179

Hayat Sharq

حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره

Genre-genre

وترى هؤلاء الأغنياء أنفسهم يصرخون بطلب النهضة والسعي إلى الخير والتعطش إلى العلم، ولكن حبهم للمال وتعشقهم إياه وتعطشهم لخزنه أكثر من حبهم للعلم والتعليم ومواساة البائسين.

فهم يحبون العلم والتعليم ما دام الأمر لا يقتضي خروج المال من جيوبهم ويحبون النهضة ما دامت لا تمس خزانتهم وما دامت مقصورة على الكلام في المجالس، يحبون البر ولكن لا ينفقون مما أحبوا وهو الأصفر الرنان.

وقد أنشأ السادة العلويون جريدة الإقبال لتدافع عن نظريتهم، كما أسس الضعفاء جريدة الإرشاد لتنصرهم في قضيتهم. على أن الخلاف بين العرب لا يهمنا بقدر ما يهمنا نهوض أهل البلاد أنفسهم، فإنهم بانضمامهم إلى الأمم الشرقية الناهضة يكونون قوة لا يستهان بها.

الفصل التاسع والعشرون

نظرة عامة وخلاصة رأي المؤلف

يقوم بعض فضلاء المسلمين المحبين للإصلاح في بعض ممالك أوروبا بنشر كتب ومجلات وصحف باللغات الأوروبية وينفقون عليها من أموالهم ويقفون عليها أعمارهم الغالية ووقتهم النفيس، ويبذلون علمهم ومعرفتهم وأدبهم في سبيل الدعوة للإسلام والشرق، وهو عمل محمود في ذاته من حيث فيه رغبة في تنوير الأمم الأوروبية في أحوال الشرق الإسلامي ورفع الغشاوة عن أبصارهم، مع أن الشرق لا ينهض إلا بجهوده.

وهذه فكرة أو نوع من الجهاد قد فات أوانه وأصبح عملا غير مجد في حالة العالم الحاضرة، لأن الخير والمجد والقوة لا تأتي من الخارج.

فقد كانت الفكرة الشائعة في القرن التاسع عشر بخصوص استعمار أوروبا أن الاعتداء الواقع على الشرق الإسلامي وغيره إنما هو فعل الحكومات الأوروبية وأن تلك الحكومات تعمل مستقلة عن شعوبها، وأنه إذا علمت الشعوب بحقيقة الأمور في الشرق فإنها تغضب وتحنق على حكوماتها وتهزها النخوة الإنسانية فتقف عثرة في سبيل مضي تلك الحكومات في سبيل استعمار الشرق وإرهاقه. ولذا كانت دعوتنا موجهة إلى الأحرار من أهل تلك البلاد، ظنا منا أن التقسيم السياسي الذي يبدو في مجالسها النيابية وينعكس في صحفهم هو شامل أيضا لسياستهم الخارجية، وتوهما من زعمائنا أن أوروبا منصفة وعادلة!

ولذا بدأ المرحوم مصطفى كامل أعماله السياسية في فرنسا بالخطابة في المنتديات الأوروبية وقدم صورة لمجلس النواب الفرنسي تمثل أسر مصر وتضورها ألما من ظلم الاحتلال، وأنها في بلواها ملتجئة لفرنسا، وشفع تلك الصورة المؤثرة بعريضة تشمل مطالب المصريين وأمانيهم، ولو اطلع على المعاهدات السرية لعدل عن ذلك.

وقد دامت هذه الفكرة في نفس المجاهد الشاب وكل من التفوا حوله حتى كانت سنة 1904، فاتحدت فرنسا وإنجلترا واتفقتا على تسوية مسائل الشرق الأقصى والأدنى فذهبت آمالنا في فرنسا أدراج الرياح. وما زال الأحرار في أوروبا يتقربون إلى المجاهدين منا ويظهرون رغبتهم في خدمة مسألتنا ونحن نصدقهم ونظن أنهم جادون، والحقيقة أنهم كانوا يتخذون من المسألة المصرية سلاحا لمحاربة حكوماتهم، حتى إذا تولى الأحرار الحكم كما حدث في سنة 1905 بعد سقوط وزارة بلفور المحافظة لم تكن حكومتهم أرحم بنا من سابقتها، بل إن حادثة دنشواي الفظيعة المهولة حدثت في يونيو سنة 1906 بعد أن مضى على حكم الأحرار في إنجلترا سبعة أشهر. وأخيرا لجأنا إلى العمال، وخطب زعيمهم كيرهاردي في مؤتمر جنيف سنة 1909 خطبة رسمية أيد فيها سياسة اللورد كرومر واستشهد بنبذ طويلة من تقاريره .

Halaman tidak diketahui