Hayat Sharq
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Genre-genre
وقد حكم ناصر الدين (يا له من تهكم!) بلاد إيران خمسين عاما وقضى نحبه رغم أنفه في ختام الخمسين عاما وهو على وشك الاحتفال بمرور نصف قرن على عهده. وإن السلطان الذي يحكم الأمة خمسين عاما لا ينصف فيها مظلوما ولا يزجر ظالما وتشتبه عليه الأمور فلا يطلب لها إيضاحا ولا يعمل تحقيقا؛ جدير بأن يخلد ذكره في التاريخ باللوم والتقريع. وقد أعدم ميرزا رضا في 12 ربيع الثاني سنة 1314ه، وكان أعظم المقاومين لحكم ناصر الدين شاه، وكذلك كان من زعماء الأمة في ذلك العهد الحاج شيخ هادي نجم آبادي وميرزا ملكم خان الذي أسس جريدة قانون، ومنهم الشيخ أحمد روحي كرماني وميرزا أقاخان كرماني وميرزا تقي خان. وهؤلاء مع من ذكرنا هم الأبطال الأمجاد الذين هيئوا الأمة الإيرانية للنهضة الحديثة، وربما كان أعظمهم شأنا المرحوم ميرزا تقي خان أمير كبير فقد كان عصاميا وصل بجده واجتهاده وإخلاصه في العمل إلى أعظم المناصب، فقد كان من عامة الشعب وارتقى إلى الصدارة العظمى أو أن الصدارة العظمى قد صعدت إليه، فاتخذ من منصبه أداة لتحرير الأمة لا لانتهاك حرمتها فأنشأ فيها المدارس الكثيرة وأسس دارا للفنون ونظم الجنود ورتب الأحكام، وأظهر غيرة خالصة على مصالح الشعب جعلت الشاه ناصر الدين يحنق عليه وكان جزاؤه على إخلاصه لوطنه أن يقتل في حمام «فين» بكاشان، ولما وصل خبر قتله إلى قيصر الروس استبشر وقال: «لقد مات أكبر أعدائنا، وذهبت أشد العقبات من سبيلنا.»
وقد حكم مظفر الدين اثنتي عشرة سنة من 1896 إلى 1908 بعد أن حكم أبوه خمسين عاما. وكان عهد ناصر الدين معاصرا لعهد الملكة فيكتوريا، كما كان عهد مظفر الدين محاذيا لعهد الملك إدوارد السابع تقريبا، ولكن عهد فيكتوريا كان عهد حرية وإصلاح ورخاء ومجد وعظمة لدولتها وأمتها على عكس عهد ناصر الدين الذي كان عهد ظلم واستبداد وضيق وتعذيب واضطهاد وفتنة وانحطاط واستغلال. فلما جاء مظفر الدين حاول أن يحكم كأبيه ولكن الأمة كانت قد تنبهت، فما زالت تطالب بحقوقها حتى نالت بعضها في سنة 1907 وأعلن الدستور وتأسس البرلمان، ولما أدركته الوفاة أحضر ولده محمد علي وأخذ عليه العهود والمواثيق (فبراير سنة 1908) بأن يحتفظ بالدستور والبرلمان، ولكن محمد علي كان رضيع الاستبداد الروسي فوعد أباه وعدا كاذبا، ولما مات أبوه نقض عهده وهدم البرلمان بالقنابل وشتت شمل أعضائه ومزق الدستور الإيراني وطرد الأحرار واعتقل من اعتقل وقتل من قتل، ولم يطل عهده فطرد من وطنه والتجأ إلى الأتراك ثم إلى الروس وتولى ولده بعده، ولكن عهد هذا الأخير لم يطل كعهد أبيه وعزل وطرد من وطنه وتولى الملك الشاه الحالي جلالة بهلوي. ومن غرائب المصادفات أن محمد علي عاش إلى أن رأى زوال دولة القياصرة الروس وانهيار صروح مظالمهم وتحكم جماعة من العامة والدهماء في الدولة، وكان القياصرة أعظم سند له، وكذلك لم يطل عهد ولده في الحياة وقد لقي حتفه في باريس وهو آخر أسرة كشغر التي حكمت بلاد الفرس جملة أجيال، وكانوا جميعا ملوكا محبين لأنفسهم يفضلون مصالحهم على مصالح الشعب ويبذرون في أموال الأمة على شهواتهم وغاياتهم التفهة الوضيعة. وتعد بلاد فارس الآن من أقوى ممالك الشرق الإسلامية المستقلة، وربما كان اتحادها مع تركيا والعراق وأفغانستان مما يحيي الآمال بوجود جبهة شرقية قوية في غرب آسيا قد تسترجع المجد القديم وتقاوم غوائل الاستعمار، ولكن يجب عليهم قبل ذلك حسن التفاهم وتوحيد الثقافة والمقاصد وتوجيه الهمم إلى مثل أعلى واحد وهو إحياء الشرق وانتشاله من وهدة السقوط والانحلال.
الفصل السابع عشر
أمنا الهند
أكاذيب كاترين مايو
لم تقف محاربة الإنجليز للهند عند حد الاستعمار والاستثمار والتملك وغرس بذور الشقاق لتكون لها السيادة على تلك البلاد العظيمة، التي أثبت العلم الحديث أنها من أصل آري وأن شعوب أوروبا كلها تفرعت من القبائل التي نزحت منها في القرون الماضية؛ بل إنهم لجئوا في محاربتها وقتل نهضتها إلى كل سلاح.
فإنه عندما قامت حركة غاندي منذ سبع أو ثماني سنين وظهر في الهند كتاب وشعراء وعلماء اشتهروا في الغرب وصارت لهم مكانة، مثل تاغور الذي نال جائزة نوبل والسير بوز الذي نبغ في العلوم الطبيعية واخترع أداة أثبت بها حياة النبات وخفوق قلبه 1926، وانتشر الهنود في أوروبا وأمريكا يدافعون عن قضيتهم وينشرون ظلامتهم ليحسنوا سمعتهم في نظر العالم المتحضر، وألف بعض كتاب الإنجليز كتبا في صالح الهنود مثل سير هنري كوتون (كتاب الهند الجديدة)، ونشر الهنود كتبا قيمة مثل كتاب «حرب الاستقلال» عن ثورة 1857 (تأليف ساڤار كار وطبع لندن سنة 1910)، ولما كانت أعمال المؤتمر الوطني منذ 1901 و1902 قد بهرت ساسة الإنجليز وأقنعتهم برجاحة عقول الهنود وكفايتهم للاستقلال (راجع وصف مستر سويني للمؤتمر الوطني الذي عقد في أحمد آباد)؛ رأى الإنجليز أن يلجئوا إلى السلاح الذي نفعهم في الحرب العظمى وفي كل أدوار هجومهم على الشرق، فاستأجروا سيدة اسمها كاترين مايو أمريكية الوطن إنجليزية الأصل وسهلوا لها كل الوسائل ونقلوها إلى الهند حيث فتحوا لها كل باب مغلق ورفعوا أمامها كل ستار فألفت كتاب «أمنا الهند»، وقد ظهرت الطبعة الأولى في يوليو سنة 1927 وطبع بعد ذلك خمس عشرة طبعة آخرها سنة 1930، وقد صادف نجاحا لم يسبق له مثيل لأن المرأة الكاتبة حشدت في هذا الكتاب من الفظائع والقبائح ما لم يحشد مثله من قبل في عشرة كتب، فصورت الهند في أفظع صورة من حيث المعتقدات والأدب والحياة، ووصفت الزواج المبكر وقذارة الوالدات وإحراق الجثث وتعذيب الأرامل وأذاعت أمورا عن العادات السرية لا يخطر ببال إنسان أن المرأة تكتبها أو تعرضها على قرائها كإعلان بعض الباعة عن عقاقير مقوية في العلاقات الجنسية «اثنان وثلاثون عمودا من القوة تصلب عودك المتداعي وتعيد إليك قوة الغرام، ثمنها روبية واحدة.» وروت أن الهندي ابن الثلاثين يبدو في جلد الشيخ الذي جاوز الستين لشدة إفراطه في علاقة الزواج.
وغايتها من وراء ذلك أن تصور الشعب الهندي المطالب بالاستقلال في صورة الشعب المنحل المضمحل الذي ذهبت رجولته في سبيل شهواته البهيمية، وادعت أن حكومة بنجاب وحدها حاكمت إحدى عشرة صحيفة يومية لنشرها مثل هذه الإعلانات. وفات السيدة كاترين مايو أن الدكتورة ماري ستوبز الإنجليزية نشرت كتابا بلغتها في لندن في بحث المسائل الخفية من الحياة الزوجية، وقد طبع هذا الكتاب أكثر من سبعين مرة من سنة 1917 إلى يومنا هذا، وفعله في أذهان قارئيه أكثر من فعل الحبوب التي تشير إليها كاترين، ولم يقلل وجود هذا الكتاب وما يدعو إليه من الفسوق والتحريض على الشهوات من رجولة الشعب الإنجليزي الذي اشتهر عن بعض رجاله في المستعمرات أمور يندى لها الجبين. وتدعي كاترين مايو أن أكابر البراهمة يبغضون إصلاح المرأة ويقولون: «إن الزوج للبنت البرهمية أعظم وأصدق وأعز من كل المصلحين الاجتماعيين في العالم.» ص43 كتاب «أمنا الهند». فكأن الرجال ليسوا وحدهم المتردين في هوة الشهوة، بل إن النساء أيضا أكثر ميلا من الرجال إلى التردي في تلك الهوة. وادعت أن في كل جيل تموت 3200000 امرأة من آلام الوضع والولادات العسرة لصغر سن الزوجات الفتيات.
دعاية استعمارية ضد الهند
ووصفت في ص51 أن في مقاطعة مدراس ينذر الوالدون أطفالهم للمعبد تقربا إلى الآلهة وزلفى، فإذا ولدت إحدى الأمهات بنتا سلمتها إلى سدنة الهيكل فتناولها النساء الخادمات للإله بتعليم الرقص والغناء، حتى إذا ترعرعت وبلغت ست سنين أو سبعا يراها الكهنة صالحة للرجال فيتمكنون منها وفاء للنذر وباسم الإلهة كالي أو الرب فشنو ويطلق على مثل هذه البنت اسم ديفاداسيس أو «عاهرة الأرباب»، وأن الأطفال الصغار قد تفشت بينهم الأمراض السرية المزمنة والحادة، وأن الرجل الذي بلغ الخمسين من عمره يجد من اللائق أن تزف إليه بنت الخمس أو الست ولا يرى هو ولا أهلها في ذلك غضاضة (57).
Halaman tidak diketahui