Hayat Sharq
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Genre-genre
فلما ألح العرب في طلب العهود والوعود وهم لا يعلمون بالمعاهدة السرية وإن كان الأمير شكيب يقول إنه نبههم وحذرهم، فطبخوا لهم صك مكماهون السالف الذكر.
وبعد صك مكماهون بسبعة أشهر أخرى عقدت فرنسا وإنجلترا معاهدة سايكس بيكو، اتفقتا بمقتضاها اتفاقا نهائيا على تقسيم الأقطار العربية في الدولة العثمانية تقسيما قائما على أساس المعاهدة السرية التمهيدية التي أمست تشبه العقد الابتدائي في بيع العقار، فباتت العراق عراقا بريطانيا وسورية مستعمرة فرنسية لا شك فيها وكذلك اعترفوا بسلطة إنجلترا في فلسطين ونفوذ فرنسا في سائر سورية من حلب إلى دمشق.
وبذلك أصبح صك مكماهون واستقلال العرب سرابا وحلما مضحكا، وكأنه شيك على بنك لا يوجد به نقود باسم كاتبه
un cheque sans provision .
وكان قواد الإنجليز لا ينفكون عن إعطاء الوعود للعرب وهي مودعة في المنشورات والتصريحات التي كانوا يذيعونها، مثل منشورات الجنرال مود في العراق (مارس سنة 1917). ويروى أن هذا الجنرال مات لأنه شرب قهوة في خيمة موبوءة بالطاعون، وقد حذروه فأبى أن يرفض كرامة العربي ولو كان في قبول الضيافة حتفه، فلا ندري إن كان رجلا كريما كهذا كان يعلم بالمعاهدات السرية أو لا يعلم، ولكن بين مكارم الأخلاق وتنفيذ الخطط السياسية بونا شاسعا جدا.
وبعد أن وضعت الحرب أوزارها ظهرت أوزار السياسة، وعلم العرب (الذين لم يصلهم تحذير الأمير شكيب أو وصلهم ولم يؤمنوا به حيال إيمانهم بالدينار) بأنهم كانوا ضحية خدعة كبرى وأنهم أضاعوا أنفسهم وأوطانهم، وضربوا بمعاول مطامعهم وجهلهم وقصر نظرهم وغرورهم الدولة الإسلامية الكبرى. والعجيب أن العرب لم ينهضوا في هذه المرة بفتنة عظمى ضد الحلفاء، ولم يغضبوا لهذا الغدر الفاجع، وسمعوا نصيحة الأمير فيصل فسكتوا طول سنة 1919 حتى دب الخور إلى العزائم وسرى الضعف إلى القلوب، وأقنعهم الأمير بضرورة الذهاب إلى مؤتمر الصلح (!) فأوفدوه ليبسط لدى مؤتمر السلم قضيته ببلاغة معنى وفصيح منطق يحف بموقفه الوقار (وهو الموقف الذي وصفه الأمير شكيب في مقالة الشورى) ولكنه للأسف لقي خيبة المسعى!
الفصل السابع والعشرون
الحلفاء بعد الحرب يقتسمون الغنيمة
حيلة الانتداب
وكان ويلسون وكلمنصو ولويد جورج قد أحسنوا طهي مشروع الانتداب، الذي هو كلمة حلت محل الاستعمار لأن الشرقيين في زعمهم وزعم تشيرول يكترثون للألفاظ أكثر مما يكترثون للمعنى، فاشتمل عهد عصبة الأمم على بيان دال على الرفق والعطف، وذلك:
Halaman tidak diketahui