتها أيضا دون أن تسألني. كانت تعرف طريقها جيدا إلى المطبخ؛ سخنتها، وأحضرت سلطانيتي حساء وتناولنا ما بهما معا. ذكرني سلوكها بأني رجل مريض يحتاج إلى تغذية عاجلة، وكان هذا صحيحا بدرجة ما؛ فقد كنت في ظهيرة ذلك اليوم غير قادر - بسبب رعشة ألمت بي - على استخدام فاتحة العبوات بنفسي.
كان هناك برنامجان نشاهدهما معا، الواحد تلو الآخر، لكننا في تلك الأمسية لم نشاهد البرنامج الثاني مطلقا، ولم تستطع هي الانتظار حتى ينتهي البرنامج الثاني لتشرع في حوار لم يكن مريحا بالنسبة إلي.
وخلاصة ذلك الحوار أنها كانت تعد نفسها للانتقال للعيش معي في منزلي.
قالت إنها من ناحية لا تشعر بالسعادة في الشقة التي تعيش فيها، والتي كان الانتقال إليها بمنزلة خطأ كبير؛ حيث إنها تحب الإقامة في المنازل. لكن هذا لم يكن يعني أنها تشعر بالندم لأنها تركت المنزل الذي ولدت فيه؛ فقد كانت على وشك الإصابة بالجنون وهي تعيش في ذلك المنزل بمفردها. وخطؤها أنها اعتقدت أن الشقة يمكن أن تكون ببساطة هي الحل. وأضافت أنها لم تكن سعيدة على الإطلاق في هذا المكان، ولن تكون كذلك أبدا. وما جعلها تدرك تلك الحقيقة هو الوقت الذي أمضته في هذا المنزل، عندما كنت مريضا، وقد كان عليها أن تدرك ذلك منذ فترة طويلة جدا، عندما كانت فتاة صغيرة وترى منازل بعينها وتمنت أن تعيش فيها.
والشيء الآخر الذي قالته هو أننا غير قادرين بنحو كامل على الاعتناء بأنفسنا؛ فماذا لو مرضت أنا وكنت بمفردي تماما؟ وماذا لو تكرر ذلك الأمر ثانية؟ أو ماذا لو حدث هذا الأمر لها؟
قالت إننا نكن بعض المشاعر أحدنا تجاه الآخر، وهي ليست بالمشاعر المعتادة. وأضافت أن بمقدورنا العيش معا كأخ وأخت، وأن يعتني كل منا بالآخر على هذا النحو، وسيكون ذلك من أكثر الأشياء الطبيعية في هذا العالم. وقالت إن الجميع سيتقبل ذلك الأمر، ولم لا يفعلون هذا؟
Halaman tidak diketahui