Hayat Sharq
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Genre-genre
وهذا هو الذي دعانا إلى تقدير رأيه والنظر في كل ما يقع لنا من كتبه ومباحثه.
وها هو اليوم ينادي بالحلف العربي، وقد نشر فكرته هذه في صدر جريدة الشورى التي صدرت في القاهرة في العدد المؤرخ في 11 مارس سنة 1931، والمقال غريب في بابه ونادرة من نوادر القلم، فإن الأمير يستهله بقوله: «بكينا حتى عمينا على أن نرى تحقيق مشروع الحلف العربي! وأجمعنا كلنا على أنه لا حياة للعرب في هذا العصر وما يليه إلا به، لأنه الوسيلة الوحيدة لصد الاستعمار الذي أنشب براثنه بقسم من بلداننا وهو يتهدد القسم الباقي منها، فإذا أنشب براثنه بجزيرة العرب كما أنشبها بسورية والعراق وفلسطين والكويت والبحرين وعمان وحضرموت وعدن لم يبق عربي على وجه البسيطة حرا.»
يظهر من هذه المقدمة أن الأمير كان يتحرق هو وإخوانه على تحقيق الحلف العربي بين أمراء الجزيرة وملوكها، وقد أشرنا إلى فشل المساعي التي بذلها أصدقاء ابن سعود والإمام يحيى لإيجاد هذا الحلف في الجزيرة نفسها.
ولكن الحلف الذي يشير إليه الأمير في مقاله والذي يشغل الأفكار الآن 1931 إنما هو بين الملك فيصل وبين ابن سعود، لأن إنجلترا تقصد مد سكة حديدية من العراق إلى فلسطين، وأنه لا بد لها حتى يكون الخط مستقيما ولا يدور دورة طويلة من المرور بأرض الجوف ووادي السرحان التابعة لابن سعود.
وكان الأمير شكيب نفسه قد كتب في سنة 1917 مقالات عندما كان في برلين وكانت الحرب دائرة رحاها مشتطة لظاها، وحذر المسلمين والعرب من خنق الإنجليز لجزيرة العرب عندما كان الكثيرون يرون أن كل من ناصب إنجلترا العداء فهو خائن للعرب وأن انتصار إنجلترا هو نجاح لقضية العرب (والأمير يشير بذلك إلى الفترة التي كان فيها العرب مستغرقين في محبة الإنجليز وتصديق وعودهم، والإنجليز من ورائهم يعقدون المعاهدات السرية لتقسيم أوطانهم وأوطان سواهم).
وكتب الأمير في سنة 1926 عندما طرد الإنجليز مجاهدي سورية من الأزرق فلجئوا إلى أرض ابن سعود فقال تلك الجملة التي كادت تسير مثلا: «العرب أصبحوا غرباء حتى في بواديهم.»
وقال الأمير نفسه عن هذا الخط الحديدي إنه مهما يكن من منافعه المادية فالقيد إذا كان من ذهب لا يخرج عن كونه قيدا، وحبل المشنقة إذا كان من حرير لا يخفف منه شنقا. وقال: إن خطا كهذا إذا امتد فلا بد من أن يكون عربيا بحتا لا إنجليزيا. وقد حذر من الرضا بهذا الخط الإنجليزي في الكتابات الخاصة والعامة.
هذه هي خطة الأمير شكيب - حفظه الله للإسلام ذخرا - منذ سنة 1917 إلى سنة 1926، فما الذي استجد؟
إنه عندما ذاع خبر الحلف العربي، صاح الكثيرون من المشتغلين بشئون العرب وممن لا علاقة لهم بالمراجع الرسمية:
لا، لا، إياكم وهذا الأمر فإنه دسيسة إنجليزية.
Halaman tidak diketahui